تداعيات غير متوقعة: مقابلة مع خبيرة أمريكية: هل يتحمل الحوثيون عواقب السلطة في اليمن؟

تداعيات غير متوقعة: مقابلة مع خبيرة أمريكية: هل يتحمل الحوثيون عواقب السلطة في اليمن؟

211901

في حوار أجراه زكاري لاوب، كاتب ومحرر بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، مع أبريل لونجلي ألي، الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية والمقيمة في دبي، حول سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية، والدور المتوقع أن يلعبه الحوثيون في العملية السياسية اليمنية، والصراع المتوقع بين جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة داخل الأراضي اليمنية، وتأثير ذلك على استقرار اليمن وبالتبعية على منطقة الشرق الأوسط – تقول لونجلي إن “الحوثيين هم ضحايا نجاحهم”. فبعد إحرازهم تقدمًا خارج حدود قاعدتهم الشمالية، يواجه الحوثيون الآن عواقب لم يتوقعوها في ظل تحالف التنظيم المنافس لهم “القاعدة في جزيرة العرب” مع بعض القبائل لصد الزحف الحوثي.

وفي غضون ذلك، ترى لونجلي أن المملكة العربية السعودية رأت صعود الحوثيين المنحازين إلى إيران على حدودها الجنوبية كجبهة جديدة في إطار تنافسها مع إيران على الهيمنة الإقليمية. وتضيف في حوارها أن هذه التطورات تُهدد بإضافة بُعْدٍ طائفي إلى أزمة سياسية تصاعدت منذ أطاح اليمنيون بالرئيس علي عبدالله صالح، بعد 33 سنة قضاها في سدة الحكم، أثناء انتفاضات الربيع العربي في عام 2011.

مَنْ هم الحوثيون؟

تمتد جذور الحوثيين إلى حركة ظهرت في شمال اليمن في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بغرض حماية الموروثات الدينية والثقافية الزيدية وإحيائها. والزيدية هي فرقة دينية إسلامية متفرعة عن المذهب الشيعي، وهم يختلفون عن الشيعة الاثني عشرية الذين يوجدون في إيران والعراق ولبنان. ويشكّل الزيديون الأغلبية في أقصى شمال اليمن، لكنهم يشكّلون أقلية في البلد عمومًا.

بداية من الثمانينيات، زُرعت معاهد دينية سلفية (إسلامية سنية) في هذه المناطق التي تنتمي تقليديًّا إلى المذهب الزيدي بدعم من الدولة؛ فأحس الزيديون بأنهم يتعرضون لانقضاض، كما شعروا أيضًا بمرارة الإقصاء السياسي والتهميش.

سُيّست حركة الحوثيين تحت قيادة زعيمها الراحل حسين بدر الدين الحوثي الذي عارض الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 وحوّل الحركة نحو العمل السياسي. وقد نُظر إلى الرئيس علي عبدالله صالح كداعم للولايات المتحدة، ومن ثمَّ كانت انتقادات حسين تمثل تحديًا أمام صالح. وما بدأ كعملٍ أمنيٍّ بهدف إلقاء القبض على حسين شهد تحولا سريعًا في الشمال حتى اندلعت في عام 2004 شرارةُ الجولة الأولى من ست جولات من الصراع المسلّح بين أتباع حسين والدولة اليمنية.

بعد انتفاضة عام 2011، انضم الحوثيون إلى صفوف ائتلاف يضم أصحاب المصلحة اليمنيين ممن لهم تاريخ طويل في محاربة نظام صالح. وقد تبدت الخلافات بين هذه الجماعات التي كانت تضم بعضًا من خصومهم التقليديين، بشكل سريع نسبيًّا.

وفي الفترة بين عامي 2012 و2014 جمع مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد برعاية الأمم المتحدة بين الجماعات المعارضة والحكومية الكافة لوضع أساس لدستور جديد، وقد شارك الحوثيون في هذه المفاوضات السياسية مع احتفاظهم بموقف ثوري، وتوسيع سيطرتهم على الأرض.

“أنصار الله” هو التنظيم الأم الذي يتبعه الحوثيون. كما شرعت الحركة أيضًا في تكوين حلفاء سياسيين من أماكن بعيدة جدًّا خارج معقلها في شمال البلاد. وبدأ الحوثيون يتحدثون عن قضايا وطنية أوسع باستخدام لغة شعبوية، ويقدمون أنفسهم إلى الناس كحركة قرآنية لا كحركة زيدية.

ما زالت طموحاتُهم السياسية يشوبها الغموض، ويعتريها التغيّر نوعًا ما. فهم في الأساس مدفوعون بالحاجة إلى حماية أنفسهم مما يعتبرونها دولة همّشتهم وهاجمتهم في الماضي. وقد ازداد مقدار ما يريدون السيطرة عليه من صنع القرار على المستوى الوطني زيادة هائلة في ضوء ما حققوه من نجاح عسكري.

مع اجتياح العاصمة في سبتمبر الماضي وإجبار الرئيس والحكومة على الاستقالة في أواخر يناير من العام الجاري، هل تُعتبر “أنصار الله” الآن الحزب الحاكم فعليًّا في اليمن؟

حتى الآن، حقق الحوثيون ما أرادوه بسهولة، وهم يشجبون ما يعتري العملية الانتقالية من عيوب لكنهم لا يتحملون إلا قليلا من مسئولية الحكم. فهم لا يقدرون على حكم اليمن من دون تحالفات وائتلافات قوية.

وتضعهم استقالة الحكومة في مأزق. لقد أخطئوا الحساب في مضيهم قدمًا في إصدار إعلان دستوري في 6 فبراير الماضي، الأمر الذي نفّر منهم الأحزاب السياسية الرئيسية، وأثار المعارضة التي كانت تغلي تحت السطح منذ استيلائهم على العاصمة في سبتمبر الماضي.

الحوثيون مُحقّون في نقدهم للنظام القديم والفساد وبطء وتيرة الإصلاح ووتيرة تنفيذ مختلف اتفاقيات الانتقال، بما في ذلك مخرجات الحوار الوطني. وهم قوة عسكرية تتمتع بمقدرة كبيرة، لا سيما في غياب جيش وطني متماسك. لكنهم ليسوا جماعة ذات خبرة سياسية وجاهزة لتسيير حكومة أو إدارة الاقتصاد. لقد أثقلوا على أنفسهم.

ما مصالح “أنصار الله” المشتركة مع إيران؟ وهل تتلقى الحركة دعمًا ماديًّا من إيران؟

“أنصار الله” منفتحة تمامًا فيما يخص علاقاتها السياسية مع إيران، ويبدي قادتها إعجابهم بعناصر معينة من النظام الإيراني، لا سيما معارضته الغرب والولايات المتحدة. وهم ينظرون إلى أنفسهم كجزء من الفلك الإيراني. وهذا لا يُفضي بهم إلى تلقي أوامر من إيران بالضرورة، وهو لا يعني أن نجاح الحوثيين هو نتاج تدخل إيراني.

ويُمثّل حجم الدعم المادي علامة استفهام. وهو ليس بالعامل الحاسم في قدرة الحوثيين على كسب الأرض أو بسط السيطرة. فهذه القدرة هي في المقام الأول نتاج ضعف الدولة اليمنية، والمنافسات الداخلية التي تمكّن الحوثيون من استغلالها، ومشاعر الإحباط السائدة داخل اليمن تجاه نخب النظام القديم، وبطء وتيرة التغيير.

إن البُعد الإيراني -كما يدرك الحوثيون تمام الإدراك- يُمكن أن يكون مَغْرَمًا في السياق اليمني. فالحوثيون ينتمون إلى المذهب الزيدي، وهناك معارضة لتغيير الموروثات المذهبية لتتواءم مع أي شيءٍ اثني عشري. ويستغل نُقّاد الحركة في اليمن بالفعل هذه الصلة التي تربط بين الحوثيين وإيران استغلالا ناجحًا لتقويض جاذبيتهم السياسية الداخلية.

ما أثر صعود الحوثيين على “القاعدة في جزيرة العرب”؟

حقق الحوثيون العديدَ من الانتصارات المهمة ضد “القاعدة في جزيرة العرب” في مواضع عجزت فيها الحكومة. ومع ذلك، فإن “القاعدة” تستغل حقيقة وجود الحوثيين في صدارة المعركة كفرصة لتأجيج التوترات الطائفية. وليس لدى اليمن إرث من الصراع السُنّي الشيعي، لكن “القاعدة في جزيرة العرب” تحاول تأطير المعركة في هذا السياق. ويتوقف مدى نجاح الحوثيين، إلى حدٍّ كبير، على مدى استعدادهم لتشكيل الائتلافات اللازمة لحكم البلد على نحو لا يُقصي أحدًا، وإقامة جيش شرعي ودولة.

تشهد “القاعدة” الآن طفرة تجنيدية في بعض المناطق، ومنها جزء من محافظة البيضاء في وسط البلاد، حيث ينظر الناس إلى الحوثيين هناك كغزاة. وعندما يحدث هذا، فقد تنحاز القبائل المحلية إلى “القاعدة” لوقف تقدم الحوثيين.

على الرغم من المعارضة الحوثية وإغلاق السفارة الأمريكية، تواصل واشنطن تنفيذ ضربات جوية بالطائرت دون طيار، وتدريب بعض الوحدات العسكرية اليمنية. فما الذي سيبدو عليه شكل الدور الأمريكي في اليمن في الأيام المقبلة؟

لا يملك الأمريكيون نفوذًا مباشرًا على الحوثيين الذين يجاهرون في خطابهم بالعداء للأمريكيين حتى وإن كان يجمعهم عدو مشترك. وأما الجماعات التي تملك أكبر قدر من النفوذ في الوقت الراهن فهي موجودة في الخليج، لا سيما السعوديين وإلى حد ما إيران. فإيران يمكنها أن تلعب دورًا إيجابيًّا بتشجيع الحوثيين على تجنُّب ذلك النوع من الإقصاء الذي سيكلفهم المكاسب السياسية الكبيرة التي حققوها.

ولسوء الحظ فإن المملكة العربية السعودية فقدت -فيما يبدو- الأمل في العملية السياسية، إذ تراها عدوانية في محاولاتها عزل الحوثيين دبلوماسيًّا، كما تساند الجماعات التي ستواجههم عسكريًّا. ويبدو أن المملكة العربية السعودية غاضبة ومهيأة لخوض معركة، كما لا يوجد أيضًا ما يدل على أن إيران تعمل على اتخاذ إجراءات إيجابية لنزع فتيل هذه الأزمة. وهذا لا يُنذر بخير فيما يخص الاستقرار. فالسياق الإقليمي يصعّب بشدة على اليمنيين التوصل إلى تسوية سلمية.

هناك بلدان غربية كثيرة أغلقت سفاراتها في مطلع فبراير. فما الدافع السياسي وراء ذلك؟

أقدم البريطانيون والفرنسيون والأمريكيون والاتحاد الأوروبي والهولنديون والألمان والأتراك ودول مجلس التعاون الخليجي وآخرون على إغلاق سفاراتهم في اليمن مؤقتًا، متعللين بمخاوف أمنية. ويمثل الأمن شاغلا ما دام الطريق المسدود من الناحية السياسية مستمرًّا، ومن المحتمل أن تزداد الأوضاع سوءًا في ظل غياب تسوية سياسية. ومع ذلك، فإن صنعاء بوجه عام لم تكن يوم أن أغلقت السفارات أبوابها بأخطر منها قبل ذلك التاريخ بشهرين. فالحوثيون يفرضون قبضة قوية على العاصمة. ويبدو أن قرار إخلاء السفارات جاء للضغط على الحوثيين لتقديم تنازلات بقدر ما أنه جاء نتيجة للأوضاع الأمنية هناك.

لقد تركت معظم السفارات الملعب، وهذا يحول دون حصول العواصم على تحليلات من دبلوماسييها من قلب الميدان. وقد لعب كثير من هذه السفارات دورًا بالغ الأهمية في الحركة المكوكية بين أصحاب المصلحة اليمنيين، وحاول كثير منها تشجيع الحوثيين على تقديم تنازلات، والسير في مسار دبلوماسي.

يسترشد الحوثيون في المقام الأول بحسابات سياسية داخلية. وتتمثل نقاط الضغط في الجانب الاقتصادي بالدرجة الأولى، هذا بالإضافة إلى التعبئة الداخلية المضادة. ومن المستبعد أن يبدل غياب السفارات الغربية أو حضورها صنع القرار لدى الحوثيين، وكل ما يفعله، بدلا من ذلك، هو سحب عناصر التجسير بين مختلف أصحاب المصلحة في وقت هناك حاجة ماسّة إليها.

ماذا عن آفاق إحياء الانتقال السياسي المدعوم من الأمم المتحدة؟

المفاوضات جاريةٌ، وما زال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر في صنعاء، لكن الانتقال انحل. وقد أعلن المبعوث الخاص عن التوصل إلى اتفاق بمثابة اختراق بشأن إنشاء مجلس انتقالي يخدم بصفته الهيئة التشريعية في البلاد، وذلك بالتنسيق مع البرلمان القائم. وهذا شيء إيجابي، لكن هناك كثير من القضايا الصعبة التي ما زالت في الطريق، ومن ضمنها الاتفاق على رئيس للدولة.

إن أية تسوية شاملة ينبغي أن تشمل اتفاقًا على تقاسم للسلطة فيما قبل الانتخابات على المستوى الوطني ومستوى المحافظات، وتطبيع الوضع الأمني في صنعاء (على سبيل المثال: إنهاء الإقامات الجبرية، واحتلال الحوثيين للمباني الحكومية)، وتوافق على هيكل الدولة، لا سيما بشأن مستقبل الجنوب الذي تقوى فيه المشاعر الانفصالية.

كانت هذه القضايا هي الآفة التي ابتُلي بها الانتقال منذ انتهاء الحوار في البلد في يناير 2014. وهي ما زالت دون حل. ولسوء الحظ فإنه ليست هناك إلا مؤشرات ضئيلة على أن الجماعات المتفاوضة متلزمة بصدق بالتوصل إلى تسوية نهائية في هذا الوقت.

ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الحوثيون في العملية السياسية الانتقالية في البلاد؟

الحوثوين ضحايا نجاحهم. فهم يقدّمون مطالب لكن لا يعرضون إلا القليل جدًّا من الحلول الوسط. ولا تؤمن الأحزاب الأخرى بأن الحوثيين جادون في شأن السماح لأي شخص آخر بالمشاركة، وبالتالي فليس لديهم دافع للتعاون معهم. وكثير من اليمنيين يرونهم مصممين على فرض إرادتهم بالقوة. وربما يريد المعارضون أن يتعرض الحوثيون للإنهاك العسكري أو على الأقل للتقويض السياسي نتيجة انهيار اقتصادي قبل التوصل إلى أي توافق سياسي دائم.

سنكون مجافين للصواب إذا أطّرنا ما يجري باعتباره صراعًا طائفيًّا، لكن سيكون من التضليل بالقدر نفسه أن ننكر وجود جانب طائفي متنامٍ. فالمعارضة السياسية والعنيفة للحوثيين هي على أشدها اليوم في المناطق الشافعية (السُنيّة) من البلاد، لا سيما في محافظة مأرب وسط البلاد شرق صنعاء، وبشكل متزايد في جنوب اليمن. فاليمنيون في هذه المناطق قلقون من النزعة الطائفية التي تتسلّل تدريجيًّا. والبيئة الإقليمية لا تُقدم يد العون. فالقاعدة تُحاول تأجيج الطائفية، والمملكة العربية السعودية تنظر إلى الصراع كجزءٍ من صراع إقليمي مع إيران. وفي إيران، يؤجج بعض المسئولين هذه المخاوف، فنراهم يهتفون للحوثيين، وينسبون إلى أنفسهم الفضل في نجاحهم. هذا الثوب الطائفي الإقليمي لن يؤدي إلا إلى تعقيد الصراع العنيف داخل اليمن وإطالة أمده.

زكاري لاوب: كاتب ومحرر بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي

ترجمة وإعداد: طارق راشد عليان – باحث علوم سياسية

المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية