ملخص
تناقش هذه الورقة ترتيبات فترة مابعد مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، وتستعرض عددًا من السيناريوهات، وتقدِّم قائمة بأبرز المرشحين، وما هي نقاط ضعف وقوة كل منهم.
وترى الورقة أنه لا يوجد سيناريو واحد محدد ومتفق عليه بشأن الخليفة المحتمل، وكذلك الحال بالنسبة لطريقة انتقال السلطة إليه، وأن ذلك كله يتحدد بموقف القوى السياسية والمؤسسات ذات التأثير على هذا الصعيد، وفي مقدمتها مجلس الخبراء، والمرجعيات الدينية في قم، كما لا يمكن إغفال دور الحرس الثوري الذي بات متنفذًا في العديد من مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.
وتخلص الورقة إلى أن السيناريوهات تتراوح بين انتقال سلس للسلطة، وآخر يضع بقاء موقع المرشد وصلاحياته كما هي عليه الآن موضع الشك، وهناك من يقول بخلافات واسعة لن يتمكن الفرقاء من تجسيرها؛ مما يدفع الجهة الأقوى في إيران اليوم -وهي الحرس الثوري- إلى إحكام السيطرة على الأمور. ومن الملاحظ أن المرجعيات في قم تتعدد توجهاتها ومواقفها تجاه هذه القضية، وإن كان دورها قد تراجع في الحياة السياسية مقارنة بالعقد الأول من الثورة، وفي الموازاة تعاظم تأثير الحرس. إن سيطرة التيار الأصولي على تركيبة مجلس الخبراء المكلف دستوريًّا بتعيين المرشد تعطي مؤشرًا على طبيعة الخليفة القادم، لكن -وفي الوقت ذاته- لا يمكن إنكار تأثير شخصيات وقوى سياسية من خارج هذا الطيف في مستقبل تعيين المرشد والتوافق عليه.
يوجد معطيات كثيرة اليوم، تجعل من السؤال حول خليفة مرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي وجيهًا وملحًّا، فخلال الأشهر الأخيرة تواردت أنباء عن صعوبة أوضاعه الصحية، ولم تُخفِ الجمهورية الإسلامية أنباء خضوعه لعملية جراحية، ولم يعد المرشد الذي كان يواظب على رياضة صعود الجبل يشاهد في الجبال كالسابق. وترافق ذلك كله مع شائعات بوفاته تناقلتها وسائل إعلام إسرائيلية على وجه الخصوص؛ مما دفع بوكالات الأنباء الإيرانية إلى بث تسجيل يظهره يلقي كلمة في اجتماع حول البيئة(1).
سبق وطُرح السؤال حول خليفة خامنئي داخل إيران وخارجها قبل عدة سنوات، إلا أنه لم يأخذ من الاهتمام ما يأخذه اليوم، خاصة مع التطورات الأخيرة التي تشهدها الجمهورية الإسلامية، في ملفاتها الداخلية والخارجية.
تبحث هذه الورقة في السيناريوهات المحتملة لما بعد خامنئي، وأيّ هذه السيناريوهات هو الأكثر ترجيحًا، وتقدِّم أبرز المرشحين، وما هي نقاط ضعف وقوة كل منهم.
المرشد في الدستور ومفاصل الحكم
أخذت “ولاية الفقيه” مكانًا بارزًا في الدستور الإيراني(2)، حيث نصت المادة الثانية منه على الإيمان بالإمامة(3)، وأكدت المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني على أن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير.
ونصت المادة الخامسة منه، على أن منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والقائد لإيران، المنوط بـ “في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير، وذلك وفقًا للفصل الثامن من الدستور والمادة (107)، وهو الفصل الذي فصّل في موضوع القائد(4).
وفق المادة (107) من الدستور، توكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قِبل الشعب. وهؤلاء الخبراء يدرسون ويتشاورون بشأن كل الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الخامسة بعد المائة والتاسعة بعد المائة، ومتى ما شخّصوا فردًا منهم باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو حيازته تأييد الرأي العام، أو تمتعه بشكل بارز بإحدى الصفات المذكورة في المادة التاسعة بعد المائة انتخبوه للقيادة، وإلّا فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدًا، ويتمتع القائد المنتخَب بولاية الأمر ويتحمل كل المسؤوليات الناشئة عن ذلك. وينص الدستور على مساواته مع كل أفراد البلاد أمام القانون(5).
شروط المرشد
وحددت الشروط اللازم توفرها في القائد وصفاته، وهي:
• الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه.
• العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية.
• الرؤية السياسية الصحيحة، والكفاءة الاجتماعية والإدارية، والتدبير والشجاعة، والقدرة الكافية للقيادة.
وعند تعدُّد من تتوفر فيهم الشروط المذكورة، يُفضّل من كان منهم حائزًا على رؤية فقهية وسياسية أقوى من غيره.
عجز المرشد وعزله
عند عجز القائد عن أداء وظائفه القانونية أو فَقْده أحد الشروط المذكورة في المادة الخامسة بعد المائة والمادة التاسعة بعد المائة، أو عُلم فقدانه لبعضها منذ البدء، فإنه يُعزل عن منصبه، وفق ما تنص عليه المادة (111) من الدستور. ويعود تشخيص هذا الأمر إلى مجلس الخبراء المذكور في المادة الثامنة بعد المائة.
صلاحيات المرشد
وقد حددت المادة (110) من الدستور الإيراني صلاحيات المرشد(6). وتشير هذه النصوص صراحة إلى أن منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، هو المنصب الأول والأعلى والأكثر تأثيرًا ونفوذًا في الجمهورية الإسلامية، وتمتد صلاحياته، التي يضمنها الدستور، لكل السلطات، ولكل مفاصل الدولة. فالوليّ الفقيه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسؤول عن إعلان الحرب والسلام، وهو من يعيِّن ويعزل رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، وقائد الحرس الثوري، وقادة الأمن وأصحاب المناصب العليا في المؤسسات الأمنية(7).
وتمتد صلاحياته لتشمل تعيين وعزل رئيس مجلس صيانة الدستور، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية. ولا يقف الرئيس الإيراني المنتخَب من قِبل الشعب بعيدًا عن سلطة المرشد، حيث يصادق المرشد على انتخابه، ويملك صلاحية عزله والحد من سلطته، وكانت تجربة محمود أحمدي نجاد خير دليل على ذلك.
وتتولى “مؤسسة القائد” التحضير والمتابعة لأنشطة الولي الفقيه، من لقاءات وخطب ومحاضرات وبيانات. وله آلاف الممثلين ينتشرون في جميع مؤسسات الدولة الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية والأمنية، مع حضور قوي في الجامعات، فضلًا عن ممثلين له في عدد من الدول.
ويقدِّم مجمع “تشخيص مصلحة النظام” المشورة له في كثير من القضايا.
مجلس الخبراء: مرآة الخلافات
يعكس تاريخ هذا المجلس أنه كان محل تجاذب سياسي، فقد اجتمع مجلس الخبراء لأول مرة سنة 1983 واختار فقهاء المجلس حسين علي منتظري كخليفة للإمام الخميني، ثم ما لبث أن عزله الخميني عقب خلافات عميقة بينهما(8). ولمنع تكرار ذلك، لم يعيِّن مجلس الخبراء خليفة آخر. وبعد وفاة الخميني اجتمع المجلس في يونيو/حزيران 1989 وعيَّن علي الخامنئي كولي فقيه. وكان إبعاد هاشمي رفسنجاني عن رئاسة المجلس في عام 2009 واحدًا من أبرز تجليات الخلاف السياسي بينه وبين المرشد، على خلفية إعادة انتخاب أحمدي نجاد.
يتكوَّن مجلس الخبراء عادة من الفقهاء، ويطغى على تركيبة المجلس الحالية الخط الأصولي، وتوالى على رئاسته رجال مقربون من آية الله خامنئي. في العام 1990 تصدى لرئاسته آية الله علي مشكيني إمام وخطيب جمعة قم. وبعد وفاته 2007 خلفه الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني حتى 2011، حيث انتخب آية الله محمد رضا مهدوي كني، عقب خلافات عميقة بين المرشد ورفسنجاني. ومؤخرًا جرى انتخاب آية الله محمد يزدي رئيسًا لمجلس الخبراء، وفاز يزدي بالمنصب بأصوات 47 من أعضاء المجلس الـ 73 الذين حضروا الاقتراع على منافسه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي حاز 24 صوتًا، بعد أن انسحب آية الله محمود شاهرودي من المنافسة، في الانتخابات الداخلية لرئاسة المجلس التي تأتي بعد وفاة رئيسه محمد رضا مهدوي كني في أكتوبر/تشرين الأول 2014 (9).
ويتألف هذا المجلس حاليًا من 86 عضوًا، جميعهم من الرجال. ويتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثماني سنوات، بحيث تُمثّل كل محافظة بعضو واحد داخل هذا المجلس إذا كان عدد سكانها نصف مليون نسمة، وكلما زادت الكثافة عن ذلك، زاد معها تمثيلها بعدد الأعضاء. وفي الوقت الحالي يجتمع مجلس الخبراء بشكل دوري كل ستة أشهر. ومن المقرر أن تجري انتخابات هيئة المجلس العام القادم 2016 بالتزامن مع انتخابات مجلس الشورى.
خليفة المرشد: القوى المؤثرة
تبدو إيران اليوم أكثر استقرارًا مما كان عليه الحال عند وفاة الإمام الخميني، ومع ذلك لا يمكن الجزم بوجود سيناريو محدد ومتفق عليه بشأن الخليفة المحتمل، وكذلك الحال بالنسبة لطريقة انتقال السلطة إليه، وكيف سيكون عليه موقف القوى السياسية والمؤسسات ذات التأثير على هذا الصعيد، وفي مقدمتها مجلس الخبراء، والمرجعيات الدينية في قم، كما لا يمكن إغفال دور الحرس الثوري الذي بات مسيطرًا ومتنفذًا في العديد من مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.
تتفاوت التوقعات بين سيناريو يقول بانتقال سلس للسلطة، إلى آخر يضع بقاء موقع المرشد وصلاحياته كما هي عليه الآن موضع الشك، بل ويرى أن كل مستقبل ولاية الفقيه سيدخل انعطافة جديدة، خاصة وأن المرجعيات في قم تتعدد توجهاتها ومواقفها، كما تراجع دورها في الحياة السياسية مقارنة بالعقد الأول من الثورة، وكان لخامنئي نفسه دور في تحجيم السلطة السياسية لرجال الدين، وفي الموازاة كان دور الحرس الثوري يتعاظم بفعل الحلقة التي أحاطت بالمرشد، حيث عمل أعضاؤها كمستشارين له في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، وهذه الحلقة هي ما بات يُطلق عليه في إيران اليوم بـ “بيت رهبري”، أي: بيت القائد.
ومع رحيل آية الله منتظري في ديسمبر/كانون الأول 2009، وشبه القطيعة التي حدثت بين مرشد الثورة آية الله رفسنجاني، وتقليص نفوذه في الحياة السياسية، وهو ما حدث عقب انتخابات 2009، باتت الساحة السياسية الإيرانية خالية من أبرز شخصيات الجيل الأول للثورة.
سيناريوهات ما بعد خامنئي
السيناريو الأول: انتقال سلس، وتعيين مرجع ديني معروف بوصفه مرشدًا أعلى، وذلك يعني استمرار “ولاية الفقيه” كنظرية حاكمة، إضافة إلى استمرار بناء السلطة وتقسيمها بين المؤسسات السياسية على شكله القديم. وقد يسهم آية الله خامنئي نفسه في اختيار خليفته. ويدعم هذا التوجه بصورة كبيرة التيار الأصولي اليوم الذي يعدّ وليدًا لتيار اليمين الإيراني، ويضم في عضويته أحزابًا ومنظمات كان لها دور كبير في المفاصل والمنعطفات السياسية الإيرانية، مثل مجتمع مُدرِّسي حوزة قم العلمية ومجتمع رجال الدين المقاتلين وحزب المؤتلفة الإسلامي وجمعية “مؤثرو الثورة الإسلامية”، يلتزم هذا التيار بولاية الفقيه المطلقة، ويؤمن بدور أكبر للدين في السياسة، ويدافع عن نظام الجمهورية الإسلامية، ويُطلق عليه مسمى “حكم الشعب الديني”. يخالف بشدة القول بأولوية الجمهورية على الإسلامية، ويدافع عن دور كبير لرجال الدين في إدارة شؤون الدولة(10).
يعتقد هذا التيار أن ولاية الفقيه ليست قضية انتخابية يكون للناس دور وتأثير فيها، وإنما هي قضية تشخيصية(11). ويرى التيار أن الولي الفقيه يُكتشف اكتشافًا، بمعنى أنه موجود في المجتمع وتكون وظيفة اكتشافه منوطة بالخبراء. وينظر هذا التيار بنوع من القداسة للولي الفقيه، ويؤمن أن قائد الثورة “ظاهر بالمدد الإلهي”(12)، كما أن جميع المؤسسات تستمد شرعيتها من الولي الفقيه.
وتبدو هذه المسألة أكثر قطعية لدى عدد من مدرسي الحوزة: الولاية -وتحت أية ظروف- لا تستمد مشروعيتها من الناس، وموافقة الناس أو مخالفتهم ليس لها أي تأثير في ولاية الفقيه(13). ويحذر مجتمع رجال الدين المقاتلين من مغبة الوقوف في وجه القائد والولي الفقيه: في النظام الإسلامي وفي زمن الغيبة، يكون للولي القول الفصل. وإذا كان هناك “من يعطي لنفسه حق الوقوف في مواجهة القائد، فهو أولًا يضع علامات استفهام على التزامه بولاية الفقيه المطلقة، وثانيًا يقود إلى غياب الإنجاز وشيوع الهرج والمرج في المجتمع”(14). كما أن “المشروعية والقبول لدى الناس ليسا كافيين وحدهما، وإنما يصبحان كاملين بإعمال أصل الولاية”(15).
ويعطي التيار المؤيد لهذا السيناريو لرجال الدين الحق في الإمساك بزمام أمور المجتمع، ورجال الدين -كما يصفهم ناطق نوري العضو البارز في مجتمع رجال الدين المقاتلين- “هم ورثة الأنبياء والأئمة المعصومين الذين يحملون مسؤولية تبليغ دين الله إلى الناس؛ ولذلك فإننا دخلنا مجال الانتخابات”(16). أما المشاركة السياسية فهي حق للناس وتكليف لهم في الوقت ذاته، فالناس مكلفون شرعًا بالمشاركة في الانتخابات، ومن واجبهم شرعًا أن يُقدِموا على ذلك دون أدنى تردد(17). لكن هذه المشاركة مشروطة باحترام النظام بشكل لا يتم فيه التشكيك بالأصول الأساسية(18).
السيناريو الثاني: وصول “ولاية الفقيه” إلى خاتمتها، وإلغاء منصب “المرشد الأعلى”، وهذا السيناريو يعني خللًا كبيرًا سيصيب بناء السلطة في شكله الحالي، خاصة وأن البديل عن ذلك سيكون “لجنة” مكوَّنة من عدد من رجال الدين المعروفين والمشهود لهم قد يصل عددهم إلى خمسة أشخاص. ويعزز من هذا الطرح أن فئات كثيرة داخل إيران اليوم تحمل موقفًا ناقدًا من ولاية الفقيه، وبعض هذه الفئات ترى أنه منحصر بشخصية الإمام الخميني، وأنه منصب انتهى معه(19). ومع أن هذا السيناريو هو عينه ما تم طرحه بعد وفاة الخميني، إلا أن المؤسسات التي كانت تحكم إيران في ذلك الوقت أبدت قدرة كبيرة على الدفع بمرشد جديد، وإجراء تعديلات دستورية لتسهيل قبوله وصعوده، وكان لرفسنجاني الذي بات عرضة للإقصاء اليوم الدور الأبرز في تذليل العقبات التي كانت تعترض خامنئي في طريقه نحو منصب المرشد.
ولا يمكن إنكار ما أصاب ولاية الفقيه في الاحتجاجات التي شهدتها إيران عقب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009، وهي الاحتجاجات التي عبَّرت عن نفسها بالحركة الخضراء، وتصاعدت شعارتها من التشكيك بالنتائج وشعار “أين صوتي؟”، إلى الهتاف ضد المرشد ووصفه بالديكتاتور عبر شعار “الموت للديكتاتور”، وصولًا إلى إحراق صور الخميني، وهتاف ضد مجتبى خامنئي الاسم المطروح كمرشد قادم.
لكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار، أن مؤيدي الولاية والمعتقدين بكفاءتها كنظام حكم هم الممسكون بزمام السلطة في إيران اليوم، ويوجدون -على وجه الخصوص- في مجلس الخبراء، والبرلمان والحرس الثوري، وحتى في التيار الإصلاحي.
السيناريو الثالث: تعديلات دستورية تأخذ عددًا من الصلاحيات الواسعة للمرشد وتضيفها إلى الرئيس المنتخب، لكن هذا السيناريو سيخلق صدامًا مع المدافعين عن ولاية الفقيه، وخاصة بين المراجع الدينية، كما أنه سيضع تساؤلات بخصوص مستقبل مجلس الخبراء ووظيفته، وقد يقود ذلك إلى إلغائه.
ومن المؤيدين لهذا التوجه تيار اليسار الإيراني الذي بات يأخذ اليوم اسم التيار الإصلاحي، ويضم في عضويته أحزابًا ومنظمات أهمها “مجمع رجال الدين المقاتلين”، ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية وحزب المشاركة، ومكتب تحكيم الوحدة وحزب كوادر البناء ومجمع مدرسي ومحققي حوزة قم العلمية وحزب الثقة الوطنية.
وقد شهدت مواقف التيار تحولًا كبيرًا على صعيد الموقف من ولاية الفقيه، فبعد أن كان مدافعًا عنيدًا عن ولاية الفقيه المطلقة القائمة على التعيين زمن الخميني، أصبح ينادي بولاية فقيه تقوم على الانتخابات وبتحديد صلاحيات الولي الفقيه، والبعض داخل التيار ينادي بـ “وكالة الفقيه” بدلًا من ولاية الفقيه، وبعض منظريه لا يؤمن أساسًا بولاية الفقيه، ويقدِّم الجمهورية على الإسلامية.
السيناريو الرابع: إلغاء منصب الرئيس ودمجه مع منصب المرشد، ليتمّ انتخاب شعبي، لكن انتخاب المرشد باقتراع شعبي يتصادم مع نصوص دستورية واضحة حول طريقة اختيار المرشد، كما يتصادم مع موقف رجال الدين القائلين بأنه قائم على التعيين.
سيناريو الفوضى، وهو السيناريو الذي قد ينتج عن الفشل في تعيين مرشد جديد، والسعي لإلغاء منصب المرشد، ومحاولة المعارضة استغلال خلوّ المنصب للبدء بالاحتجاج، وإذا ما حدث ذلك -رغم أنه لا يمكن الحديث اليوم عن معارضة صلبة في إيران تسعى لتحقيق هذه الأهداف- فإن الحرس الثوري سيسارع للإمساك بزمام السلطة في إيران، وهو قادر على ذلك بفعل ما يتمتع به من نفوذ وفاعلية على الأرض، وهذا الخيار لا يفضِّله حتى المعارضون لولاية الفقيه.
ولذلك فإن سيناريو التوافق على مرشد جديد، يبدو هو الأرجح، خاصة وأن بذرة الاحتجاج والمعارضة لولاية الفقيه قد تم وأدها في عام 2009، ولا تبدو انتفاضات التغيير العربية وما وصلت إليه مشجِّعة للإيرانيين. وتقتضي طبيعة المصالح بين المتنافسين تجسير الخلافات والوصول للتوافق.
أسماء مرشحة للخلافة
على هذا الصعيد تبرز مجموعة من الأسماء:
آية الله مصباح يزدي: ينظر إلى مصباح يزدي (المولود في مدينة يزد الصحراوية عام 1935) بوصفه شخصية أصولية بارزة، وقد كان مواظبًا على دروس الخميني، كما تلقى الدرس على يد العلامة طباطبائي(20). وعقب إبعاد الخميني قام بإصدار مطبوعات مناهضة للشاه، ولاحقًا قام برفقة آية الله جنتي، وبهشتي بإدارة مدرسة المنتظرية للعلوم الدينية بقم المقدسة، وألقى فيها دروسًا في علم الفلسفة، وعلم الأخلاق، وعلوم القرآن لمدة 10 سنوات. ورغم تأييده الكبير لأحمدي نجاد في فترته الرئاسية الأولى والنظر إليه بأنه كان الأب الروحي له، إلا أن هذا التأييد لاقى الكثير من النقد، وتراجع هذا الدعم بصورة ملحوظة مع الفترة الرئاسية الثانية، خاصة عقب خلاف أحمدي نجاد مع المرشد. يرأس مصباح يزدي مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي في قم بتعيين من المرشد، وانتخب عام 1990 نائبًا عن محافظة خوزستان في مجلس خبراء القيادة، كما انتخب مؤخرًا نائبًا عن أهالي طهران في المجلس المذكور. له مؤلفات وكتب عديدة في الفلسفة الإسلامية والمقارنة والإلهيات والأخلاق والعقيدة الإسلامية. ورغم مكانته الكبيرة إلا أنها مكانة تكاد تكون محصورة في تياره، كما أن الكثير من آرائه وانتقاداته على صعيد الفقه والسياسة تلقى معارضين كُثرًا داخل التيار الأصولي، فضلًا عن أنه لا يحظى بأي تأييد داخل التيار الإصلاحي؛ حيث سبق له أن هاجم الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي في واحدة من خطب الجمعة، واصفًا إياه بالسعي وراء القشور، ولا تسير علاقته برفسنجاني بشكل جيد؛ إذ سبق ليزدي أن هاجمه أيضًا، متهمًا إياه بأنه “انحرف عن أصول الثورة”(21).
ومن نقاط ضعفه البارزة على هذا الصعيد قوة خصومه، ومنهم رجال دين بارزون في قم.
آية الله شاهرودي: يحمل شاهرودي الكثير من المؤهلات التي تعطي لاسمه مكانًا بارزًا في قائمة المرشحين لخلافة خامنئي، فهو من أكثر رجال الدين تأثيرًا في إيران، وتربطه بمرشد الثورة علاقات قوية. ولد شاهرودي ذو الأصول العراقية في النجف عام 1948. ويحمل رجل الدين الذي رأس السلطة القضائية في الفترة (1999 و2009)، رتبة “مرجع تقليد”، وهي رتبة دينية رفيعة في المؤسسة الدينية الشيعية، ليصبح ضمن عدد قليل ممن يحملون صفات تخولهم لمنصب المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية(22). ويشغل شاهرودي اليوم منصب رئيس الهيئة العليا لحل الخلاف وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث في إيران، والتي تشكلت بأمر من خامنئي في العام 2011. وهو عضو في مجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام.
وعلى الصعيد الخارجي وتصدير الثورة، فإن الشاهرودي يعدّ واحدًا من مهندسي حزب الدعوة العراقي، وإن كان البعض يرى أنه لم ينتمِ رسميًّا(23)، وإنما يعد بمثابة الأب الروحي للحزب(24). وكان حلقة الوصل بين الصدر والإمام الخميني، ولعب دورًا كبيرًا في ربط المعارضة العراقية ذات الصبغة الدينية لنظام صدام حسين بإيران، وهو أول من تزعم “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق”، قبل أن يتزعمها السيد محمد باقر الحكيم. ويعتبر إلى اليوم من القيادات الكبرى لحزب الدعوة.
يرتبط شاهرودي بعلاقات وثيقة مع المرشد خامنئي، وفي الوقت ذاته بعلاقات احترام مع آية الله رفسنجاني ومحمد خاتمي، لكنه لاقى نقدًا كبيرًا لطريقة إدارته ملف المعارضين، حيث شهدت فترة رئاسته للسلطة القضائية عشرات الاعتقالات والمحاكمات لمعارضين من التيار الإصلاحي والحركة الخضراء.
ومما لا شك فيه أن مؤهلات شاهرودي العديدة تعطيه مزايا واضحة في قائمة المرشحين، لكنه في الوقت ذاته يواجه عقبات كثيرة تحول دون المنصب، وتعدّ أصوله العراقية ورئاسته للمجلس الأعلى في العراق واحدةً من هذه العقبات التي تثير أسئلة بشأن هويته الإيرانية، فضلًا عن افتقاده للكاريزما الشعبية.
آية الله رفسنجاني: رفيق الخميني، وصديق خامنئي الذي أُقصي بفعل الخلافات السياسية إلى حافة الجمهورية الإسلامية.
طوال تاريخه كان رفسنجاني شخصية خلافية، لكنه صاحب بصمة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، في فترة مقارعة الشاه ورفقة الخميني، وفي الحرب العراقية-الإيرانية وما بعدها، وفي تعيين المرشد الحالي والفترة التي أعقبت وفاة الخميني. بدأ طيف رفسنجاني يتراجع بفعل الضربات المتتالية التي تلقاها الأب الروحي للطيف على يد الإصلاحيين الراديكاليين، وكذلك المعارضين الذين شكَّلوا لاحقًا التيار الأصولي. نادى رفسنجاني في فكره السياسي بدور النُّخبة في صنع القرار، أمّا من حيث القاعدة الاجتماعية ينتمي هذا الطيف للطبقة الوسطى. وشارك أعضاء هذا الطيف بعد الثورة في جميع الحكومات التي شهدتها إيران حتى مجيء حكومة أحمدي نجاد عام 2005، ودافعوا بشدة عن الرأسمالية الصناعية والخصخصة. وقامت استراتيجيته السياسية على “السلام في الداخل ورفض التوتر مع الخارج”(25).
وفكر طيف رفسنجاني في حقيقته خليط من الفكر الليبرالي والبراغماتية، ويتبع نهجًا يزاوج بين الليبرالية والعلمانية. ويدافع من الناحية الاقتصادية عن نموذج الاقتصاد العالمي الحر، ويحمل فكرًا سياسيًّا خارجيًّا يقوم على رؤية معتدلة وواقعية تغلب المصلحة. بدأت الشُّقَّة بين المرشد ورفسنجاني تتسع عقب الرسالة التي وجهها رفسنجاني إلى خامنئي في يونيو/حزيران 2009، وهدّد فيها بالخروج إلى الشوارع في حالة إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد. وكان من الواضح أن تُهم الفساد التي أطلقها أحمدي نجاد وطالت عائلة هاشمي رفسنجاني في المناظرة الشهيرة التي جمعته بمير حسين موسوي في الانتخابات الرئاسية العاشرة(26) تركت تأثيرًا كبيرًا في مكانة رفسنجاني السياسية. وهو ما دفعه إلى تهديد مبطن بفعاليات مضادة يكون ميدانها الشوارع والجامعات(27).
شكلت عناوين “الاقتصاد الحر” و”الانفتاح الاجتماعي” و”الواقعية في السياسة الخارجية” محاور أساسية في فكر رفسنجاني، لكنها كانت العناوين ذاتها التي استند إليها الخصوم في مواجهته؛ حيث اتهموا هذه السياسة الاقتصادية بأنها وجهت ضربة للطبقات الفقيرة المحرومة، وأوصلت التضخم إلى 50% في بعض المراحل، وتنازلت عن شعارات الثورة وآفاق امتدادها، ومهدت الأرضية لنشوء موجة “القومية الفارسية”(28).لم يقف الحرس الثوري بعيدًا عن حالة الصراع الدائرة مع رفسنجاني، فقد تحدث أحمدي نجاد عن علاقات مافيات الفساد بعائلة رفسنجاني(29)، وسعى رفسنجاني وعلى مدى سنوات رئاسته (1989- 1997) إلى وضع العراقيل أمام الأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري، خاصة في مجال الصناعات النفطية؛ حمايةً لعدد من مقربين منه معروفين بنفوذهم في مجال الصناعات النفطية.
ورغم أنه يجري إبعاد رفسنجاني، بصورة منظمة ومنذ سنوات، عن بؤر النفوذ والتأثير، لكن الرجل ما زال إلى اليوم رقمًا صعبًا في الساحة السياسية الإيرانية، ويرتبط ذلك بصورة كبيرة بشكل علاقته مع الحرس الثوري، ودور رفسنجاني على هذا الصعيد مرهون بما يمكن أن يحققه من توازن في العلاقة ذات التاريخ المضطرب مع الحرس الذين تصادموا مع رفسنجاني في أكثر من محطة في عمر الجمهورية الإسلامية، فهم غير راضين عن “فلسفة” رفسنجاني في الاقتصاد والعلاقة مع الغرب. لكن حفظ النظام قد يفرض على فُرقاء الجمهورية الإسلامية أن يتفقوا، وهو ما حدث في أكثر من محطة مفصلية.
وتكمن نقطة قوة رفسنجاني -وهو ليس من السادة- في قدرته على “صناعة المرشد” وليس في أن يكون هو المرشد، ونقاط ضعفه على هذا الصعيد تكمن في موقف الكثير من أعضاء مجلس الخبراء، الذين يرون أنه كان واحدًا من “رؤوس الفتنة” في الإشارة إلى الاحتجاجات التي جرت عام 2009، إضافة إلى فكره على صعيد الاقتصاد والمجتمع.
مجتبى خامنئي: الرجل القوي الذي يجمع بين تأييد الحرس الثوري وقوات التعبئة “بسيج”، وعدد لا يُستهان به من رجال الدين، في مقدمتهم آية الله مصباح يزدي، وكشفت وثيقة لـ “ويكيليكس” مسربة: “أن المرشد الأعلى علي خامنئي يحضِّر ابنه الذي تلقى تعليمًا دينيًّا ليخلفه في منصب المرشد”(30). وقد تعاظم حضور مجتبى ونفوذه خلال السنوات الأخيرة في مختلف المؤسسات القوية في إيران. لعب مجتبى خامنئي دورًا كبيرًا في انتخاب أحمدي نجاد عام 2005، وقد اتهمه مهدي كروبي صراحة بالتدخل في الانتخابات بصورة غير قانونية، وكذلك الحال في الانتخابات الرئاسية العاشرة، وإعادة انتخاب أحمدي نجاد 2009، وأثناء الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات خرجت شعارات تندِّد بدور مجتبى خامنئي(31).
ولا يحظى مجتبى خامنئي بتأييد يذكر داخل الأطياف الإصلاحية، فضلًا عن تيار رفسنجاني. وتضيف بعض التحليلات قائمة لا يستهان بها من رجال الدين، وكذلك قادة مؤثرين في الحرس الثوري يعارضون ذلك.
ورغم التعقيد الذي يحيط بانتخاب خليفة المرشد، إلا أن مجتبى الابن الثاني لخامنئي وصهر حداد عادل رئيس مجلس الشورى السابق، يبقى في مقدمة الأسماء التي تطرح على هذا الصعيد، فهو من السادة، وما زال شابًّا مقارنة بباقي المرشحين (50 عامًا)، ولديه نفوذ مالي وأمني، ويمتد هذا النفوذ إلى خارج إيران، حيث تجمعه علاقات قوية مع قادة كبار في حزب الله، ووُجِّهت له اتهامات بخصوص صفقات تجارية مع الخارج(32). وسعى خلال السنوات الأخيرة لتذليل العقبات التي تعترضه، وانخرط في الدروس الدينية سعيًا للوصول إلى مرتبة مجتهد(33). لكن أبرز نقاط ضعفه غيابه عن الفضاء العام وعدم مشاركته بالنشاطات العامة، ولم يقدِّم إلى اليوم ما من شأنه أن يدعم موقعه في مجال الاجتهاد الديني، ويضاف إلى ذلك ما قد يساق من نقد على صعيد “توريث ولاية الفقيه”.
إن من يدعم تنصيب مجتبى عليه أن يتجاوز ثلاث عقبات، هي: 1- الحوزة العلمية في قم، وأتباع الإمام الخميني المشهورون. 2- آية الله هاشمي رفسنجاني. 3- حسن الخميني(34).
صادق لاريجاني: رئيس القوة القضائية ومن الأسماء المطروحة بقوة، وإضافة إلى سِنِّه المناسبة يمتلك معرفة عالية في العلوم الفقهية والدينية، فضلًا عن العلوم المعاصرة. يحظى بتأييد كبير داخل الطيف الأصولي التقليدي وعلاقات جيدة بباقي الطيف الأصولي، ولديه علاقات قوية أيضًا مع مراجع التقليد. وإذا ما لعب التيار الأصولي الدور الأكبر في انتخاب المرشد فسيكون له نصيب كبير، أمَّا كونه ليس من السادة فهي نقطة ضعف قابلة للتجاوز بإجراءات دستورية.
حسن الخميني: حسن الخميني هو الحفيد الشهير لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، وابن أحمد الخميني، ووالدته فاطمة الطبطبائي ابنة آية الله سلطاني. كما يرتبط حسن الخميني بصلة قرابة مع عائلة الإمام موسى الصدر، وزوجته حفيدة آية الله العظمى الأصفهاني. درس الخميني في الحوزة العلمية بمدينة قم، وفي الوقت الحالي فإنه من المدرسين البارزين في حوزة قم(35). أرسل إشارات واضحة بمعارضته لأحمدي نجاد، وقاطع حفل تنصيبه، وعلَّق المراسم في ضريح جده الخميني، وتعرضت مواقفه للنقد والهجوم من قِبل شباب ينتمون لحزب الله إيران، الذين حاولوا منعه من الحديث في ذكرى وفاة الخميني. ورغم أن حسن الخميني أظهر في أكثر من موقف أنه ليس على نفس الصفحة مع التيار الأصولي وأعضاء مجلس الخبراء إلا أن لديه إرثًا واحترامًا داخل المجتمع الإيراني، ويحظى بقبول كبير من الأوساط الإصلاحية وتيار رفسنجاني.
وإن كان “السيد” مجتبى خامنئي، يُحسب من بين صنَّاع القرار الرئيسيين داخل الحرس الثوري وقوات التعبئة، إلا أنه يواجه عقبة كبيرة هي “السيد” حسن الخميني، ويبدو أن مجتبى أدرك ذلك مبكرًا؛ ولذلك تم ربط الشباب الذين أطلقوا الاحتجاجات ضد حسن الخميني وحاولوا منعه من التدريس في قم، بمجتبى.
وتكمن نقطة ضعفه الرئيسية في طبيعة علاقته بالحرس الثوري.
آية الله أحمد خاتمي: من مواليد سمنان 1961، خطيب جمعة طهران المؤقت، وهو رجل يحظى بقبول كبير في الأوساط الأصولية، وكذلك أوساط قادة الحرس الثوري، وهو عضو في مجلس الخبراء، ومدرسي الحوزة العلمية في قم. عارض بصورة كبيرة المطالبة بإلغاء شعار “الموت لأميركا”، وقاد هجومًا حادًّا ضد قادة الحركة الخضراء ومن شاركوا في احتجاجات 2009. لديه مقاربات متشددة تجاه القضايا الاجتماعية والحجاب الإجباري، وانتقد بشدة دعوة رفسنجاني للرقابة على عمل المرشد(36).
من نقاط ضعفه تشدده الكبير في القضايا الاجتماعية وقوة المنافسين السياسيين.
آية الله سيد أبو الحسن مهدوي: لا يبدو اسمًا متداولًا في التحليلات التي تتحدث عن هذه القضية، لكنه اسم مهم ولا يمكن إغفاله، فهو سيِّد، وخطيب مفوَّه تنتشر أحاديثه مسجلة بين أنصاره، ورجل دين يتمتع بكاريزما داخل أوساط الحرس والـ “بسيج”، وله علاقات قوية مع قادته. يعدّ العضو الأصغر سنًّا في مجلس الخبراء (46 سنة)، رأس لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مدرس بارز في جامعة الإمام الصادق ذات الدور الكبير في إعداد قادة الجمهورية الإسلامية. من تلامذة مصباح يزدي، وصديق حميم لمجتبى خامنئي، ويحظى بمكانة خاصة لدى مرشد الثورة علي خامنئي.
خلاصات
• لا يوجد سيناريو محدد ومتفق عليه بشأن الخليفة المحتمل لمرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، وكذلك الحال بالنسبة لطريقة انتقال السلطة إليه، وكيف سيكون عليه موقف القوى السياسية والمؤسسات ذات التأثير على هذا الصعيد، وفي مقدمتها مجلس الخبراء، والمرجعيات الدينية في قم. كما لا يمكن إغفال دور الحرس الثوري الذي بات مسيطرًا ومتنفذًا في العديد من مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.
• تتراوح السيناريوهات بين انتقال سلس للسلطة وآخر يضع بقاء موقع المرشد وصلاحياته كما هي عليه الآن موضع الشك، بل ويرى أن كل مستقبل ولاية الفقيه سيدخل انعطافة جديدة، وثالث يقول بخلافات واسعة لن يتمكن الفرقاء من تجسيرها؛ مما يدفع الجهة الأقوى في إيران اليوم -وهي الحرس الثوري- إلى إحكام السيطرة على الأمور.
• يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المرجعيات في قم تتعدد توجهاتها ومواقفها تجاه هذه القضية، وإن كان دورها قد تراجع في الحياة السياسية مقارنة بالعقد الأول من الثورة، وفي الموازاة تعاظم تأثير الحرس.
• إن سيطرة التيار الأصولي على تركيبة مجلس الخبراء المكلف دستوريًّا بتعيين المرشد تعطي مؤشرًا على طبيعة الخليفة القادم، لكن -وفي الوقت ذاته- لا يمكن إنكار تأثير شخصيات من خارج هذا الطيف في مستقبل تعيين المرشد والتوافق عليه.
• تكمن نقطة قوة رفسنجاني في دوره في صناعة المرشد وليس كونه مرشدًا محتملًا، كما أن الاتهامات بالفساد التي طالت عائلته وكذلك خلافه مع المرشد قد دفعا لإقصائه بشكل متعمد عن بؤرة صنع القرار.
• يبرز اسم مجتبى خامنئي على هذا الصعيد، وهو يحظى بنقاط قوة كبيرة، لكن العقبة هي المعارضة لما يمكن أن يُطلق عليه “توريث ولاية الفقيه”.
• في جميع السيناريوهات المطروحة لا يمكن إغفال دور الحرس الثوري المستقبلي في تعيين المرشد القادم.
______________________________________________
المصادر والهوامش
1- “در بحبوحه شايعات، آيتالله خامنهاي در انظار عمومي ظاهر شد”، (في خضم الشائعات آية الله خامنئي يظهر علنًا)، موقع يوتيوب، 8 من مارس/آذار 2015، تاريخ الدخول 9 من مارس/آذار 2015:
2- الدستور الإيراني، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
3- الدستور الإيراني، المادة الثانية، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
4- الدستور الإيراني، المادة الخامسة، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
5- الدستور الإيراني، المادة 107، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
6- الدستور الإيراني، المادة 110، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
7- كريم سجادبور، في فهم الإمام الخامنئي: رؤية قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، مؤسسة كارنيغي للسلام، 2008 تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://carnegieendowment.org/files/reading.pdf
8- سارتوفيتش، أورس، وفاة آية الله العظمى حسين علي منتظري: الثوري الذي التهمته الثورة: من “صانع” الجمهورية إلى “مرشد” المعارضة، قنطرة، 23 من ديسمبر/كانون الأول 2009، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://ar.qantara.de/content/fy-wf-ay-llh-lzm-hsyn-ly-mntzry-lthwry-ldhy-lthmth-lthwrmn-sn-ljmhwry-l-mrshd-lmrd
9- “آيت الله محمد يزدي با پيشي گرفتن از آيتالله هاشمي رئيس خبرگان شد”، موقع تابناك، 19 اسفند 1393، تاريخ الدخول 11 من مارس/آذار 2015:
http://www.tabnak.ir/fa/news/482529/%D8%A2%DB%8C%D8%AA%E2%80%8C%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%DB%8C%D8%B2%D8%AF%DB%8C-%D8%A8%D8%A7-%D9%BE%DB%8C%D8%B4%DB%8C-%DA%AF%D8%B1%D9%81%D8%AA%D9%86-%D8%A7%D8%B2-%D8%A2%DB%8C%D8%AA%E2%80%8C%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%87%D8%A7%D8%B4%D9%85%DB%8C-%D8%B1%D8%A6%DB%8C%D8%B3-%D8%AE%D8%A8%D8%B1%DA%AF%D8%A7%D9%86- %D8%B4%D8%AF www.tabnak.ir
10- الصمادي، فاطمة، “التيارات السياسية في إيران”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت، ص340.
11- مرتجي، حجت، جناحهاي سياسي در ايران امروز، (الأجنحة السياسية في إيران اليوم)، نقش ونگار، ط1، تهران، 1377، ص8.
12- علي دارابي، جريان شناسي سياسي در ايران، (علم التيارات السياسية في إيران)، سازمان انتشارات پژوهشکاه فرهنگ وانديشه اسلامي، الطبعة السابعة، 1389، ص122.
13- صحيفة كار وكارگر (العمل والعمال)، 21 من مايو/أيار 1375، ص4 نقلًا عن دارابي.
14- ويژه نامه روحانيت مبارز تهران، عدد خاص من نشرية رجال الدين المقاتلين بمناسبة الانتخابات البرلمانية الخامسة 24 من يناير/كانون الثاني 1375، ص32.
15- صحيفة رسالت 27 من يناير/كانون الثاني 1376، ص5 نقلًا عن دارابي.
16 – صحيفة رسالت 27 من ديسمبر/كانون الأول 1374، ص2 نقلًا عن دارابي.
17 – بيان لمجتمع رجال الدين المقاتلين/ طهران، 12 من نوفمبر/تشرين الثاني 1374.
18- شهرية صبح، العدد (67)، اسفند 1375، ص6 نقلًا عن دارابي.
19- الصمادي، فاطمة، “التيارات السياسية في إيران”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت، ص340.
20- السيرة الذاتية، الموقع الرسمي لآية الله مصباح يزدي، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://mesbahyazdi.org/arabic/?biography/index.htm
21- من مقابلة للباحثة مع الباحث والصحفي المتخصص بشؤون الحوزة فريد مدرسي، طهران، يوليو/تموز 2013.
22- آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشاهرودي يطبع رسالته العلمية ويتصدى للمرجعية، موقع الأنصار، 25 من سبتمبر/أيلول 2010، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=4259
23- حوار مفتوح مع سماحة الشيخ طالب السنجري حول مرجعية السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، صفحة حزب الدعوة على الفيس بوك، 26 من أغسطس/آب 2012، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
حوار مفتوح مع سماحة الشيخ طالب السنجري …حول مرجعية السيد محمود الهاشمي الشاهروديس1/هل كان محمود الهاشمي الشاهرودي ؟ع…
Posted by حزب الدعوة الاسلامية-تنظيم الداخل Islamic ALDawa Party on Sunday, August 26, 2012
24- “آيت الله شاهرودي پدر معنوي حزب الدعوه مي شود” (آية الله شاهرودي يصبح الأب الروحي لحزب الدعوة)، موقع شيعه آنلاين، 29 آذر 1390، تاريخ الدخول 7 من مارس/آذار 2015:
http://shia-online.ir/article.asp?id=21502
25- قوچاني، محمد، عصر جديد، صحيفة شرق، تهران 1384، ص4.
26- المناظرة الرئاسية بين أحمدي نجاد ومير حسين موسوي في 3 من يونيو/حزيران 2009، 13 خرداد 1388:
http://www.tebyan.net/weblog/drmgangineh/post.aspx?PostID=68474
27- الصمادي، فاطمة، إيران: مرشحون أربعة ولاعبون كثر، الجزيرة نت، 12 من يونيو/حزيران 2009:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/387951AA-96D1-45EA-9280-87A62CED2FE8.htm
28- الصمادي، فاطمة، رفسنجاني ومشائي: تبعات الإقصاء، مركز الجزيرة للدراسات، 23 من مايو/أيار 2013، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://studies.aljazeera.net/reports/2013/05/2013523114856610874.htm
29- في حملته الانتخابية عام 2005 وعد نجاد بتنظيف وزارة النفط من “المافيات العائلية”، وعندما فاز بالرئاسة سارع مهدي هاشمي رفسنجاني الذي لاحقته فيما بعد شبهات الفساد بتقديم استقالته من وزارة النفط. ويجمع المراقبون في إيران على أن نفوذ عائلة رفسنجاني وصل إلى أدنى مستوياته مع وصول نجاد إلى السلطة. انظر: “پسر هاشمي رفسنجاني از وزارت نفت استعفا کرد”، (ابن هاشمي رفسنجاني استقال من وزارة النفط)، بي بي سي الفارسية، 7 من أغسطس/آب 2005:
http://www.bbc.co.uk/persian/business/story/2005/08/050807_ra-oil-hashemi.shtml
30-IRAN: EXPAT SOURCE’S INFORMATION AND VIEWS ON MOJTABA KHAMENEI, AND THIS SOURCE’S PITCH FOR USG FUNDS, Passed to the Telegraph by WikiLeaks 04 Feb 2011:
http://www.telegraph.co.uk/news/wikileaks-files/london-wikileaks/8304719/IRAN-EXPAT-SOURCES-INFORMATION-AND-VIEWS-ON-MOJTABA-KHAMENEI-AND-THIS-SOURCES-PITCH-FOR-USG-FUNDS.html
31- من هذه الشعارات كان شعار هتف به المتظاهرون في شارع ولي عصر: “مجتبي بميري، رهبري رو نبيني” (مجتبى تموت ولا تظفر بالقيادة).
32- حداد عادل: مجتبي خامنهاي کاميون طلا به ترکيه نبرده (حداد عادل: مجتبى خامنئي لم يُخرج شاحنة محمَّلة بالذهب إلى تركيا)، بي بي سي فارسي، 12 من يناير/كانون الثاني 2013، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://www.bbc.co.uk/persian/iran/2013/01/130112_l45_haddad_mojtaba_khamenei.shtml
33- “همه نامزدهاي جانشيني خامنهاي” (کل المرشحين لخلافة خامنئي)، خود نويس، 8 فروردين 1393، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
https://khodnevis.org/article/56402#.VP7j2uH4bz4
34- مهاجراني، عطا الله، السيد حسن الخميني ومستقبله السياسي الواعد، جريدة الشرق الأوسط، الأربعاء 23 من يونيو/حزيران 2010، العدد (11530):
http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=575204&issueno=11530#.VP7oJ-H4bz4
35- المصدر السابق.
36- أحمد خاتمي: اصلاحطلبان اقليت ولايتستيز خبرگان نخواهند شد، راديو فردا، 24/ 11/ 1393، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://www.radiofarda.com/content/f3-khatami-says-reformists-will-fail-in-assembly-experts/26847108.htm
د. فاطمة الصمادي – باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات متخصصة في الشأن الإيراني.
مركز الجزيرة للدراسات