يأتي هجوم تنظيم “داعش” في أفغانستان، أو ما يعرف بـ”ولاية خراسان”، على السفارة العراقية في العاصمة “كابل”، نهاية شهر يوليو الماضي، والذي يعد الاستهداف الأول لها، وذلك من خلال عملية مزدوجة، جمعت بين العمليات الانتحارية والهجمات التقليدية، في سياق تمدد التنظيم، واتساع نفوذه، الأمر الذي بات يطرح تساؤلا مهما حول أهم العوامل التي أدت إلى تصاعد نشاطه، وقدرته على القيام بعمليات نوعية، والحفاظ على تماسكه التنظيمي، برغم كل الضربات التي تعرض لها خلال الفترة الماضية.
أولاً:-الملامح التنظيمية:
يعد تنظيم “ولاية خراسان” في أفغانستان، واحدا من أنشط فروع “داعش” وأخطرها، حتى إن كثيرا من المتابعين يرى أنه من الفرع الأكثر ترشيحا، لان يكون المقر الجديد لقيادة “داعش”، حال انهياره تنظيميا في العراق وسوريا، نظراً لتمتعه بقدر كبير من التماسك التنظيمي، والمناعة الفكرية، التي لا تزال حتى الآن تحميه من الانشقاقات، فضلا عن قدرته على امتصاص الضربات، والتي كان من أهمها، ضرب معقله في منطقة “نانجرهار” بالقرب من الحدود الباكستانية، من قبل القوات الأمريكية، بـما يسمى “أم القنابل” في أبريل 2017.
كما أن التنظيم يمتلك هيكلا تنظيميا جيدا، يعمل بآلية محددة، تجعله لا يتأثر باغتيال قادته، والذي كان آخره، اغتيال القائد “أبو سيد” في الحادي عشر من شهر يونيو الماضي، والذي يعد ثالث قائد للتنظيم يتم اغتياله، بعد مقتل “عبد الحسيب” في نهاية أبريل 2017، “حفيظ السيد خان” في العام الماضي، وبرغم ذلك فلا يزال التنظيم قادرا على الاحتفاظ بقوته، فضلا عن السيطرة على معاقله.
يضاف إلى ما سبق، قدرة التنظيم على إحكام قبضته على المناطق التي يسيطر عليها، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال مقطع فيديو، أصدره التنظيم في 22 فبراير 2017، يكشف فيه عن كيفية إدارته لتلك المناطق، وتطبيقه الصارم للأحكام، ونظام التعليم الديني، وفى الوقت نفسه، تقديمه الخدمات للسكان المحليين، مثل بيوت الزكاة التي ينفق منها على الفقراء والمحتاجين، والمحافظة على الموارد الطبيعة، فضلا عن منعه ومحاربته لزراعة وتجارة المخدرات التي كانت تشجعها حركة “طالبان”.
وكان “أبو محمد العدناني”، المتحدث باسم تنظيم “داعش” قد أعلن قيام ولاية “خراسان” في 26 يناير 2015. وقد تشكل التنظيم عند نشأته من عدة مجموعات مقاتلة، منها مجموعة منفصلة عن حركة طالبان، وأخرى من حركة “أوزبكستان الإسلامية”، التي تضم مقاتلين من دول آسيا الوسطى، والقوقاز، وإقليم الأويغور. وفي يناير 2016، صنفت الولايات المتحدة الأمريكية “ولاية خراسان”، منظمة إرهابية، ورغم أن التنظيم يتقدم ببطء، ألا انه يتحرك بخطى ثابتة.
ثانياً- هجمات نوعية:
تمكن تنظيم “داعش” في “أفغانستان” من شن العديد من الهجمات الإرهابية النوعية، كان من أشهرها الهجوم على المستشفى العسكري بالعاصمة “كابول” في الثامن من مارس 2017، مما أدى إلى مقتل 49 شخصاً، كما شن هجوم انتحاريا استهدف المحكمة العليا في العاصمة الأفغانية، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 21 شخصاً في فبراير 2017. كما قام بعملية “انغماسية” أسفرت عن مقتل عدد من الجنود الأمريكيين، وما يقرب من 15 جنديا أفغانيا في التاسع من أبريل 2017.
وفى ضوء ذلك، نجد أن عمليات التنظيم تتسم بالتنوع، وهذا ما جعل صحيفة “النبأ” الداعشية في العدد 92، الصادر في الثالث من أغسطس 2017، تفرد تقريرا مفصلا عن عمليات “التنظيم” في أفغانستان، خاصة الهجوم على السفارة العراقية، ثم الهجوم الذي تلاه على إحدى “الحسينيات” الشيعية في “هرات”، قتل فيه 50 شخصا، إضافة إلى إصابة 80 آخرين، ويصفها بأنها مناصرة لأهل السنة ودفاعا عن الإسلام، وانتقام من الرافضة، وتدعو كل فروع التنظيم إلى السير على ذلك النهج، وذلك ضمن بيان جديد، تدعو فيه إلى استهداف السفارات والبعثات الدبلوماسية، تحت عنوان “حرب السفارات، أشد إرهابا وإيلاما للدول الكافرة”.
ثالثاً- عوامل تصاعد نشاط التنظيم
يبدو أن تصاعد نشاط تنظيم “داعش” في أفغانستان، واتساع نفوذه في البلاد، مما جعله خطرا حقيقيا ليس على الحكومة الأفغانية والقوات الأمريكية فحسب، وإنما على حركة “طالبان” أيضا، وقد جاء ذلك التصاعد نتيجة تضافر مجموعة من العوامل، يمكن تحديد أهمها في الآتي:
.احترافية المقاتلين: برغم أن عدد مقاتلي “داعش” في أفغانستان يقدر ما بين (2000) إلى (3000) مقاتل، وهو عدد ليس كبير مقارنة بتنظيمات إرهابية أخرى، مثل حركة “طالبان” أو “شبكة حقاني”، إلا أنهم يتمتعون بالاحترافية والخبرة القتالية العالية، نظراً لأن العديد من أعضائه كانوا مقاتلين سابقين في حركة طالبان، مما أكسبهم خبرات قتالية وتنظيمية واسعة، نقلوها معهم بطبيعة الحال إلى التنظيم، كما أنه يضم بين صفوفه مجموعة من المقاتلين الأجانب من منطقة آسيا الوسطى، يتسمون بالمتمرسين في العمل الإرهابى، وهذا ما يجعله يتمتع بالقدرة على القيام بعمليات إرهابية نوعية.
·الانتشار الجغرافي: يتمتع تنظيم “ولاية خراسان”، بانتشار جغرافي جيد في عدد من المناطق، من أهمها المنطقة القبلية الباكستانية، وولاية “ننجرهار”، وبعض المناطق ولاية “كونر”، وحتى المناطق التي لم يتمكن من تثبيت أقدامه فيها، من خلال الوجود العسكري، مثل ولاية “هلمند” و”فراه”، فقد تمكن من إيجاد مجموعات تابعة له فيها، مستندا إلى جاذبية الفكر “الداعشى”، الذي يستند إلى مفهوم “الخلافة”، ويتمتع بهالة من القدسية كبيرة في نفوس المتشددين الأفغان، كما أنه استفاد من انتشار الفكر السلفي المتشدد في تلك المناطق في تجنيد العديد من العناصر.
.التنوع الدعوى: سعى تنظيم “داعش” في أفغانستان، منذ اللحظة الأولى من ظهوره، إلى اتباع أساليب دعوية جديدة، وغير تقليدية، سيرا على خطى “التنظيم الأم” في العراق وسوريا، من أجل الانتشار الفكري على أوسع نطاق، حيث قام بإنشاء “الإذاعات المحلية”، مثل “إذاعة الخلافة”، التي كانت تبث بالعربية، والبشتونية، والفارسية قبل أن يدمرها الطيران الأمريكي فى يوليو 2016، كما تمكن من إنشاء ترددات إذاعية جديدة فى المناطق الشرقية والحدودية مع باكستان، يبث عبرها بعض التسجيلات المرئية والدروس الفكرية باللغات المحلية، مما جعله يتمكن من استقطاب مئات من الشباب فى تلك المناطق.
·تعدد مصادر التمويل: لم يكتف تنظيم “خراسان” بالدعم الذي كان يقدمه له “داعش الأم”، أو بمصادر التمويل التقليدية التي تعتمد غالبا على أموال التبرعات والزكاة والهبات والصدقات، وإنما سعى منذ بدايته إلى تعدد مصادر تمويله، وذلك من خلال فرض الضرائب في مناطق نفوذه، إضافة إلى فرض الإتاوات والرسوم على المهربين والمزارعين والتجار، خاصة الذين ينقلون الفواكه من الجبال في شرق أفغانستان، يضاف إلى ذلك تجارة الأخشاب والحيوانات.
وهذا ما جعل التنظيم يتمتع بوضع مالي جيد مكنه من الإنفاق الجيد على مقاتليه، حيث إن متوسط راتب الفرد داخل التنظيم يقترب من 300 دولار، في حين أن متوسط الرواتب في حركة طالبان 100 دولار، ودفع ذلك العديد من أعضاء الحركة للانخراط في صفوف للتنظيم.
·الانقسام داخل “طالبان”: أسهمت الانقسامات والانشقاقات المتكررة داخل حركة “طالبان” في توجه أعداد من المقاتلين لتنظيم “داعش”، نظرا لأنهم يعتقدون أن الانقسامات نتيجة الصراع على السلطة، مما أصبح يمثل تشكيكا في نهج الحركة الفكري لدى العديد من أفرادها، وأسهم في ذلك اتهام “داعش” للحركة بالتسيب في الدين، وإهدار الشريعة، وتقديم المصالح السياسية على الثوابت الشرعية، وذلك عبر مجلة “دابق”، التي كانت قد اتهمت “الملا عمر” بتبني مفاهيم “مشوهة” عن الإسلام، بسبب وضعه القانون القبلي فوق الشريعة، وقبول الاعتراف بالحدود الدولية، وذلك في عددها الصادر في ديسمبر 2014، مما سمح للتنظيم بالحصول على عدد من المقاتلين المحترفين من أصحاب الأفكار المتطرفة كبيرة الشبه من أفكاره.
وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن تنظيم “ولاية خراسان” تمكن من الاستفادة بشكل كبير من تردى الأوضاع الأمنية والسياسية الهشة في أفغانستان في تدعيم قدراته، وتوسع نفوذه، وتصاعد نشاطه، حتى صار خطرا حقيقا يهدد الوضع في البلاد، والدول المجاورة، لاسيما وأنه يمكن أن يمثل قاعدة “داعشية” في المنطقة، يمكن الانطلاق منها لتهديد دول الجوار، الأمر الذي بات يفرض على الجميع التكاتف والتعاون من أجل القضاء على “التنظيم”، وتجفيف موارده قبل أن يستفحل خطره، ولا يمكن تحجيمه.
علي بكر
مجلة السياسة الدولية