المشروعات الصغيرة.. واقتصاديات المعرفة

المشروعات الصغيرة.. واقتصاديات المعرفة

both_reverse_web

تشير الإحصاءات العالمية أن إجمالي المشروعات الصغيرة على المستوى العالمي يصل إلى أكثر من 85% من إجمالي المشروعات على مستوى العالم، ويصل في اقتصاديات متقدمة كاليابان إلى 99%، وفي الولايات المتحدة إلى 98%، وفي ألمانيا إلى نفس النسبة تقريبًا، بل إن معظم الشركات العابرة للقارات اليوم هي في الأصل مشاريع صغيرة، نتاج فكر وجهد عدد محدود من رواد الأعمال تحول مشروعهم الصغير إلى كيان عملاق توازى مع موازنة العديد من الدول، وأحيانًا يزيد. ومن أبرز هذه الأمثلة وضوحًا: عملاق التكنولوجيا “ميكروسوفت”، والأمثلة عديدة في دولنا العربية، مثل: “سليمان الراجحي” الذي حول مشروعًا صغيرًا إلى مجموعة استثمارية عملاقة، ومجموعة شركات “العربي” في مصر، التي بدأت بمجهود بائع صغير “الحاج محمود العربي” في حي الموسكي ثم التحول إلى شركات عملاقة في المجال الصناعي، والعدد الكبير من مشروعات اليوم العملاقة في دولنا العربية نتاج تطوير للمشروع الصغير، ولكن السؤال المهم: هل البيئة الاقتصادية اليوم جاذبة لهذا النوع من المشاريع، وتحديدًا في منطقتنا العربية؟

في الحقيقة، إن سرعة التغير في الاقتصاد الكوكبي الحالي، وتقارب الأسواق، والوصول إلى السوق الواحدة بسرعة انتقال وسائل الإنتاج والمنتجات النهائية في كل بقاع العالم في أيام معدودة، وأحيانًا في ساعات؛ جعل الأمر أكثر صعوبة في البدء في ظل هذه المنافسة المحتدمة بوسائلنا التقليدية وأفكار المشاريع الموروثة، وأصبح من المحتم للنهوض بهذا القطاع الحيوي لاقتصادنا الوطني والأسرع حلًا لمشكلات البطالة وخلق الوظائف الجديدة في ظل معدلات بطالة مرتفعة في الوطن العربي.

والسبيل الأمثل للنهوض بهذا القطاع الحيوي هو معالجة المعوقات، والتي تتمثل في:

معوقات قائمة بسب التمويل:

1- نقص التمويل.

2- معوقات إدارية في الحصول على التمويل من حجم الضمانات البنكية المطلوبة والكفالة.

3- معوقات تكلفة الإقراض (سعر الفائدة في بعض الدول العربية مثل مصر مرتفع).

4- بالرغم من تعدد جهات التمويل، سواء الحكومية، أو إسهامات المجتمع، مثل مبادرة عبد اللطيف الجميل، إلا أنه لا يوجد تنسيق بين هذه الجهات على مستوى الدولة وعلى مستوى الوطن العربي؛ مما يهدر طاقات وموارد ممكن أن تستغل بصورة مثلى مع وجود تنسيق.

5- تفضيل المعاملة للمشاريع الصغيرة الممولة بالإقراض من الجهات الحكومية عن المشروع الممول ذاتيًا من العميل (مثل حالة الصندوق الاجتماعي للتنمية في مصر، يعطي إعفاءً ضريبيًا وتسهيلات تسويقية للمشروعات الممولة منه طبقًا للقانون).

6- تعامل الجهات الحكومية مع المشاريع الصغيرة بنفس قواعد وقوانين المشاريع الكبيرة، من اشتراطات في التراخيص وإمساك الدفاتر والضرائب والمصاريف الخاصة بالمحليات.

7- تفضيل المشاريع الكبيرة في المعاملات، من دخول المناقصات والمزايدات الحكومية، وأحيانًا تفضيل قانوني من إعفاءات ضريبية وإمكانية التعامل بأسلوب المناطق الحرة وتشجيع التصدير وتقديم دعم مقابل التصدير.

8- افتقار الموظف الحكومي في الكثير من الأحيان إلى مهارات التعامل مع فئة رواد الأعمال، مع نقص خبرة هذه الفئة بالمعاملات الحكومية؛ مما يجعل هناك معوقات على المشروع في مرحلة بنائه.

9- تعدد القوانين والتراخيص المطلوبة للعديد من الأعمال (بالرغم من لجوء معظم الحكومات العربية إلى نظام الشباك الواحد لإنهاء المعاملات للمشاريع الصغيرة)، إلا أن هذا النظام يفتقر إلى آلية التراخيص المطلوبة من جهات أخرى غير وزارة التجارة والغرف التجارية والمحليات، مثل التراخيص الصحية المطلوبة للمطاعم.

10- الافتقار إلى خرائط استثمار حيوية وواضحة، توضح النظرة المستقبلية لاستراتيجية الدولة الاقتصادية والتقسيم الأمثل لاستغلال الموارد المتاحة واستهداف تنمية مستدامة.

11- عدم وجود رؤى واضحة للتنمية الشاملة تجعل العديد من المشاريع الكبرى القائمة في الوطن العربي تلجأ للحصول على مستلزمات الإنتاج الأولية والوسيطة من الخارج عن طريق الاستيراد، رغم توافرها محليًا بأسعار أرخص وجودة مناسبة (أو إمكانية توفيرها بإنشاء مشاريع صغيرة لإنتاجها).

12- عدم وجود قوانين ملزمة محفزة للشركات الكبرى العاملة، والأجنبية على الخصوص، في استخدام المنتجات الوسيطة المصنعة محليًا في عملية الإنتاج.

13- الافتقار إلى دراسات الجدوى القائمة على الأرقام الحقيقية ومواكبة ظروف السوق الأسرع تغير بسبب:

– معوقات إدارية وقانونية.

– معوقات هيكلية.

تقوم العديد من الجهات المانحة بعمل الدراسات الاسترشادية بواسطة متخصيصن، ثم لا تقوم بتحديث البيانات لسنوات (يتم التحديث في هذه الجهات بعد ذلك بواسطة موظف غير متخصص، مما يجعل أرقام وبيانات الدراسة مضللة وقت التنفيذ للعميل).
تشترط العديد من الجهات المانحة تنفيذ الدراسات من جانبها، وتكتفي بتعديل شكلي للدارسات الاسترشادية كما سبق إيضاحه؛ وهذه الدراسات تفتقر إلى دراسة السوق على المستوى المحلي، لأنها مصمة أساسًا للاسترشاد عند إنشاء الدراسة للمشروع وقت التنفيذ (فإنشاء مطعم صغير في الرياض مثلًا، تختلف تكاليفه وعوائده وطرق تسويقه عن جدة ومكة المكرمة… إلخ).
تغالي بعض مكاتب دراسات الجدوى في سعر الدراسات، بما لا يتناسب مع رأس مال المشروع وحجمه.
اعتماد العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة على خبراتهم الشخصية فقط، مما يؤثر على أعمالهم في ظل سوق شديد التغير.
انتشار العديد من الدراسات للمشروعات الصغيرة المجانية أو بمبالغ رمزية جدًا، وهي في الحقيقة تفتقر إلى المعايير العلمية لدراسات الجدوى، وإن كانت تسير بخطواتها؛ حيث لا تتلزم بمعايير التنبؤ الاقتصادي، وأرقام تكاليفها في الكثير من الأحيان تكون بعيدة عن الواقع.

معوقات فنية:

1- عدم توافر المعرفة بالمشروع المستهدف، سواء المعرفة الإدارية أو الفنية الخاصة بالمشروع.
2- معوقات الحصول على مستلزمات الإنتاج وخامات المشروع بأسعار تنافسية.
3- الاعتماد على التقليد في العديد من المشروعات بدون إضافة جديدة.

بعد هذا الطرح، نجد أنه للنهوض بفكر العمل الحر والمشروعات الصغيرة؛ يجب تضافر الجهود للحد من تأثير هذه المعوقات، وإزالة آثارها، وتشجيع الدولة وتحفيزها لقطاع رواد الأعمال الجدد بنشر المعرفة وتزويد المجتمع بأفكار غير تقليدية مبنية على اقتصاديات المعرفة، والتي تبحث عن حلول غير تقليدية للتنمية الاقتصادية، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، واستغلال مورد جديد لا ينضب.

اقتصاد المعرفة، الذي يولد لأمريكا وأوربا المليارات سنويًا، أصبح هو أساس اقتصاديات العديد من الدول، وهو السر السريع للوصول من قاع الفقر إلى قائمة أغنياء العالم، مثل قصة What’s App الذي تم بيعه بمبلغ 19 مليار دولار؛ فأصبح مؤسساه من حالمين بوظيفة في شركة فيس بوك إلى شركاء FACE BOOK؛ وهذا ماسوف نكمله مع رحلة اقتصاد المعرفة -إن شاء الله- في المقال القادم.

أحمد الإمام- التقرير