بعد أن أفشلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالتعاون مع حلفائها أكراد سورية خطة إيران بإنشاء ممر بري يمتد من الموصل ويمر بالقيروان والعياظية وصولًا الى سورية. ما زالت إيران مصرة على انشاء الممر باي وسيلة؛ لأهميته في مدركها الإستراتيجي. ولذلك شرعت إيران في تنفيذ “الممر البديل”، فبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، زارت في 10 أيلول/سبتمبر الحالي، مجموعة من المستشارين العسكريين الإيرانيين وبرفقتهم قيادات من الحشد الشعبي وبعض الضباط في الجيش العراقي القريبين منهم منطقة المثلث”العراقي- السوري- الأردني” إضافة إلى منطقة النخيب المحاذية لحدود المملكة العربية السعودية. وبعد معاينة المناطق الحدودية بمسحها من قبل طائرات مُسيرة واستخدام التقنية الجيو فيزيائة، قررت إيران التعاون مع حلفائها البدء بتنفيذ “الممر البديل” في 16 الشهر الحالي بدلًا من نهايته، وذلك لكسب الوقت.
وهذا الممر ذو مسارين: الأول: يبدأ من الحدود الإيرانية مرورًا بالمدن العراقية: الكوت وكربلاء وعكاشات وعانه والبو كمال وصولًا إلى منطقة المثلث الحدودي. أما الآخر: فيبدأ من الحدود الايرانية مرورًا بمدن الكوت وكربلاء وصولا إلى منطقة النخيب في محافظة الأنبار المحاذية لحدود المملكة العربية السعودية. ولتنفيذ هذا الممر بمساريه ستقوم إيران وحلفاؤها بمعارك خاطفة ضد داعش والمعارضة السورية، ووفق التنسيق الايراني العراقي السوري لن يتجاوز الجيش العراقي الحدود العراقية تجاه سورية، وسيترك أمر تجاوزها للمليشيات التابعة لإيران إذا تطلب الأمر ذلك.
واذا استطاعت ايران تثبيت الممر البديل على أرض الواقع فإنها بذلك تعزل العراق بريًا عن الدول العربية المجاورة له، وستحافظ على مصالحها في المنطقة من خلال الابقاء على حليفها بشار الأسد في سورية، وستتحكم إيران بالمعابر البرية مع تلك الدول، وهذا أمر ستترتب عليه انعكاسات اقتصادية وسياسية وأمنية في غاية الخطورة على تلك الدول. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل ستسمح الدول العربية ولاسيما المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية وحليفتهما الولايات المتحدة الامريكية جعل الممر البديل واقعًا ملموسًا؟ تفيد المعطيات بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لن تسمح بذلك حتى لو قامت بإنزال جوي في تلك المنطقة لقطع الطريق على إيران.
لان الولايات المتحدة تهدف في مرحلة ما بعد داعش إلى تحجيم المليشيات الإيرانية في المنطقة، عبر منع التقاء قوات قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية في سورية مع نظيرتها العراقية، ولذلك قد تلجأ إلى:
1-الإسراع في عملية تقدم قوات سورية الديمقراطية “قسد” تجاه الحدود العراقية شرقي الفرات لملء الفراغ الذي ستتركه داعش حتى منطقة القائم.
2-تعزيز قدرة الحشد العشائري في العراق، المعني “بتحرير” الأنبار من داعش لحماية منطقته، بضمان عدم عبور المليشيات العراقية من منفذ القائم الحدودي مع سورية.
3-محاولة نقل فصائل المعارضة السورية إلى منطقة الشدادي “أسود الشرقية- مغاوير الثورة” لتطعيم قوات “قسد” بقوات عربية سُنية للتمركز شرق الفرات وتطمين الأطراف الأقليمية.
على ضوء ما تقدم، تبدو ملامح نشوب مواجهة بين واشنطن وحلفائها وحلفاء إيران واردة بحسب المراقبين الذين يفسرون موقف واشنطن بكونه تحركا متأخرا للتصدي لأذرع إيران العسكرية بعد أن كانت في وقت سابق ورقة استراتيجية في مواجهة داعش داخل العراق نتيجة إصرار حكومة العبادي على منح الحشد الشعبي غطاء سياسيا لشرعنة وجوده. وتطرح فرضية الصدام العسكري بين حلفاء إيران والقوات الأميركية عدة احتمالات ممكنة، إذ يرى بعض الخبراء أن حلفاء إيران سيمنون بخسائر كبيرة؛ لافتقارهم لغطاء جوي وسيضطرون للانسحاب إلى الوراء بعيدا عن خط الحدود، فيما يرجح آخرون أن تتمسك هذه القوات بمواقعها بشراسة حتى وإن فشلت في التقدم داخل سورية. لأن إيران تخطط أبعد من سورية وذلك بضرب دول عربية عن طريق الميليشيات التي تحمل رايات طائفية والتي زرعتها في لبنان وسورية والعراق واليمن ، وتريد ايضا تأسيس إمبراطورية فارسية باستخدام خلايا نائمة في سورية مثلما تستخدمها في العراق واليمن، ولذلك هي مصممة على فتح ممرات تربط هذه الدول برا بأراضيها لسهولة التحرك. فصراع السيطرة على الحدود العراقية السورية يشبه لعبة شطرنج محيّرة بين عدة فاعلين، اذ تتقدم فيها الميليشيات المدعومة من إيران تجاه العراق من الغرب، وتحرك القيادة الإيرانية نفسها الميليشيات العراقية اتجاههها من الشرق. ثمة معركة جديدة وشرسة تلوح في الأفق. ويرى مراقبون أن قضية الطرق الدولية من وإلى بغداد تعبر عن عمق الصراع الذي ستشهده المنطقة بعد القضاء على داعش، وتعكس الصراع الدائر حول مستقبل النفوذ الايراني، ليس في العراق فقط، بل في سورية ولبنان والمنطقة عموما.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية