بينما تتواصل الحرب السورية الطاحنة، تواجه إسرائيل الآن عدوين لدودين متشابكين، واللذين يكتسبان القوة بالقرب من حدودها -إيران وحزب الله. وفي هذا السياق، اتهمت سورية إسرائيل يوم الخميس قبل الماضي بتوجيه ضربة داخل حدودها، إلى منشأة يعتقد مراقبون آخرون أنها تنتج الأسلحة الكيميائية. ولم تكن الضربة، التي لم تعلق عليها إسرائيل في انسجام مع سياستها، هي الضربة الأولى، لكنها كانت الأولى منذ وافقت الولايات المتحدة وروسيا في تموز (يوليو) على اتفاق لوقف إطلاق النار بهدف إنهاء القتال في سورية. وقد تم التوصل إلى ذلك الاتفاق من دون إسهام إسرائيل -لكن الضربة الجديدة تُظهر كيف تستطيع إسرائيل الاستمرار في تشكيل ميدان المعركة من تلقاء نفسها.
قال الجيش السوري إن طائرات إسرائيلية أطلقت النار من المجال الجوي اللبناني في اتجاه مواقع عسكرية سورية بالقرب من المصيف، وقتلت اثنين من أفراد الجيش ودمرت الموقع. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو جماعة مراقبة مقرها لندن والتي تعتبرها منظمات الأخبار الغربية مصدراً موثوقاً للمعلومات حول الحرب الأهلية السورية، إن المنشأة التي ضُربت تعود إلى “المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية”، وهو مؤسسة البحث الرائدة في البلد، والتي تحتوي على مخزون من صواريخ أرض-أرض. وكان مسؤولو الاستخبارات الغربيون يعتقدون منذ وقت طويل بأن منشأة المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية في مصيف تقوم، من بين مرافق أخرى، بإنتاج الأسلحة الكيميائية. وقد احتفظ المسؤولون الإسرائيليون بسياستهم القائمة على عدم التعليق على الأمور العملياتية، لكن عاموس يالدين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بينما لم يؤكد مسؤولية إسرائيل عن الضربة، قال على “تويتر” إن الضربة “لم تكن روتينية”.
قال يالدين: “استهدفت (الضربة) مركزاً علمياً عسكرياً سورياً يعمل -من بين أمور أخرى- في تطوير وتصنيع صواريخ دقيقة التوجيه، والتي سيكون لها دور مهم في الجولة التالية من الصراع”. كما أشار يالدين أيضاً إلى أن المصنع في مصيف “ينتج الأسلحة الكيميائية وقنابل البراميل التي قتلت الآلاف من المدنيين السوريين”. لكن الضربة الإسرائيلية المذكورة ليست غير مسبوقة. ففي الشهر الماضي، قال الجنرال أمير إيشيل، القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، للصحيفة الإسرائيلية اليومية “هآرتس”، إن الطائرات الإسرائيلية ضربت قوافل تزويد لحزب الله نحو 100 مرة على مدى السنوات الخمس الماضية. وتتلقى المجموعة الشيعية المتشددة في لبنان الدعم من إيران، ويخوض مقاتلوها المعارك إلى جانب الأسد في الحرب الأهلية السورية.
الآن، تجد إسرائيل نفسها في موقف محفوف بالمخاطر مع استمرار الحرب الأهلية السورية: فقد أبرمت الولايات المتحدة، حليفها العالمي الرئيسي، اتفاقاً مع روسيا، راعي سورية الرئيسي، لوقف إطلاق النار، والذي يبدو الأكثر صموداً؛ وأصبح الرئيس السوري بشار الأسد الآن أكثر سيطرة على بلده من أي وقت منذ بدء الحرب الأهلية قبل أكثر من خمس سنوات؛ وإيران، التي تنظر إليها إسرائيل على أنها تهديد وجودي، وحزب الله، الذي حاربته لأربع سنوات في لبنان، خرجا أكثر قوة مما كانا قبل بدء الصراع.
بينما ترسل ضربة الخميس رسالة لخصوم إسرائيل بأنها لن تجلس على الهوامش بينما تكسب القوى المعادية لها القوة، فإنها ترسل رسالة أيضاً إلى إدارة ترامب بأن أي حل سياسي للصراع السوري يجب أن يأخذ في الاعتبار مصالح إسرائيل على المدى الطويل. ولدى إسرائيل علاقات مع اثنين فقط من جيرانها المباشرين، مصر والأردن. وفي حين أن لها علاقات غير معلنة وغير معترف بها مع دول عربية أخرى مهمة، قائمة على أساس الكراهية المشتركة تجاه إيران، فإن إسرائيل تنظر إلى جيرانها المباشرين كمشكلة استراتيجية. فقد احتلت أجزاء من لبنان لمدة 22 عاماً حتى العام 2000، أولاً لمحاربة الفصائل الفلسطينية ثم لمحاربة حزب الله؛ وهناك أيضاً سورية، حيث زاد نظام الأسد اعتماده على طهران.
لم تخفِ إسرائيل مخاوفها من الصفقة الأميركية-الروسية حول مسودة اتفاق تموز (يوليو) لوقف لإطلاق النار في سورية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنه حتى يترسخ السلام في سورية، فإن على إيران وحزب الله الانسحاب من البلد، مضيفاً أن إسرائيل ربما تعمل من جانب واحد لحماية مصالحها. وفي الشهر الماضي، قال نتنياهو للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويترس، الذي كان يزور البلد، إن إيران تقوم ببناء مرافق في كل من سورية ولبنان لصناعة صواريخ موجهة عالية الدقة.
تنظر إسرائيل إلى حزب الله على أنه يشكل تهديداً هائلاً حتى أنها أجرت مؤخراً تمريناً عسكرياً لمدة 10 أيام لمحاكاة حرب مع المجموعة الشيعية المتشددة في حال حدوث اختراقات. ووصفت صحيفة “هآرتس” هذه المناورات بأنها الأكبر في عقود. جاءت ضربة الخميس بعد يوم واحد من تأكيد الأمم المتحدة على أن نظام الأسد استخدم أسلحة كيميائية ضد المدنيين في خان شيخون في نيسان (أبريل). وكان ذلك هو الهجوم الذي دفع إدارة ترامب إلى توجيه ضربات صاروخية إلى مرافق عسكرية سورية. ويوجه التقرير ضربة للأسد وكذلك لروسيا، التي رفضت الأدلة الوفيرة على أن الحكومة السورية هي التي كانت وراء استخدام غاز السارين في الهجوم.
ولكن، بينما كانت الضربة الإسرائيلية التي أبلِغَ عنها يوم الخميس تنطوي على منطقها الخاص، فإنه يمكن أن يكون لها تداعٍ واحد غير مقصود: لقد أصبح “داعش”، الواقع تحت هجوم كل من القوى المتحالفة مع الولايات المتحدة ومن قوات الحكومة السورية وحلفائها الأجانب على حد سواء، أصبح يقاتل الآن من أجل حياته في سورية -وهي حقيقة يستخدمها أصحاب نظرية المؤامرة المناهضون لإسرائيل مُسبقاً لتقديم تفسيراتهم الخاصة للأسباب التي كانت وراء ضربة يوم الخميس. وقالت قيادة الجيش السوري من جانبها “إن هذا الاعتداء… يؤكد الدعم المباشر الذي يقدمه الكيان الإسرائيلي لتنظيم ‘داعش’ وغيره من المنظمات الإرهابية”.
كريشناديف كالامور
صحيفة الغد