في خضم الجدل القائم حول مقتل أربعة من جنود القوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي في النيجر أصبح من الواضح أنه تم التربص بهؤلاء الجنود بسبب فشل الجهود الاستخباراتية في رصد العشرات من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية والتابعين لتنظيم القاعدة في المنطقة.
وعقب مارتن شوارتز، الكاتب في صحيفة ذو هيل، على هذا الحادث بقوله “لم تكن هذه هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة”، منتقدا حالة الفوضى التي تعم المجتمع الاستخباراتي الأميركي الذي ينقسم إلى 16 وكالة متخصصة في العمليات الاستخباراتية، تصب كلها بالنهاية في مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، وهو مكتب مستقل على نفس درجة مجلس الوزراء.
من بين المجموعة المكونة لمجتمع الاستخبارات الأميركي تبرز وكالة الاستخبارات المركزية الـ”سي آي إيه” باعتبارها حجر الأساس، ومهمتها الرئيسية جمع المعلومات عن الأشخاص والحكومات وكل ما يجري خارج الولايات المتحدة الأميركية وتأخذ توجيهات مباشرة من الرئيس.
تعمل هذه الوكالة باستقلالية تامة وترفع تقاريرها مباشرة إلى رئيس الاستخبارات الوطنية، في حين أن معظم وكالات الاستخبارات الأخرى تخضع لإشراف وزارة الدفاع.
وتدير وزارة الأمن الداخلي مكتب الاستخبارات والتحليل الخاص بها. وتدير وزارة العدل كلا من مكتب التحقيقات الفيدرالي الـ”إف بي آي” شبه المستقل ووكالة الاستخبارات الداخلية، وكذلك إدارة مكافحة المخدرات.
وتدير وزارات أخرى مثل الطاقة والخارجية والخزانة على حدة مكاتب الاستخبارات الخاصة بها، وللوكالات الفيدرالية الأخرى أيضا وحدات استخباراتية مستقلة مثل الاستخبارات الخاصة بحرس السواحل ودائرة الهجرة والجمارك والخدمة السرية، وجميعها تتبع وزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة.
الخمسة الكبار
◄جهاز الاستخبارات المركزية
◄وكالة الأمن القومي
◄وكالة الاستخبارات العسكرية
◄وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية
◄مكتب الاستطلاع الوطني
وعلى الرغم من أن النظام الأميركي يغطي بشكل عام جميع الجوانب الاستخباراتية من جمع المعلومات وتحليلها في مجالات مختلفة، إلا أن هذه الكيانات والوكالات تتنافس بشراسة فيما بينها في محاولة لإظهار أهميتها المستقلة. لتكون المحصلة نظاما استخباراتيا يُشعل المنافسات والحروب.
ويقول شوارتز “إذا اطّلعنا على القوى العالمية الأخرى نجد أنفسنا موهوبون في تكريس الكثير من الوقت والمال لإنشاء كيانات استخباراتية منفصلة عن بعضها”.
ففي بريطانيا على سبيل المثال توجد 4 وكالات استخبارات رئيسية وهي “إم آي 6″ وهو مكتب الاستخبارات الخارجية للمملكة المتحدة، وخدمة الأمن “إم آي 5″، وموظفي الاستخبارات الدفاعية، ومكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية.
وتمتلك روسيا ثلاث وكالات استخباراتية وهي خدمة المخابرات الخارجية “إس في آر”، المعادلة للـ”سي آي إيه”، وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي ومديرية الاستخبارات العسكرية الخارجية.
أما الصين فتدير جهازين استخباريين فقط، وهما وزارة أمن الدولة الصينية التي تتعامل مع القضايا الاستخباراتية المحلية والخارجية، واللجنة العسكرية المركزية لجيش التحرير الشعبي، وهي وكالة عسكرية مقسمة إلى إدارات تؤدي مهام تعادل المهام التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة الأمن القومي، وتمتلك أيضا أقمارا صناعية لأغراض الاستطلاع والتجسس.
ويتساءل شوارتز “إذا كان حلفاؤنا وخصومنا من الدول حول العالم قادرين على تقليص حجم أجهزتهم الاستخباراتية، فلماذا لا يمكن للولايات المتحدة إذن أن تفعل نفس الشيء؟”.
ويقترح في تحليله لهذه الإشكالية العمل على تبسيط هذا التنوع والاختلاف في الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، فعلى سبيل المثال يمكن إلغاء مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الذي أُنشئ في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، والذي يرى أنه لا يقوم بالدور المسند إليه على أكمل وجه. ويمكن وضع إدارة جميع الوكالات الاستخباراتية في يد مستشار الأمن القومي ومجلسه الذي يقوم باستعراض البحوث ثم يرفع تقاريره مباشرة للرئيس الأميركي.
ومن الممكن أيضا اعتبار وكالة استخبارات الدفاع هي الجهاز الاستخباراتي العسكري الأميركي الوحيد الذي يضم جميع مهام الجيش وسلاح البحرية والقوات الجوية والاستخبارات الملاحية.
فالتقسيمات العسكرية الحالية تهدر موارد الدولة وتؤدي أحيانا إلى حدوث نتائج عكسية. ومع ذلك يمكن لوكالة استخبارات الدفاع التمسك بالخدمات الاستخباراتية العسكرية المختلفة، ولكن في النهاية يجب الحفاظ على رقابة تشغيلية موحدة من أجل تحقيق نتائج منسقة.
من بين المجموعة المكونة لمجتمع الاستخبارات الأميركي تبرز الـ”سي آي إيه” باعتبارها حجر الأساس ومهمتها الرئيسية جمع المعلومات
وهناك ثلاثة عناصر استخباراتية أخرى تتبع وزارة الدفاع الأميركية وهي مكتب الاستطلاع الوطني، الذي يقوم بتصميم وبناء وتشغيل أقمار الاستطلاع الصناعية للولايات المتحدة ووكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية المختصة بتحليل جغرافية أماكن المهام القتالية وما تحتاجه من مستلزمات وتؤدي خدمات مثل رسم الخرائط للخدمات المسلحة، ثم وكالة الأمن القومي، المسؤولة عن مراقبة وجمع وفك تشفير وترجمة وتحليل المعلومات والبيانات العالمية من أجل عمليات مكافحة التجسس والأغراض الاستخباراتية المضادة.
ويؤكد شوارتز أن الروتين الحكومي لديه القدرة على النمو والتكاثر بطريقة عجيبة. فكلما زاد حجم الوكالة زادت الأموال التي يمكن الحصول عليها من الكونغرس وبالتالي زادت أعداد الموظفين. ويعمل هذا الانتشار الموسع للوكالات الاستخباراتية على توظيف الكثير من الناس وإضاعة المليارات من الدولارات، وفي النهاية لا يتم الحصول على المعلومات اللازمة بشكل دقيق.
ويرى أن الولايات المتحدة تحتاج في الأساس إلى أربعة أجهزة استخباراتية فقط، وهي وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي ووكالة استخبارات الدفاع.
وتتيح إعادة التنظيم على طول هذا المسار توزيع معلومات استخباراتية أكثر تنظيما على جميع الوكالات الفيدرالية استنادا إلى احتياجاتها الخاصة.
ولكن الأهم من ذلك أنه سيعطي الرئيس منتجا استخباراتيا أفضل وأكثر إيجازا يتم فحصه عن طريق مستشاره للأمن الوطني والمجلس التابع له، وحيثما يحتاج الأمر عن طريق رؤساء هيئة الأركان المشتركة، حتى يتمكن الرئيس في النهاية من اتخاذ أفضل القرارات الممكنة كقائد عام للدولة العظمى.
صحيفة العرب اللندنية