فريق ترامب يضع الملح على جروح الفلسطينيين

فريق ترامب يضع الملح على جروح الفلسطينيين

من المغري تفسير الإعلان في الأسبوع الماضي عن تأجيل زيارة مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، إلى الشرق الأوسط إلى السنة الجديدة على أنه تحذير السفر النهائي. وهو يأتي في أعقاب تفجر القلاقل الإقليمية بسبب اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
خلال الاحتجاجات التي جرت يوم الجمعة قبل الماضي، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية أربعة فلسطينيين وأصابت أكثر من 250 آخرين.
ومع ذلك، ليس المسؤولون الأميركيون قلقين على سلامة بنس. وفي الحقيقة، ربما تكون أي تنبؤات باندلاع انتفاضة فلسطينة ثالثة رداً على إعلان ترامب عن القدس لترامب سابقة لأوانها.
بعد عقود من الانحياز الأميركي المفضوح لإسرائيل، أكد دونالد ترامب للفلسطينيين ما يعرفونه أصلاً. بل إن البعض رحبوا على مضض بصراحته. وهم يأملون في أنه أسكت أخيراً الادعاءات الأميركية بأن الولايات المتحدة “وسيط نزيه” في عملية سلام “غير منتهية”، والتي اشترت الوقت لإسرائيل، ببساطة، لتمكينها من تكريس احتلالها.
إن الغضب الفلسطيني من إسرائيل والولايات المتحدة هو فتيل يحترق ببطء. وسوف ينفجر في لحظة من اختيارهم هم، وليس من اختيار ترامب.
بدلاً من ذلك، يعكس التردد في واشنطن فيما يتصل بزيارة ترامب الواقع الدبلوماسي الفوضي الجديد الذي أطلقه البيت الأبيض.
وكان من المقرر أن يأتي بِنس إلى الشرق الأوسط لتمهيد الطريق أمام خطة ترامب للسلام، والتي لطالما وعد بها، بالإضافة إلى تسليط الأضواء على مأزق المسيحيين في المنطقة. لكن الباب أوصد بحزم في وجهه في الموضوعين. فقد أعلن المسؤولون الفلسطينيون مقاطعته، وكذلك فعل القادة المسيحيون في فلسطين ومصر.
وبدلاً من إلغاء زيارة بنس أو استغلال فسحة التنفس الإضافية لمحاولة تخفيف الضرر، ألمحت إدارة ترامب العنيدة إلى أنها شغوفة بكسر المزيد من قطع الخزف.
بعد قطع الطريق عليه للوصول إلى المسؤولين الفلسطينيين، سوف يركز برنامج بنس على إسرائيل. وفي أعقاب سابقة دبلوماسية وضعها رئيسه في أيار (مايو) الماضي، من المتوقع أن يزور بنس الحائط الغربي في البلدة القديمة من القدس، والذي يقع مباشرة بجوار ساحة المسجد الأقصى من الجهة الغربية.
مع ذلك، توصف زيارته بأنها “رسمية” وليست خاصة. وسوف يتم استثمارها برمزية أكبر بكثير على ضوء اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لإضافة الملح على الجرح، وبما يتناقض مع الادعاءات بأن واشنطن لن تحدد مسبقاً حدود قدس مقسمة قبل محادثات السلام، أعطى مسؤول أميركي رفيع، لم يذكر اسمه، زيارة بنس سياقاً أكثر إشكالية. وقد لاحظ المسؤول أنه لا يوجد أي سيناريو لم تر فيه الولايات المتحدة الحائط الغربي وهو ينتهي إلى أيدي إسرائيل.
من نافلة القول التأكيد أن تغير السياسة الأميركية حول القدس شكل ضربة قوية إلى الأعمدة الرئيسية الثلاثة التي تدعم قضية الدولة الفلسطينية: السلطة الفلسطينية، والاتحاد الأوروبي، والدول العربية.
وسيكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس الخاسر الأكبر في هذا الخضم. فقد جردته واشنطن من ملابسه الإمبراطورية، وأصبح يترأس الآن حكومة فلسطينية قيد الانتظار، والتي سيكون من غير المرجح على الإطلاق أن ترتبط بدولة، سواء كانت قابلة للحياة أو غير ذلك.
أما الدول العربية، التي كان يُفترض أنها تشكل المفتاح لاستراتيجية “الخارج، إلى الداخل” التي حظيت بالكثير من التهليل، خالقة إطار عمل إقليمياً للسلام، فقد تم تجريدها من القضية المفردة -القدس- التي تهم معظمها.
من جهتها، سعت مصر متعثرة إلى مساعدة عباس في عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضي من خلال تقديم مسودة مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي، يقضي بإلغاء أي تغيير يطرأ على وضع القدس. لكن اعتراضاً أميركياً حتمياً باستخدام حق النقض، الفيتو، دفن ذلك التحرك في مهده.
كما أن أوروبا التي لعبت دور “الشرطي الجيد” في مقابل الشرطي الأميركي المتنمر، فقد تمت تعريتها كشريك متواطئ مع سلوك شريكها المارق.
وتكمن ورطة أوروبا في خطابها عن صنع السلام. فلطالما كانت تعرض الشكوى الزائفة، محذرة من أن اللحظة سوف تحل قريباً عندما لن يعود حل الدولتين قابلاً للتطبيق.
الآن، وقد التهم الذئب قلب الدولة الفلسطينية علناً، ما الذي ستفعله أوروبا وعباس؟
تقول المؤشرات إنهما سيدعيان بأن شيئاً لم يتغير -ولو حتى من باب الخوف مما قد يملأ الفراغ إذا تبين أن صنع السلام لم يكن سوى تمثيلية صورية فارغة من المحتوى.
لكنه التظاهر بوجود عملية سلام بالتحديد هو الذي أبقى الفلسطينيين موثقين إلى وهم. فتكريس أمل زائف عن قيام الدولة لا يفيد الفلسطينيين؛ وإنما هو يحافظ على هدوء يساعد إسرائيل.
هذا هو السبب في أن البيت الأبيض اتهم عباس مؤخراً بالانسحاب من الحوار. لكن الأحمق فقط هو الذي يواصل مناشدة الطبيعة الأفضل في رجل عصابة أصم.
الآن، يقع العبء على السلطة الفلسطينية والدول العربية وأوروبا لإدراك وقبول الواقع الجديد، وتأكيد سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة. ويفهم بعض القادة الفلسطينيين، مثل حنان عشراوي، هذا الواقع مسبقاً. فقد قالت في الأسبوع قبل الماضي: “إن خطوة ترامب تمثل حقبة جديدة. ليست هناك عودة إلى الوراء”.
يجب إجراء مراجعة كثيفة وإعادة تقييم للأهداف والاستراتيجيات الفلسطينية. وعلى الرغم من ذلك، سوف تكون الضغوط من أجل عودة إلى مسألة “السلام” كالمعتاد، وسوف تكون كثيقة.
قد يكون الفلسطينيون العاديون في القدس أول من سيعلن الوجهة الجديدة للصراع -واحدة تعترف بأن حلم إقامة دولة فلسطينية قد مات ودُفِن.
في الأعوام الأخيرة، بدأت أعداد متنامية من الفلسطينين في القدس التقدم بطلبات للحصول على المواطنة الإسرائيلية، لأن القانون الإسرائيلي يؤهلهم لذلك. لكن إسرائيل مارست الالتفاف ولجأت إلى تأجيل احترام التزاماتها، حتى بينما تسمي القدس “عاصمتها الموحدة”.
سيكون على الفلسطينيين أن يلحقوا العار بإسرائيل والولايات المتحدة والعالم المراقب، من خلال تبني أدوات صراع مناهض لنظام الفصل العنصري، من خلال مقاومة غير عنيفة وعصيان مدني -من أجل كسب حقوق متساوية في دولة واحدة.
في الوقت الراهن، تتحرك التيارات التحتية للغضب الفلسطيني بشكل رئيسي أسفل السطح. لكنها سوف تصعد مع الوقت، وسوف تكون تداعيات فعلة ترامب واضحة جداً.

جوناثان كوك

صحيفة الغد