أثارت حركة الاحتجاجات الواسعة على قانون المالية الجديد وإجراءاته التي تطال فئات كبيرة في تونس خلافات واسعة ضمن التيارات السياسية الفاعلة في الساحة التونسية وخصوصا بعد ارتفاع مدّ العنف والتعدّي على الممتلكات العامة والخاصة (وإحراق كنيس يهودي في جزيرة جربة).
انشقت الاتجاهات السياسية التونسية إثر الأحداث هذه إلى اتجاهين واسعين، يندد الأول بالاحتجاجات ويصفها بـ«انتفاضة حرامية» (في استعارة ذات دلالة من السياق المصريّ)، فيما يعتبرها الطرف الثاني حركة سياسية تؤكد فشل المنظومة الحاكمة ويطالب بإسقاطها.
لعب حزب «نداء تونس» الحاكم دوراً في التنديد بالاحتجاجات بينما وجدت حركة «النهضة»، المعارضة (والمشاركة في الوقت نفسه في الحكم) أمام وضع لا تحسد عليه أمام الدور الجماهيري الكبير الذي يلعبه خصمها الأيديولوجي الكبير الذي يجمع أطراف اليسار تحت اسم «الجبهة الشعبية» حيث أعلنت عن رفض التصعيد العنيف واللجوء لأساليب الانتخاب الديمقراطية في التغيير (فيما قام أحد الدعاة بتوجيه الاتهام للإمارات بتقديم المال السياسي لهذه الجبهة).
يفتح ما يحصل في تونس، وهي البلد العربي الوحيد الذي نجحت فيه الثورة على النظام بإقامة نظام ديمقراطي، الباب لمقارنة الأحداث الشبيهة والعنيفة في إيران (التي مضى على ثورتها 39 عاما) والتي انتهت قبل فترة قصيرة باعتقال الآلاف من المحتجين والطلاب وإخماد الاحتجاجات بالقوة.
رغم التوحّد الابتدائي الذي أبدته منظومة الحكم الإيرانية أمام التظاهرات، فإن بعض الأحداث والتصريحات اللاحقة أظهرت بعضاً من الخلافات كما بينت بعض التشابهات الغريبة مع تونس، فموقف الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي كان مؤيداً بوضوح للاحتجاجات، وكذلك كان موقف الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد (الذي تعرّض للاعتقال بدوره)، كما أن خطاب المنظومة الحاكمة الإيرانية اختلف بين المرشد الأعلى علي خامنئي الذي اعتبر ما حصل مؤامرة خارجية مولتها أمريكا وإسرائيل والسعودية، ورئيس الجمهورية حسن روحاني الذي قال إن الأحداث تتجاوز الاقتصاد وتدل على رفض آراء ونمط معيشة الجيل الثوري السابق مطالبا برفع القيود عن وسائل التواصل الاجتماعي، وتدخل آراء روحاني الصريحة في سياق طويل من الصراع بين المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران والمؤسسات الشعبية المنتخبة فأول رئيس إيراني منتخب، كما هو معلوم، أبو الحسن بني صدر، اتهم عام 1981 بمواجهة رجال الدين وهرب من البلاد إلى فرنسا.
أما حين نتجه إلى مصر فتطالعنا اليوم أحكام جائرة بالسجن 10 أعوام على 71 شخصاً أدينوا بالتظاهر «دون تصريح أمني» فيما سمي وقتها «ثورة الغلابة» في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وإلى هنا تتوقف المقارنات، فالرئيس المصريّ المنتخب محمد مرسي، معتقل، وهو في حال تعيسة لا تحتمل المقارنة مع نجاد (أو بني صدر) فما بالك بالمرزوقي؟
أما التظاهر فهو جرم موصوف يستوجب أحكاماً مخيفة، بل إن مجرّد التفكير في الترشح للانتخابات بمواجهة الرئيس الحالي (واللاحق طبعاً!) عبد الفتاح السيسي يؤدي بصاحبه إلى تسليمه صاغرا إلى السلطات (كما فعلت الإمارات مع أحمد شفيق) لتقيم عليه «حدّ التجرؤ على أسياده»، أو يواجه بدعاوى عجيبة تؤدي به إلى السجن، كما حصل مع الضابط أحمد قنصوه، وهو ما ينسحب على بقية الراغبين في الترشح كالمحامي خالد علي وغيره، وصولاً، كما سنرى إلى انتقاء بعض المرضيّ عنهم أمنيّاً الذين سيزينون «حفلة» الانتخاب.
وإذا كان من المتوقع أن تتجاوز تونس هذا المفرق الخطر بأقل قدر من الأضرار السياسية، وأن يستمر الصراع المضبوط بين السلطات الدينية والشعبية في إيران، فإن ميدالية الجمع بين القمع وخنق أسباب التطوّر ستكون من صالح النظام المصري بالتأكيد.
القدس العربي