شذى خليل*
يعد الاقتصاد السوري، من الاقتصادات النامية المعتمدة أساسًا على الزراعة، والخدمات بما فيها السياحة، وبشكل ثانوي على الصناعة والثروات الباطنية.
وبعد قيام الثورة حلت المأساة على السوريين الذين أضحوا نازحين في دول الجوار، واصبح الاقتصاد يسير من سيء إلى أسوأ، فمنذ السنة الأولى للثورة، بدأ تدمير الهيكل الاقتصادي للبلد إلى أن وصلت به الحال إلى استنزاف قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة، مما انعكس على متوسط دخل الفرد ، وانخفاض قيمة العملة المحلية ، وارتفاع العجز التجاري والديون لتمويل القطاع العسكري للقضاء على الثورة.
ومولت الحكومة السورية نفقاتها وموازناتها المالية والعسكرية عن طريق التمويل بالعجز، سواء بالاستدانة الداخلية والخارجية ، مما سيحمل الأجيال القادمة ديوناً وأعباء مالية لم يكونوا طرفاً فيها لا مسببين لها ولا مستفيدين منها، خاصة أنها لا تستثمر في مجالات اقتصادية تنموية بل تستخدم لتأمين حاجة السوق المحلية من المواد الغذائية وغير الغذائية الرئيسة من مشتقات نفطية، وأدوية أي (في الاستهلاك الجاري).
و أسهمت الحرب في تقاسم مناطق النفوذ بين أطراف الصراع إلى فوضى كبيرة في النشاطات الاقتصادية ، مما اثر سلبيا على حياة المواطن ، الذي يحكمه نظام ليس لديه رؤية او استراتيجية لإدارة الصراع في بلاده اذ يهدر مقومات الاقتصادية وموارده في الحرب، دون التفكير بمستقبل الاجيال القادمة.
واكد الاقتصاديون ان الأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري خلال سنوات الحرب ،انتجت اقتصادا متهالكا والأرقام هي الحكم الفصل .
– تضرر66% من قطاع البناء، وتقلص فرع المناجم من 13 %إلى 2 % من المنتج المحلي الإجمالي، و هذا التغيير يعزى إلى انهيار صناعة النفط.
– الاستهلاك العام الذي ازداد في بداية المواجهات انخفض فيما بعد بصورة دراماتيكية إلى 45 % من نسبته في 2010.
– تقلص حجم الواردات والصادرات إلى مستويات منخفضة جدا إلى درجة انهيار كبير في التصدير في فرع النفط، اذ تحولت سوريا إلى مستوردة للنفط.
– تراجعت الميزانية عام 2016، الى نحو 4 مليارات دولار بعدما كانت 16 مليار دولار في العام 2010، وهبوط قيمة الليرة السورية أكثر من 90% حيث تبلغ اليوم 540 ليرة مقابل الدولار بعدما كانت حوالي 50 ليرة للدولار قبل الثورة.
– تراوحت الرواتب بين 30 و 40 دولارا، وهي لا تسد الحاجات الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار بشكل كبير، اذ وصلت أسعار السلع الأولية إلى أرقام خيالية في المناطق المحاصرة، فبلغت نسبتها 4000%.
– تراجع الناتج الإجمالي لسوريا من نحو 5 مليارات دولار في العام 2016 بعدما كان يبلغ في العام 2008 نحو 55 مليار دولار.
– تراجع الإنتاج اليومي للنفط بنسبة 95%، حيث بلغ إنتاج سوريا من النفط 15 ألف برميل يوميًا مع نهاية العام 2016 بعدما كان يقرب من 400 ألف برميل.
– تراجع إنتاج الغاز حتى نهاية العام 2016 ليبلغ 10 ملايين متر مكعب يوميًا بعد أن كان 30 مليون متر مكعب أي بتراجع نسبته 65%. وحسب ما أشارت مصادر النظام فإن الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي طالت قطاع النفط في سوريا بلغت أكثر من 95 مليار دولار حتى نهاية العام 2016.
اما بالنسبة للقطاع الزراعي ، الذي يعد أهم مقومات الاقتصاد السوري فتراجع الإنتاج الزراعي بنحو 70% مع نهاية العام الماضي.
اما الصناعة السورية فكان نصيبها من الضرر كبيرا، حيث تضررت صناعة النسيج والصناعات الغذائية وأغلقت المصانع ، وهجرت رؤوس الاموال البلد إلى مناطق مجاورة ، و يذكر أن استثمارات السوريين في البلدان التي هاجروا إليها تبلغ أكثر من 50 مليار دولار، حصة مصر منها 23 مليار دولار.
وتراجعت الصادرات من 4.7 مليار دولار في العام 2011 قبل اندلاع الثورة إلى 220 مليون دولار في العام 2014
وتبين الإحصائيات أن هناك نحو 38 ألف منشأة صناعية في حلب لا يزال عدد قليل منها يعمل في حين تضرر الباقي بشكل كبير ورحل أصحابها إلى الخارج، وهناك 15 منطقة صناعية متوزعة في مناطق مختلفة من سوريا توقفت عن الانتاج .
وتشير الارقام الى دمار البنية التحتية دمار بنسبة 80% من شبكتي الكهرباء والمياه، وأكثر من 50% من البنى التحتية لقطاع الخدمات كالمدارس والمشافي، ودمار 7% من المساكن كليا و20% جزئيا، وهنا أرقام أخرى تتحدث عن تعطيل الشبكات الاقتصادية على اختلاف قطاعاتها.
ومن اخطار ما يعانيه المجتمع السوري هو هجرة الكفاءات وأصحاب الشهادات، اذ نحو 70% من حملة الشهادات هاجروا إلى بلاد المهجر، فيما يقدر أن نحو 15% من الأطباء والمهندسين صاروا في أوروبا حيث غادر نحو 20 ألف مهندس من البلاد، وخرج نحو 3 ملايين طالب من سلك التعليم و780 ألف شخص كانوا يعملون في الصناعة، وهناك 10 ملايين ما بين نازح ومهجر يشكلون نحو 45% من عدد سكان سوريا.
وأصدر البنك الدولي تقريرا عن خسائر سوريا الاقتصادية بسبب الحرب في شهر يوليو/تموز 2017، حيث أورد أرقاما تظهر هول الدمار الذي تعرضت له البلاد على الصعيدين البشري والمادي، حيث قتل أكثر من أربعمئة ألف شخص، ونزح أكثر من نصف السكان قسريا، وارتفعت نسبة البطالة إلى 78% أي أن حوالي تسعة ملايين سوري عاطل عن العمل، وخسارة 226 مليار دولار في إجمالي الناتج المحلي ما يعادل أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي السوري عام 2010، مع انخفاض الناتج المحلي بنسبة 63% مقارنة بعام 2010.
وتوكد دراسة لمركز فرونتيير إيكونوميكس الأسترالي للاستشارات ومؤسسة ورلد فيجن الخيرية، أن حجم الخسائر في الاقتصاد السوري بلغت نحو 300 مليار دولار، دون احتساب كلفة معدلات النمو وبعد احتسابها قد تصل إلى 689 مليار دولار.
وذكر منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان فيليب لازاريني ، تقييما للواقع المعاشي المؤلم للشعب السوري ، وقال ان الأسر تعيش عند المستوى المعيشي الأدنى بعد أن استنفدت مواردها المحدودة منذ بداية سنوات الحرب ، وأظهر التقييم أن 5.70 % من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر مع 8.3 دولار في اليوم، مع العلم أن نحو 30 % من سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر، و10 % يعيشون في فقر مُدقع.
وحين يجري الحديث عن مليون ونصف المليون نازح، مضى على وجودهم أكثر من سبع سنوات في لبنان، فإن آليات المعالجة لا بد أن تختلف، ولا سيما حين تؤشر الأرقام إلى وجود اكثر 482761 طفلا نازحا في عمر الدراسة بين 3 سنوات و18 سنة، وفق منسّقة وحدة تعليم النازحين في وزارة التربية اللبنانية صونيا الخوري.
وتشير المعلومات الى وجود نحو 210 آلاف طفل من هؤلاء على مقاعد الدراسة ضمن النظام التعليمي حسب المناهج السورية المعرّبة بغالبيتها والتي تختلف عن نظام التعليم اللبناني، فيما العدد الباقي ينتطر تنفيذ الخطط التي يتم إعدادها لاستيعابهم ضمن برامج نظام التعليم النظامي أو التعليم المهني أو إخضاعهم لدورات في التدريب المهني من أجل كسب مهارات معيّنة تخوّلهم أن يكونوا أشخاصاً منتجين في المستقبل، حيث ان الهدف المنشود هو استيعاب مئة ألف طفل إضافي للعام الدراسي 2017-2018، وستقوم بريطانيا بالعمل على دعم وزارة التربية اللبنانية تمويلاً ومتابعة.
قيمة الليرة السورية :
شهد العام الحالي تدهورا كبيرا في قيمة الليرة السورية، حيث وصل سعر صرفها أمام الدولار الأميركي إلى أعلى مستوياته عند 560 ليرة (مقابل 47 ليرة عام 2011)، في حين انخفض هذا السعر في بعض الأسابيع ليلامس أربعمئة ليرة.
وتزامن تدهور قيمة الليرة مع زيادة في الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية للأجور التي لم ترتفع بما يتوافق مع هذا التدهور وبما يلبي حاجة فئة كبيرة من الشعب السوري ، وفي المقابل لم يؤد انخفاض سعر الصرف لهبوط الأسعار، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان التي يعيشها المواطن في مختلف أنحاء البلاد.
ووفق تقارير سورية رسمية، تحتاج العائلة متوسطا شهريا يعادل ستمئة دولار أميركي لتغطية الاحتياجات الأساسية، في حين لا يزيد متوسط الأجور عن 150 دولارا.
ومن مؤشرات تدهور قيمة الليرة إصدار المصرف المركزي السوري في يوليو/تموز2017 عملة جديدة ، اعتبرها حاكم المصرف “ضرورة لمعالجة ارتفاع الأسعار”، امن فئة ألفي ليرة سورية ، بعد أن كانت أكبر عملة متداولة هي الألف ليرة.
ويؤكد الباحث الاقتصادي يونس الكريم ، أن تقلبات الليرة انعكاس للمجريات التي تحدث على أرض الواقع، “فالليرة هي الدستور والحدود، وهذه واحدة من أهم قواعد الاقتصاد والاقتصاد السياسي”.
واشار كريم الى ان التقلبات بالسعر وسيلة النظام للحصول على الأموال من خلال المصرف المركزي وشركات الصرافة والمصارف التي تعد من أذرع التحكم بسوق الصرف الخاضع بشكل كامل لسيطرة المصرف المركزي، وتحقيق مكاسب اقتصادية، اذ يعمد النظام لرفع قيمة الليرة ويخفض قيمة الدولار أيام الأعياد والمناسبات، حيث تكثر حوالات المغتربين لأفراد أسرهم المقيمين داخل البلاد.
ويعتقد الكريم بوجود حيتانٍ متصارعة داخل النظام وحريصة على الظهور بشكل متماسك مع استمرار مؤسساته بالعمل وفق بنيتها الأساسية ودفع الرواتب دون انقطاع، وكأن الاقتصاد السوري لم يتأثر بالحرب.
لكن النظام يعاني مشكلة مالية يصفها الكريم بالخطيرة، حيث لم يعد يملك عملة سورية مطبوعة ولا دولارات أميركية، وهو ما سيشكل بالنسبة له ذريعة وفرصة ذهبية للاتجاه نحو رأسمال جديد قائم على تحرير السوق ورفع الدعم عن كافة السلع حتى الخبز، وخصخصة سلع أخرى كالكهرباء.
وبسبب فقدان سوريا قدرتها على الإنتاج وتوقف عدة قطاعات أهمها النفط يتوقع الاقتصاديون استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية لتصل إلى حاجز ستمئة ليرة للدولار الواحد، ، والتي تحتاج الى ستة أشهر على أقل تقدير للعودة للعمل بعد زوال العقوبات الاقتصادية عن البلاد.
والمؤشرات ، لا تدل على وجود رفع الأجور في سوريا في الفترة المقبلة ، فهي عملية تتطلب زيادة كتلة المطبوعات من العملة السورية، وهو ما لن تسمح به روسيا التي تسعى للسيطرة على كل المفاصل الاقتصادية للبلاد والتحكم فيها.
يرى الاقتصاديون ، وسط التقلبات هناك شركات ورؤوس أموال ضخمة مترصدة لمرحلة إعادة الإعمار، وستتجه سوريا الى “للدولرة”، للسعي على عدم انهيار مؤسسات الدولة أي السماح بالتعامل بالدولار الذي سيكون العملة الثانية في سوريا دون أن تصبح المسيطرة.
وان “النظام غير قادر ماديا اليوم على استعادة السيطرة على اكثر المناطق وبالتالي الاضطرار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مستمرة .
و تدرك جميع الأطراف المتصارعة عسكرياً، أو اقتصادياً أو حتى دبلوماسياً، انه لا يوجد حل يلوح في الأفق القريب، على الرغم من المحادثات الدبلوماسية المستمرة، التي يجريها قادة الدول الكبرى التي تمسك بخيوط اللعبة في سوريا، وتحرك بيادق الحرب وأمراءها، بما يتوافق مع مصالحها المتنافرة باتجاهات مختلفة.
وان اختلاف مشاريعها وأجنداتها داخل البلد خصوصاً وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً، يزيد من تشرذم الواقع المؤلم وتطيل النفق المظلم أبعد ما يكون.
مما سبق نستنتج ان اصلاح الاقتصاد السوري يتطلب عشرات السنين من أجل أن يتعافى ويعود إلى وضعه الذي كان قبل الحرب، ومما يزيد من معاناته ان جزءا من الأضرار يبدو غير قابل للإصلاح، وهناك أشخاص هربوا من الدولة ولن يعودوا، فسنوات التعليم والثقافة التي فُقدت، والضرر الذي أصاب رأس المال المادي ورأس المال البشري ضرر كبير جدا إلى درجة و يحتاج إلى مئات مليارات الدولارات من أجل إصلاحه.
الوحدة الاقتصادية
مركو الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية