يعتمد النفوذ الأمريكي في العالم جزئيا على سياساته التجارية، وبالتالي فان مخاطر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فرض رسوم جمركية بنسبة 25 % على واردات الولايات المتحدة من الصلب، وبنسبة 10% على واردات الألومنيوم، تنذر بحسب المراقبين خسارة الولايات المتحدة لمجالها السياسي الدولي بوتيرة أسرع مما هي عليه الآن.
وبرر ترمب القرار بأن الولايات المتحدة “نُهبت تجاريا لسنوات من قبل الدول الأخرى، وإن الرسوم ضرورية لحماية الأمن القومي للولايات المتحدة الذي يزعم أنه تدهور بسبب انخفاض صناعات الصلب والألمنيوم المحلية.
وقال مدير عام منظمة التجارة العالمية، روبرتو أزيفيدو، إن المنظمة معنية بقرار ترمب، بفرض رسوم على واردات الولايات المتحدة من الصلب والألومنيوم من مختلف دول العالم، مشيرا الى ان القرار يعد تصعيدا حقيقيا، و بداية حرب تجارية تلحق الضرر بأقرب حلفاء واشنطن، حيث تعد ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية ضمن قائمة أكبر عشرة دول مصدرة للصلب إلى الولايات المتحدة، والصين الدولة الحادية عشرة.
ما دور منظمة التجارة العالمية
استند ترمب في قرار الرسوم الجمركية على بند قانون تجاري نادر الاستخدام صدر عام 1962 يعطي الرئيس سلطة فرض مثل تلك الرسوم.
وبدأت وزارة التجارة الأمريكية في نيسان/ أبريل 2017، تحقيقاً حول ما إذا كانت واردات الصلب والألومنيوم “أضعفت الأمن القومي” للبلاد، وخلصت في أوائل 2018 إلى أنها بالفعل تسببت بذلك، مما اعطى العذر لترمب بتطبيق الرسوم كما يراها مناسبة.
وحذر الاقتصاديون ، من أن استخدام ترمب حجة حماية الأمن القومي لفرض الرسوم، يمكن أن يقوض إطار عمل القواعد التجارية العالمية التي شيدت بعد الحرب العالمية الثانية، و يفتح الباب أمام بلدان أخرى باستخدام ذريعة الأمن القومي لاستثناءات مماثلة.
مما يمكن أن يخفف الضغط على الصين في منظمة التجارة العالمية، فإذا أصبح الأمن القومي مبرراً مقبولاً لسياسات الحماية التجارية، يمكن لبكين زيادة ممارساتها التمييزية وزيادة حظر الواردات والاستثمارات الأمريكية.
ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” للباحثين جوناثان مويير وديفيد بوهل، أن إقرار ترمب فرض رسوم على واردات الصلب والألومنيوم، اجراء خطر، يطلق شرارة حرب تجارية مع حلفاء الولايات المتحدة قبل خصومها ويخاطر بإضعاف النفوذ الأمريكي في العالم لما تتمتع به التجارة من تأثير واسع.
ويرى العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين ، أن سياسات الحماية التجارية الأمريكية ستسمح للصين، عملاق التجارة العالمي، بتوسيع نفوذها، ولاسيما مع انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي.
ويقول بعض الاقتصاديين ان التجارب السابقة لرؤساء أميركيين تظهر أن مثل هذه الرسوم قد تفشل على الأرجح في إعادة الزخم للمنتجين المحليين بالنظر إلى التكاليف المرتفعة للنمو الاقتصادي.
وأن الرسوم يمكن أن تؤدي إلى نشوب حرب تجارية تقوّض نظام التجارة العالمي، وتلحق الضرر ببعض الحلفاء الأقوياء للولايات المتحدة مثل كندا.
وفي سيناريو تفرض فيه الولايات المتحدة تعريفات جمركية على السلع والخدمات القادمة وتصاعد نزعة الحماية التجارية لمواجهة النزاعات التجارية، سيتضاءل المجال المستقبلي للنفوذ الأمريكي لصالح الصين في آسيا التي تضم دول مثل إندونيسيا وباكستان، وهي دول ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة.
ما التعريفات الجمركية الأميركية؟
أعلن وزير التجارة الأميركي ويلبر روس، عن بدء فرض رسوم جمركية بنسبة 25 % على واردات الصلب، و 10 %على واردات الألومنيوم.
وتفرض التعريفات على أنواع مثل الصلب المطلي والسبائك والألومنيوم والأنابيب، وهي مواد خام تستخدم بكثرة في مختلف الصناعات والتشييد وصناعة النفط في الولايات المتحدة.
وكانت كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي صدرت مجتمعةن ما قيمته 23 مليار دولار من الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة عام 2017، أي قرابة نصف إجمالي واردات الصلب والألومنيوم، البالغة قيمتها 48 مليار دولار، العام الماضي.
سبب قرار ترمب للرسوم ؟
• حماية الصناعة الأميركية، وخاصة الصلب، حجر الزاوية في حملة ترمب الرئاسية لعام 2016، بعد أن تراجعت العمالة في قطاع الصلب من حوالي 650 ألف عامل في الخمسينيات إلى نحو 140 ألف عامل.
• ان نجاح خطة الصلب يمكن أن يرجح كفة ترمب في انتخابات التجديد النصفي، إذ تنتشر العديد من مصانع الصلب المغلقة في الولايات المتأرجحة مثل بنسلفانيا.
• معالجة ازمة الصلب، اذ رحب معظم كبار منتجي الصلب والألمنيوم في الولايات المتحدة بهذا القرار، وشكر المعهد الأميركي للحديد والصلب ترمب لمعالجة الازمة وقال ثاني أكبر منتج للألومنيوم في الولايات المتحدة (سينتوريوم ألمنيوم) إن هذه الإجراءات ستحفزهم على زيادة الاستثمارات المحلية.
وحذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من خطورة الوضع، واصفة الرسوم الجديدة بالاستهتار بالشركاء المقربين من الولايات المتحدة، فيما تعهدت المفوضة الأوروبية لشؤون التجارة، سيسيليا مالمستروم، باتخاذ الاتحاد الأوروبي إجراءات مضادة إذا تم فرض رسوم على الصادرات الأوروبية، معلنة عن قائمة منتجات أمريكية سيفرض عليها مزيدًا من الرسوم الجمركية.
وهدد الاتحاد الأوروبي وكندا، بالرد على القرار الأميركي، فيما حذر وزير المالية الفرنسي برونو لو مير من اندلاع حرب قد تبدأ خلال “أيام قليلة”، وهو التحذير نفسه الذي أقره لاري كودلو كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس دونالد ترمب.
وأصدر الاتحاد الأوروبي قائمة من 10 صفحات بالسلع الأميركية التي ستخضع لتعريفات جمركية ردا على قرار ترمب، بداية من الدراجات النارية من طراز هارلي ديڨيدسون إلى منتجات الويسكي.
وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إنه سيرفع قضية ضد الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية.
وقد تشعل أزمة الرسوم الجمركية الأميركية غضبا واسعا للدول المستهدفة التي قد تتخذ إجراءات انتقامية أكثر من فرض تعريفات مماثلة أو مقاضاة أميركا.
وما يثير غضب الدول المستهدفة في القرار الأميركي هو تطبيقه على نطاق واسع، بدلا من استهدافه للدول المخالفة لقواعد التجارة العالمية مثل الصين، مما قد ينذر بحرب تجارية.
ويلوم منتجو الصلب والألمنيوم في جميع أنحاء العالم الحكومة الصينية، بسبب دعمها لإنتاج هذين المعدنين، متجاوزة بذلك قواعد التجارة العالمية، مما غمر السوق العالمية بمنتجات منخفضة التكلفة، أدت إلى انخفاض الأسعار.
وترمب ليس اول رئيس للولايات المتحدة يفرض الرسوم ،فقد فرض عدد من الرؤساء السابقين رسوما جمركية و غيرها من العوائق التجارية لحماية الصناعة الأميركية من الواردات الأجنبية الرخيصة.
فلجأ الرؤساء ليندون جونسون وريتشارد نيكسون وجيمي كارتر ورونالد ريغان إلى تطبيق حصص أو وضع حدود للاستيراد.
لكن الدراسات الاقتصادية خلصت إلى أن هذه الإجراءات لم تفعل الكثير لوقف تدهور صناعة الصلب والألمنيوم في الولايات المتحدة.
وهذا ما أكده ، نائب رئيس المفوضية الأوروبية جيركي كاتاينن، قائلا: “عندما فرضت أميركا رسوما على واردات الصلب من أوروبا سابقا كانت النتيجة أن الآلاف فقدوا الوظائف في الولايات المتحدة”.
اتفاقية نافتا :
تعود جذور الاتفاقية التجارية الحرة لأميركا الشمالية -المعروفة اختصارا بـ”نافتا”- إلى العام 1989، حين تم التوقيع بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا على اتفاقية للتجارة الحرة والتي تتضمن حرية التجارة بينهما، قبل أن تنضم اليها المكسيك رسميا بعد خمس سنوات.
وتتضمن الاتفاقية التجارية بين الدول الثلاثة “إنشاء منطقة تجارية “، وتعد الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك من أكبر التكتلات التجارية في العالم، اذ دخلت حيز التنفيذ عام 1994، وعادت إلى الأضواء بعد تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالخروج منها أو إعادة التفاوض بشأنها.
ومن اهداف الاتفاقية:
• إقامة منطقة للتجارة الحرة فيما بينها وإزالة الحواجز الجمركية ورفع القيود الضريبية وفتح الباب أمام الحركة التجارية بين بلدان أميركا الشمالية الثلاثة، لزيادة النمو وتقوية التبادل التجاري بينها مما يؤدي في النهاية لخلق أكبر منطقة استهلاكية تستفيد من إيجابيات وفرص حرية التجارة.
• مساعدة أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة عبر تخفيض التكاليف وتسهيل عمليات البيع والشراء، وإزالة الحواجز التجارية وإلغاء الرسوم بين الدول الثلاث عن نحو تسعة آلاف سلعة خلال 15 عاما، وتسهيل حركة عبور التجارة بين البلدان المؤسسة لها.
واكد ترمب صعوبة التفاوض بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، مفضلا توقيع اتفاقيتين منفصلتين مع كل من البلدين على حدة.
وقال ترمب في تصريح له «لا مانع لدي من رؤية اتفاق منفصل مع كندا حيث يكون لنا نوع معين من المنتجات، وآخر مع المكسيك».
و«إنهما بلدان مختلفان كثيراً».وأن نافتا «اتفاق سيىء للولايات المتحدة». و «إننا نخسر الكثير من المال مع كندا ونخسر ثروة مع المكسيك.
وطرح ترمب هذا الاقتراح الجديد وسط مواجهات تجارية تجري على نطاق العالم، والتي تصاعدت مع فرض الإدارة الأميركية أخيراً رسوماً جمركية مشددة على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، على رغم أن هذه الدول من الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة.
وأقر وزير التجارة الأميركي ويلبور روس بأنه لم يعد هناك «تاريخ» محدد لإنجاز المحادثات الجارية، وشدد على أن إدارته تعطي أفضلية لإبرام اتفاقات ثنائية عوضاً عن نظام تعددي يشهد مناقشات لا تنتهي.
ترمب بالغ في تقدير العجز التجاري الأميركي تجاه المكسيك والذي بلغ في 2017 سبعين بليون دولار، وهو غالباً ما يتحدث عن العجز في تبادل السلع، علماً أن ميزان المبادلات يبقى لمصلحة الولايات المتحدة على صعيد الخدمات.
أما مع كندا، فإن الولايات المتحدة تسجل فائضا تجاريا يبلغ بليوني دولار، إذ تعوض حصيلة تبادل الخدمات بفارق كبير عن عجز بقيمة 23 بليون دولار على صعيد السلع، بحسب الأرقام الرسمية الأميركية.
وبدت الدول الثلاث تواجه ضغوطاً شديدة لإنجاز مراجعة اتفاق «نافتا»، وأعربت عن أملها في التوصل إلى «اتفاق جيد جداً» وفقاً لأوتاوا.
وربط ترمب مصير المفاوضات حول «نافتا» بمسألة فرض الرسوم الجمركية المشددة على الصلب والألمنيوم، ويذكر أن كندا هي المزود الرئيس للولايات المتحدة بالصلب.
واكد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ان هذه الضرائب المشددة «غير مقبولة»، مشيراً إلى أنها تشكل “إهانة للشراكة الأمنية القائمة منذ زمن طويل بين كندا والولايات المتحدة وإهانة لآلاف الكنديين الذين قاتلوا وقضوا بجانب أشقائهم في السلاح الأميركيين.”
وردت أوتاوا عملياً بإعلان رسوم جمركية على منتجات أميركية بقيمة 16.6 بليون دولار كندي (12.8 بليون دولار أميركي).
وأقر وزير المال الكندي بيل مورنو خلال اجتماع لوزراء مال مجموعة السبع عقد في ويسلر في كندا، بأن «من الواضح أن المناقشات ستكون صعبة»، وتسبب تصاعد النزاع التجاري بين أكبر اقتصادات العالم بخلاف بين الحلفاء .
وقال وزير المال الكندي بيل مورنو إن ممثلي مجموعة السبع سيتصدون لقرار واشنطن فرض رسوم على الصلب والألمنيوم الذي دخل حيز التنفيذ. ورأى أن «من الواضح أن المحادثات ستكون صعبة»، و «نحن نعد هذا الرد وسيلة لإعادة الأميركيين إلى طاولة التفاوض». وأن «كندا لا تشكل تهديداً أمنياً لذا علينا أن نمضي قدماً على أسس مختلفة». وأشار إلى أن الرسوم الأميركية أضعفت الآمال بنجاح مفاوضات تعديل معاهدة التبادل التجاري الحر في أميركا الشمالية (نافتا).
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية