منذ الضربة الصاروخية الثلاثية التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، تصاعدت الضربات العسكرية المركزة التي تنفذها إسرائيل ضد القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، وقد استهدفت هذه الضربات المطارات والقواعد الإيرانية في دمشق “مطار تي فور العسكري” ومطارات عسكرية في حماة ودير الزور وحتى تشكيلات مليشيات حزب الله في منطقة القنيطرة.
تهدف إسرائيل إلى تخفيض حجم التهديد الذي تشكله إيران على أمنها القومي، وذلك وفقا لمبررات حول تجاوز إيران للخطوط الحمراء وذلك من خلال تدخلها المتزايد في سوريا. وفى حين انه لا يوجد هناك أي تطور في ما يخص العداء القائم بين إسرائيل وإيران، واستنادا إلى تفاهم جديد تم إبرامه بين روسيا وإسرائيل مؤخرا، يمكن لإسرائيل الآن شن غارات جوية ضد القواعد الإيرانية، مع استثناء قطاعات الجيش السوري من هذه الضربات.
ولا تخفي إسرائيل من خلال هذا التصعيد أن هدفها ممارسة اقسي الضغوط على الرئيس الأسد ودفعه لاتخاذ قرار بطرد القوات الإيرانية من سوريا، وإرسال رسائل مفادها أن إسرائيل ستعمل الإبقاء على الأسد في السلطة في حال إقدامه طرد القوات الإيرانية من سوريا. حتى انه تردد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لموسكو، طرح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صفقة بهذا المعنى.
ويرى الكثير من المحللون أن نشوب أي خلاف بين إيران وروسيا لن يصب في مصلحة الأخيرة التي ليس لديها الكثير من الحلفاء في المنطقة، إضافة إلى أن التواجد العسكري الروسي في سوريا لم يكن ليستقر دون وجود القوات الإيرانية على الأرض. ومع ذلك، وفي سياق أهداف روسيا في سوريا، فإن الاتفاق بين روسيا وإسرائيل لا يثير الدهشة، خاصة أن إيران تشكل خطرا على استراتيجية روسيا في سوريا على المستويين العسكري والسياسي، ففي الوقت الذي تسعى فيه روسيا لإنجاز تسوية في سوريا في إطار دولة علمانية وفدرالية مع الاحتفاظ بقواعدها العسكرية الساحلية، تتطلع إيران لإنجاز تسوية في سوريا تؤكد دورها الإقليمي في إطار مشروع أيديولوجي قومي فارسي ودولة طائفية.
وبالتالي، ليس من المتوقع أن تعمل روسيا على إزاحة إيران من المشهد السوري بشكل كامل. وبدلا من ذلك، ستمارس روسيا المزيد من الضغوط على إيران بغية تحجيم نفوذها في سوريا. وهكذا أرسل توقف الدفاعات الروسية عن مواجهة الغارات الإسرائيلية، رسالة لإيران مفادها أنه بالرغم من تواجدها العسكري في سوريا إلا أن هذا التواجد بدون غطاء روسي سيبقى عرضة لمخاطر الاستهداف.
ومن الواضح أن تطور العلاقات بين روسيا وإيران، قد وضعت الأسد في وضع غير مستقر، ففي الوقت الذي يدرك فيه الرئيس السوري أن أسباب التمسك بالتحالف مع روسيا أهم بالمقارنة مع إيران، إلا أنه يدرك أيضا أن روسيا غير معنية بشخص الرئيس الأسد في مواصلة قيادة سوريا بعد المرحلة الانتقالية المفترضة، وذلك على عكس طهران التي لديها مصلحة راسخة في إبقائه في السلطة.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها روسيا، إلا انه من غير الواضح إلى أي مدى يمكن إقناع الأسد بالحد من وجود القوات الإيرانية في سوريا، خاصة وأن إيران يمكن أن تمنحه درجة من الحماية ضد الضغوط الروسية. علاوة على ذلك، مازالت قدرة الأسد على اتخاذ إجراءات ضد إرادة طهران مقيدة إلى حد كبير بالنفوذ العسكري والاقتصادي الإيراني في سوريا، فمنذ بداية الأزمة، أصبحت الميليشيات الإيرانية التي تقاتل في سوريا جزء لا يتجزأ من الجيش السوري، وذلك من خلال عمليات اندماج تم تنفيذها بتعليمات من إيران. إضافة إلى ذلك، تؤكد المعارضة السورية أن إيران وعبر خطط مدروسة تمكنت من اختراق الاقتصاد السوري، عبر اتفاقات اقتصادية مع الحكومة السورية، في مجالات النفط والزراعة والسوق المالي والعقارات والاستثمار في الفوسفات وغيرها من المشاريع الاقتصادية الحيوية الكبرى.
في ضوء ما سبق، وحتى يتسنى لها تحقيق مصالحها في سوريا، قد تجد موسكو نفسها مضطرة إلى وعد الأسد بأنه في حالة نجاحه في طرد القوات الإيرانية من سوريا، ستضمن روسيا بقاء نظامه في المستقبل. وفى الوقت عينه، فان استمرار العمليات الواسعة التي تنفذها إسرائيل ضد القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا حول دمشق وفي الجنوب والشمال والشرق السوري سترسل رسالة قوية لإيران بأن نفوذها الإقليمي قد أصبح في خطر. ونتيجة لذلك، ربما يدفع ذلك إيران للقبول بالتفاوض وتقديم تنازلات في أية مفاوضات قادمة.
عمر الرداد
معهد واشنطن