عصفت الخلافات والفوضى بالجلسة الافتتاحية لمجلس النواب العراقي الجديد أمس بعد فشل القوائم البرلمانية في تحديد الكتلة الكبرى التي ستُكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وسط تنافس محورين رئيسيين يزعم كل منها الحصول على الأغلبية البرلمانية. وقد تسبب هذا بتأجيل التصويت على اختيار رئيس البرلمان ونائبيه في بداية عملية مدتها 90 يوما حددها الدستور يتم خلالها تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وحكومته.
وأعلن نواب من كتلة “سائرون” -في مؤتمر صحفي الأحد بمقر البرلمان- عن تشكيل الكتلة الأكبر عددا تحت عنوان “الإصلاح والإعمار” مكونة من 20 كتلة سياسية. ومن أبرز الكتل المنضوية بهذا التحالف -بالإضافة إلى “سائرون” المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (54 مقعدا)- تحالف النصر بزعامة حيدر العبادي (42 مقعدا) وائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي الذي يشغل 21 مقعدا، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم الذي يشغل 19 مقعدا. كما يضم التحالف عدة قوى سُنية من أبرزها تحالف القرار العراقي بزعامة أسامة النجيفي الذي يشغل 16 مقعدا. وبحسب مقربين من العبادي يضم هذا التحالف 177-184 نائبا، أي أكثر من نصف عدد مقاعد البرلمان البالغة 329 المطلوبة لتشكيل الحكومة الجديدة.
وبعدها بساعات رد تحالف منافس من كتلتي الفتح بزعامة هادي العامري المكونة من فصائل الحشد الشعبي ودولة القانون بزعامة نوري المالكي بالقول إنهما شكلا -إضافة إلى نواب من كتل أخرى- الكتلة البرلمانية الأكثر عددا باسم تحالف البناء (150-155 نائبا بحسب بعض المراقبين). وتقول كتلة المالكي إن 21 نائبا من كتلة النصر التابعة للعبادي انضمت إليهم. وبين هؤلاء الرئيس السابق لهيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الذي أقاله العبادي من منصبه قبل عدة أيام بسبب شكوك في إجرائه مفاوضات مع تحالف الفتح بدون علمه.
حسم قانوني
ويدعي كلا التحالفين الشيعيين المتنافسين أن نوابا في كتلتي الوطنية والقرار انضموا إليهم، مما يوحي بوجود انقسامات وتفكك داخل الكتلة الواحدة. وتبقى المحكمة الاتحادية الطرف الأخير الذي سيحسم الجدل بشأن الكتل الكبرى، دون أن يتضح بعد الطريقة لذلك، وهل ستكون باعتماد جمع تواقيع رؤساء الكتل كما فعلت عامي 2010 و2014، بحسب ما ينادي بذلك تحالف الصدر والعبادي بجمع تواقيع جميع النواب الذي يصر عليه التحالف المنافس.
وترددت أنباء أمس أن محمد علي زيني -رئيس البرلمان المؤقت الذي اختير باعتباره الأكبر سنا- أرسل بالفعل كتابا إلى المحكمة الاتحادية لحسم الأمر، ولكن مصادر نيابية نفت ذلك وقالت إن زيني لم يرسل أي خطاب للمحكمة واعتبروا أن ذلك يشكل التفافا على القانون.
هذا الانقسام داخل الكتل السياسية يعود إلى عدم وجود اتفاق على إرادة وطنية تتفق مع إرادة الشعب ومتطلباته الأساسية، بحسب المحلل السياسي أمير الساعدي.
ويقول الساعدي للجزيرة نت إن هذه الكتل تتصارع على السلطة بحثا عن المناصب، وترتهن بإرادات الخارجية بعيدا عن الفضاءات الوطنية ومصلحة البلد.
ويرى أن كل من جمع تواقيع رؤساء الكتل أو جمع تواقيع النواب لحسم مسألة الكتلة الكبرى جائز قانونا، ويشدد على أن هذا الجدل يمكن حسمه داخل البرلمان من خلال طلب الرئيس المؤقت عد نواب كلا التحالفين يدويا أو الطلب منهم وضع بطاقة لكل واحد منهم بصندوقين يمثلان التحالفين المتنافسين.
لكن القيادي بتحالف سائرون جاسم الحلفي قال للجزيرة نت إن رئيس البرلمان المؤقت لا يستطيع أن يحسم الأمر بسبب تمسك كل تحالف بموقفه، مشيرا إلى أن كلا التحالفين يواصل جمع تواقيع النواب. وأشار إلى أن النواب السنة انقسموا بين التحالفين المتنافسين، بينما لم يحدد الأكراد موقفهم بعد.
وفي هذا الإطار، يؤكد حنين قدو القيادي بتحالف العامري والمالكي -في تصريحات نشرت اليوم- أن مفاتحة المحكمة الاتحادية بشأن تسمية الكتلة الأكبر من صلاحية رئيس البرلمان المنتخب والكتل السياسية.
بيضة القبان
ويمكن لهذه الانشقاقات داخل الكتل -إذا كانت مؤكدة- أن تقلب الموازين خاصة وأن الأحزاب الكردية (حوالي ستين نائباً) لم تحسم موقفها حتى الآن، وتواصل مفاوضاتها مع الجانبين.
ويقول الساعدي إن أربعة أحزب كردية صغيرة لم تنضم بعد للحزبين الكرديين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني في مفاوضات بغداد، ويرى أن الأكراد يعلمون أن الحكومة الجديدة لا يمكن أن تشكل بدونهم اعتمادا على مبدأ الشراكة والتوازن، وبالتالي ينتظرون حسم الكتلة الكبرى برلمانيا ليتفاوضوا معها بشأن شروطهم ومطالبهم من بغداد.
أما النواب السنة فهم منقسمون بين التحالفين الرئيسيين، في وقت نفت الجبهة التركمانية العراقية (ثلاثة مقاعد) انضمامها لأي من التحالفين، وقالت إنها ستعلن خلال أيام موقفها بهذا الشأن.
وبعد انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، سيكون لدى النواب مهلة ثلاثين يومًا لانتخاب رئيس للجمهورية (كردي) يحصل على ثُلثي الأصوات. وعند انتخابه يكون أمامه 15 يومًا لتكليف الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل حكومة جديدة.
وتواجه الحكومة المقبلة أزمة اجتماعية وصحية كبيرة بدأت منذ حوالى شهرين، طالب خلالها محتجون بجنوب ووسط العراق بتحسين الخدمات العامة والبنى التحتية في مناطق تعاني نقصا حاداً منذ سنوات طويلة، خصوصا الماء والكهرباء.
والأمر المهم الآخر الذي يقع على عاتق رئيس الوزراء الجديد هو مواجهة تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية الذي هُزم مع نهاية عام 2017 في جميع مدن البلاد، لكنه ما زال ينفذ هجمات متكررة من حين لآخر.
المصدر : الجزيرة