هل يعود كردستان العراق جنة للمستثمرين

هل يعود كردستان العراق جنة للمستثمرين

تعصف بإقليم كردستان العراق، الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1991 ويشهد انتخابات تشريعية، الأحد، أزمات حادة سياسية واقتصادية واجتماعية تصاعدت حدتها منذ الاستفتاء حول الاستقلال في سبتمبر الماضي. وكان الإقليم، قبل الاستفتاء، يمر بأزمة اقتصادية صعبة بسبب انخفاض أسعار النفط التي تمثل المورد الرئيسي لميزانيته. وتصاعدت الأزمة بعد انخفاض صادراته النفطية إثر سيطرة قوات الحكومة الاتحادية على غالبية المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، خصوصا محافظة كركوك الغنية بالنفط.

السليمانية (العراق) – خلال 15 عاما قضاها موظفا في وزارة الكهرباء، كان سامان قادر يتقاضى نحو 500 دولار شهريا، لكن حين اضطر إقليم كردستان العراق إلى اتباع سياسة اقتطاع الرواتب لتجنب الإفلاس، خسر الرجل قرابة نصف راتبه، وهو يتطلع اليوم، وإن بأمل ضعيف، إلى أن تساهم حكومة كردستان القادمة في تغيير الوضع.

تزامنا مع تقلص راتبه، خسر قادر أيضا الأعمال الصغيرة التي كانت تسمح له بزيادة مدخوله الشهري، خصوصا بعد فشل الاستفتاء على الاستقلال في سبتمبر الماضي، كما يقول الكردي البالغ من العمر 51 عاما.

ويسكن قادر في منزل صغير مع زوجته المريضة وأولادهما الأربعة. وتشكل نهاية كل شهر تحديا له، إذ “يجب دفع الفواتير، وأقساط بناتي في الجامعة، وعلاج زوجتي في إيران“.

ولطالما كان إقليم كردستان العراق، الذي ينتخب برلمانه الجديد الأحد، جنة للمستثمرين في منطقة الشرق الأوسط المضطرب. لكن اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية للبلاد في العام 2014، ووصوله إلى أبواب أربيل كبرى مدن الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي وتراجع أسعار النفط، والفساد وقرار بغداد بوقف المساهمة في ميزانية المنطقة، وحرمانها من 80 في المئة من إيراداتها، كان ضربة كبيرة لاقتصاد كردستان.

ويقع الإقليم، الذي يضم محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، في مناطق معظمها جبلية في شمال العراق ويسكنه نحو خمسة ملايين نسمة غالبيتهم العظمى من الأكراد إضافة إلى مسيحيين وتركمان وعرب، غالبيتهم من السنة، يتحدثون الكردية والعربية.

مستوى كارثي
يقول مدير مركز كردستان لعلم الاجتماع في جامعة سوران قرب أربيل عادل بكوان إنه “في بداية العام 2017، وصلت الأزمة الاقتصادية إلى مستوى كارثي”. ويضيف “لقد خسر الموظفون الذين يشكلون 60 بالمئة من السكان العاملين، نصف رواتبهم، لا بل بلغت خسارة البعض 75 في المئة (…) وغادر المستثمرون بأعداد كبيرة، وتوقفت المشاريع القائمة، وارتفع عدد السكان تحت خط الفقر إلى 15 في المئة“.

جرى الاستفتاء على الاستقلال رغم معارضة بغداد والمجتمع الدولي. وردا على ذلك، استعادت بغداد السيطرة على جميع المناطق المتنازع عليها، وبينها حقول كركوك النفطية، وقسمت المحافظة الكردية إلى نصفين، قاضية بذلك على كل أمل بدولة مستقلة.

كان إنتاج حقول كردستان وكركوك يبلغ 600 ألف برميل يوميا تُصدر 550 ألفا منها عبر ميناء جيهان التركي، ومع خسارة حقول كركوك، خسر الأكراد نصف إنتاج الذهب الأسود.

ومع انهيار حلم الدولة، لم يبق أمام الإقليم إلا إعادة التفاوض على جزء من الموازنة الاتحادية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في اقتصاد قائم على عائدات النفط، وحيث تثقل مؤسساته المحسوبيات التي تمارسها الأحزاب الكبيرة التي تتقاسم السلطة في كردستان منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003.

ويقول بكوان إنه “منذ أبريل الماضي، وبعد تدخل مباشر من واشنطن، هدأت العلاقات بين بغداد وأربيل، لكن لم يتم تطبيعها”، مضيفا أن “بغداد تدفع لكردستان حاليا جزءا من نصيبه من الميزانية الاتحادية: مليار دولار شهريا“.

عودة المشاريع
لكن الخبراء يرون أن الأمر سيتطلب الكثير لسد العجز في كردستان الذي يكافح لتنويع مصادر اقتصاده، لا سيما بعد ستة أشهر من الحصار الجوي الذي فرضته بغداد، وإغلاق المنافذ الحدودية مع إيران وتركيا. لكن نوزاد غفور، نائب رئيس غرفة التجارة في السليمانية، ثاني أكبر مدن كردستان العراق، يؤكد أن الوضع الاقتصادي والاستثمار في تحسن منذ بداية العام.

ويقول غفور إن العام الحالي شهد بداية “400 إلى 500 مشروع جديد في عموم الإقليم، مشاريع سياحية وسكنية وصناعية وخدمية”. ويضيف أنه “في غضون الأعوام الأربعة المقبلة، سيتم توفير أكثر من 40 ألف فرصة عمل”، فيما يعلن شاب من بين خمسة تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما في كردستان أن “ليس هناك أمل بالحصول على وظيفة في يوم من الأيام”.

لكن ذلك لم يلغ فورة التذمر الاجتماعي. فقد خرج معلمون وأطباء وموظفون، إضافة إلى مقاتلي البيشمركة، إلى الشوارع لأسابيع، في تظاهرات سقط فيها قتلى. وفي هذه المنطقة التي تعيش 87 في المئة من عائلاتها بأقل من 850 دولارا شهريا، فإن انتخابات الأحد، وهي الأولى منذ الاستفتاء، ليست إلا عزاء سيئا للسكان.

يقول بكوان إن “الفئات الاجتماعية المهمشة من قبل النظام السياسي، والمحرومة بشكل كبير من النظام الاقتصادي، والمنبوذة من النظام التعليمي، هي في وضعية انعدام الثقة بالنخب السياسية”. ويضيف أن “هذه القاعدة الاجتماعية غير المتكاملة لا ترى أي أمل في تحسين ظروفها المعيشية بالتصويت لصالح أحد الأحزاب“.

ويقول عبدالله محمد المتقاعد والبالغ من العمر 69 عاما، إن السياسيين “ينفقون المال بشكل جنوني لطباعة ملصقات حملاتهم. وحين يطلب المحتاجون المساعدة منهم، يقولون إننا نعيش أزمة وليست هناك أموال”. ويضيف، مشيرا بيده إلى ملصقات بألوان زاهية، “هذه الانتخابات لا تهمني“.

حتى ولو أشار الخبراء إلى عزوف كبير عن المشاركة في الانتخابات، فإن روا برهان (20 عاما) سيدلي بصوته، الأحد، آملا في أن تفتح الحكومة الكردستانية المقبلة “صفحة جديدة في العلاقات مع الحكومة العراقية”. ويرى هذا الشاب، وهو ابن موظفين انخفض دخلهما بشكل حاد من 1700 إلى 800 دولار شهريا، أن على أربيل “أن تتفق على الميزانية وتخلص الشعب من المعاناة المعيشية“.

العرب