ما سيواجهه رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبدالمهدي من مشكلات معقّدة متراكمة ومرحّلة عبر سنوات من الفشل الحكومي المزمن وضعف الأداء في إدارة الشأن العام، سيجعل قيادته للبلد أشبه بالسير في حقل من الألغام التي لا يأمن انفجار أحدها وإصابة حكومته الفتية في مقتل.
بغداد – يواجه رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي سلسلة تحديات داخلية وخارجية، يرقى بعضها إلى مستوى تهديد بقائه في منصبه طويلا.
وفي تفاصيل أبرز التحديات الخارجية، يأتي ملف العقوبات الأميركية على إيران، التي يمكن أن يلعب العراق دورا بارزا في تعميق أثرها على جارته الشرقية، أو أن يتحوّل على العكس من ذلك إلى متنفّس لها.
ويقول مراقبون، إن عبدالمهدي، يمكنه استثمار توازن علاقاته التقليدية بالولايات المتحدة وإيران، في التوصل إلى تسوية لا تؤذي بلاده.
والأسبوع الماضي، بدا واضحا أن العراق يمكن أن يتضرر من امتناعه عن استيراد البضائع الإيرانية، تنفيذا للعقوبات الأميركية. وعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار بعض البضائع في الأسواق العراقية بنحو 3 أضعاف، بمجرد بدء بغداد تنفيذ حظر على استيرادها من إيران.
وينبّه خبير اقتصادي عراقي إلى خطورة ارتباط اقتصاد العراق بالاقتصاد الإيراني الذي يعزوه لأسباب سياسية وأيديولوجية، لا علاقة لها بموضوع المنافع والفوائد المادية التي تحكم منطق العلاقات الاقتصادية بين الدول، معتبرا أن الأحزاب الحاكمة وفي مقدمتها حزب الدعوة مسؤولة بشكل مطلق عن ربط الاقتصاد العراقي عضويا بالاقتصاد الإيراني بحيث يمكن اعتبار الأول جزءا من الثاني. لذلك يبدو العراق عاجزا عن استيراد غذائه من مكان آخر غير إيران. الأمر الذي يعني أن العراقيين مهدّدون في قوتهم إن تم الالتزام بتنفيذ العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
وكما يبدو، يضيف الخبير ذاته، فإن الأحزاب الموالية لإيران كانت تهيئ العراق للعب دور ما إذا ما تعرّضت إيران لأوقات عصيبة مثل التي يُتوقّع أن تمر بها قريبا. والواضح أن تلك الأحزاب قد قررت أن تتخذ من الشعب العراقي سدا بشريا يحول دون تنفيذ تلك العقوبات.
ولن يمكن لعادل عبدالمهدي التمرد على واشنطن في ملف العقوبات على إيران لأنه سيضع بلاده في مواجهة مخاطر جسيمة، لكن الالتزام التام بالعقوبات سيهدد الاقتصاد العراقي، ما يستلزم مقاربة خاصة لهذا الملف الحساس.
وسيكون على عبدالمهدي، البحث عن صيغة لا تغضب الأميركيين ولا تستفز الإيرانيين، بسبب حاجته الماسة إلى علاقة متوازنة مع كليهما، لو أراد تسيير شؤون بلاده بنجاح.
ويقول مراقبون إن الفشل في تحقيق هذه المقاربة، سيهدد بقاء رئيس الوزراء العراقي في منصبه، بغض النظر عن المدة التي يمضيها في المنصب.
خارجيا أيضا، يواجه عادل عبدالمهدي تحديا بالغ الخطورة، يتعلّق بمنسوب المياه في نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا، ويتغذى الأول على روافد طبيعية من إيران.
وجود حكومة قوية ومستقلة وسيدة في قرارها شرط أساسي للنجاح في معالجة القضايا المعقدة وحلها
وخلال الأعوام القليلة الماضية، خفضت تركيا كمية المياه المتدفقة في النهرين صوب العراق، فيما حوّلت إيران مسار بعض الروافد بعيدا واستغلتها محليا في مشاريع زراعية وصناعية، ما تسبب في شحة بالمياه قادت إلى زيادة المساحات المتصحرة في الأراضي العراقية وأضرت كثيرا بقطاع الزراعة.
وكان للسياسيات التركية والإيرانية في المجال المائي انعكاس مباشر على الداخل العراقي، إذ فجّر شحّ المياه احتجاجات عنيفة في البصرة جنوبا، صنّفت على أنها من أهم الأسباب التي حالت دون تجديد الولاية لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
وبمجرد تكليف عبدالمهدي بتشكيل الحكومة الجديدة، انهالت سلسلة تحذيرات من البصرة تحاول لفت نظره إلى خطورة تجدد الاحتجاجات، وصعوبة احتوائها لو حدث ذلك.
وبحسب مطلّعين على الشأن العراقي سيكون من الصعب على حكومة عبدالمهدي الالتفاف على مشكلتي الماء والغذاء أو تأجيل النظر العاجل فيها. فهما المشكلتان اللتان يمكن أن تطلقا احتجاجات شعبية قد لا تؤدي فقط إلى إسقاط الحكومة، بل إلى إنهاء العملية السياسية برمّتها.
ومن دواعي تشاؤم المحللّين السياسيين العراقيين بشأن ملف المياه أن برنامج حكومة عبدالمهدي لم يتضمن أي إشارة إليه، ما يعني أن الاحتجاجات التي شهدتها محافظة البصرة وهي أكثر المدن العراقية تضررا لم تأخذ طريقها إلى أسماع الساسة العراقيين وهم يعدّون العدة لحكم العراق لأربع سنوات مقبلة.
وبحسب أحد المحلّلين فإن صمت الحكومة الجديدة عن مواجهة تلك المشكلة هو استمرار لما فعلته الحكومات السابقة، رغم التحذيرات الصريحة التي سبق وأن أطلقها خبراء المياه العراقيون.
ويعتبر المحلّل ذاته أنّ جميع المشاكل الأخرى لا تقارن بمشكلتي الغذاء والماء اللتين يتطلّب حلّهما وجود حكومة قوية ومستقلة وسيدة في قراراتها التي يجب أن تراعى فيها مصلحة البلد وشعبه، بعيدا عن الحسابات السياسية والاعتبارات الأيديولوجية.
وتقول المصادر إن عبدالمهدي يعوّل على “هدايا تركية وإيرانية سريعة في ملف المياه كعربون حسن نوايا بشأن العلاقات الإقليمية في المدى المنظور”.
ويعدّ ملف الحشد الشعبي، الذي تحول من قوة مؤقتة تشكّلت بفتوى دينية لمواجهة اجتياح داعش لأجزاء واسعة من البلاد، إلى هيئة مشرّعة من قبل البرلمان، من بين أخطر التحديات الداخلية التي يواجهها عبدالمهدي، لارتباط الحشد بخطة إيرانية تقتضي إنشاء قوة رديفة للجيش العراقي مستنسخة عن تجربة الحرس الثوري الإيراني.
وبعد زوال الخطر الواسع الذي شكله تنظيم داعش ينظر إلى الحشد، حاليا، على أنه قوة تقع ضمن مجال التأثير الإيراني وليس العراقي، بسبب صلات قادته الوثيقة بطهران. ولا يبدو واضحا، كيف سيتعامل عبدالمهدي مع هذه القوة، التي قد تستخدم في الانقلاب على الحكومة في حال سلكت وجهة غير ملائمة للمصالح الإيرانية.
العرب