أساطيرنا مليئة بالأبطال الشباب، لكنّ وسائل الإعلام تصفهم بالضحايا المأساويين. ما هي حقيقة الأطفال المجنّدين؟
فكرة الأطفال المُجنّدين هي فكرة حديثة؛ فمنذ القرن العشرين وحتى الآن لم تكن هذه القضية مسار اهتمام المنظمات الحقوقية الدولية التي كانت تفعل ذلك بطريقة حذرة ومختلفة. اتفاقية الأمم المتحدة في عام 1989 بشأن حقوق الطفل تُطالب الحكومات باتخاذ جميع التدابير الممكنة عمليًا لإبقاء الأطفال تحت سن الخامسة عشرة بعيدًا عن القتال المباشر. وفي عام 2000، التزمت الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع السن إلى الثامنة عشرة، وفي عام 2002 صدر البروتوكول الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة. كما تم حظر الجماعات المسلّحة غير التابعة للدولة من تجنيد أي شخص دون سن الثامنة عشرة، في حين يسمح للدول بحشد المتطوعين فوق سن الخامسة عشرة. فكرة الطفل المُجنّد باعتبارها انحرافًا جنائيًا، وانتهاكًا لقواعد الحرب، هي فكرة يعود تاريخها إلى القرن الحادي والعشرين.
ولكن ما يُفتقر إليه في التاريخ، يعوضه الحديث عن الطفل المُجنّد برثاء مأساوي. وسواء كان ذلك من خلال منظمة للمساعدات تمثل قاعدة لجمع التبرعات أو مذيعة إخبارية تخطف القلوب، فلا يوجد شيء ينقل حقارة الصراع تمامًا مثل صورة طفل يبلغ من العمر تسع سنوات يدخن سيجارة ويحمل بندقية AK-47. مذكرات “قطعنا شوطًا طويلًا” التي نُشرت في عام 2007، من تأليف الطفل المُجنّد السابق، إسماعيل بيه، تحكي لنا قصة أصبحت مألوفة الآن عن التجنيد القسري في سن الثانية عشرة، والمخدرات، والإكراه وأربع سنوات قضاها من العنف، قبل عملية إنقاذ من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف). وعلى الرغم من الاختلاف حول الكثير من الحقائق الآن؛ إلّا أنّ قصص بيه عن سيراليون ساعدت على ترسيخ صورة الطفل المُجنّد بوصفه النموذج الأصلي لهذه الكارثة الإنسانية.
على مدى السنوات العشرين الماضية، انتشرت المنظمات غير الحكومية ذات الأحجام المختلفة لمنع القاصرين من القتال في جميع أنحاء العالم. وفي عام 1998، تحالفت 8 منظمات رئيسة لحقوق الإنسان، من بينهم منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، لتشكيل ائتلاف من أجل وقف استخدام الأطفال المُجنّدين. وبعد أربع سنوات، جعلوا يوم 12 فبراير “يوم اليد الحمراء” لرفع مستوى الوعي ووقف استخدام الأطفال المُجنّدين. بلغ نشاط الأطفال المُجنّدين ذروته الشعبية مع نشر الفيديو الشهير كوني في عام 2012 من مجموعة من الأطفال التبشيرين غير المرئيين، لتعزيز حملتهم لاعتقال جوزيف كوني، رئيس جيش الرب الأوغندي.
تم اختطاف الطفل المُجنّد الذي يطارد مخيلة الغربيين، وعمل غسيل دماغ له، وتخديره، وإجباره على ارتكاب الجرائم حتى يفعل المانح في الغرب أي شيء لوقف هذه المأساة.
الحرب، كما يُقال، هي الجحيم، ولا توجد حرب أعفت الأطفال من جحيمها، سواء كانوا ضحايا أو مقاتلين. اهتمامنا في الآونة الأخيرة بشأن ممارسة الأطفال المُجنّدين ليس عن التغييرات في الطبيعة القتالية الحديثة، ولكن عما يجب فعله حيال العالم المثالي للطفولة كفترة محمية لتنمية وتطور الأطفال. كما كتبت هيلين بروكلهورست، وهي محاضِرة في العلاقات الدولية في جامعة سوانسي، ويلز، في مقالها “الطفولة في الصراع: هل يمكن للطفل المُجنّد الحقيقي أن يقف؟” (2009)، أنّ ظهور عبارة “الطفل المُجنّد” تحدد المرحلة التي أصبح فيها تصوّر المجتمع عن الطفولة غير قابل للقياس عند تسخيره لمفهوم المجتمع عن للحرب. وعندما حدث ذلك، وصلنا إلى هذه المرحلة في الوقت الذي هزمت فيه الرأسمالية الشيوعية وأعلن منظرو نهاية التاريخ بابتهاج تام أنّه لم يبق هناك حروب للقتال. ما تبقى هو التهدئة، للتخلص من المجموعات المجنونة أو الشريرة التي ترفض التعاطي مع البرنامج.
بهذه الطريقة، يأتي الطفل المُجنّد ليمثل جميع الجماعات المسلّحة غير الشرعية ذات الدوافع التي دائمًا ما تكون غير منطقية – كما هي دوافع الطفل المُجنّد. قتالهم هو استجابة خاطئة للصدمات، أو نتيجة برمجة تشبه العبادة، أو إجبارٌ من خلال التهديد بالعنف من قِبل رجل قوي مُصاب بالمسّ الأحاديّ. الأطفال المُجنّدون هم ضحايا وجناة في الوقت ذاته، تمامًا مثل جميع المقاتلين غير التابعين للدولة هم ضحايا عنادهم الأحمق. في عصر الديمقراطية الليبرالية والمقاومة السلمية، كل تمرد هو حدثٌ غير طبيعي، مثل أن يصبح المراهق ملازمًا في الجيش. وبما أنني لم أعثر على أي سجل تاريخي لانتفاضة شعبية لم تشمل المراهقين (بما في ذلك في أمريكا)، فإنّ أي ثورة شعبية هي انتهاكٌ فعلي للقانون الدولي. بمجرد اتهام أي ميليشيا في أي مكان في العالم باستخدام الأطفال المُجنّدين، فإنّ الغرب يفوّض نفسه للتدخل واستعادة النظام. كان فيديو كوني في عام 2012 هو أضحوكة الإنترنت في هذا العام، ولكنه أدى مباشرة إلى دعوة أعضاء الكونغرس في مجلسي النواب والأحزاب إلى تزايد الوجود الأمريكي في إفريقيا الوسطى.
ربما يكون استخدام الأطفال في القتال غير مألوف من الناحية التاريخية، لكنه لم يكن غير قانوني أو شيئًا غريبًا أنّ يذهب المراهقون إلى الحرب. نحن نعرف هذا لأننا قد أبقينا على ذكرى “الأطفال المُجنّدين” السابقين في التاريخ والأساطير. في كتابه “إعادة تصوّر الأطفال المُجنّدين في القانون الدولي والسياسة” (2012)، يستشهد مارك درمبل ببعض الأمثلة: كارل فون كلاوزفيتز، وهو جنرال بروسيّ ومؤلف كتاب “في الحرب” (1832)، انضم إلى الجيش البروسي في سن الثانية عشرة؛ وألكسندر الأعظم أصبح الوصي على العرش وقمع التمرد التراقي في سن السادسة عشرة؛ وكانت جان دارك أيضًا في سن المراهقة عندما أرسلت التماسًا إلى الملك للحصول على إذن للسفر مع الجيش إلى أورليانز في عام 1429. وكان داود -عليه السلام- في مقتبل العُمر عندما قتل جالوت وصعد إلى العرش. وكانت هناك مجموعة من المراهقين في حفلة شاي بوسطن في عام 1773، في حين أن صموئيل مافريك البالغ من العمر 17 عامًا كان واحدًا من خمسة مستعمرين قُتلوا في مذبحة بوسطن في عام 1770. ويذكر درمبل أيضًا ناشطة الحقوق المدنية كلوديت كولفين، التي رفضت وهي في سن الخامسة عشرة، تسعة أشهر قبل روزا باركس، التخلي عن مقعدها في الحافلة. والقائمة تطول، ولجميع الأسماء التي نعرفها، هناك العديد ممن فقدانهم مع مرور الزمن.
“نحن الآن تجاوزنا سن تجنيد الأطفال، يمكننا أن ننظر إليه باعتباره شهادة على شجاعة أجدادنا“.
في هذه القصص، لم يكن شباب الأطفال دليلًا على أنّ قضيتهم كانت فاسدة أو مضلّلة. على النقيض من ذلك، كان الأطفال الملهمون منحة من الله – أو من التاريخ. وجود الأطفال المُجنّدين يمنع تسيس الصراع ويجعله مسألة إجرامية، ولكنّ الأطفال المُجنّدين في قصص الحرب القديمة يثيرون مسألة المستقبل والحاضر الذي نعيشه الآن. يمكن للرابحين عبر التاريخ أن يستمتعوا بالمعارك الماضية، يمكنهم وضع أنفسهم مكان الأطفال المُجنّدين لأنهم يعرفون كيف تنتهي القصة، بشعارات الديمقراطية الرأسمالية الليبرالية، ونظام الدولة القومية، والأمم المتحدة. الآن بعد أن نشأنا نتيجة تجنيد الأطفال، يمكننا أن ننظر إلى الأمر باعتزاز، كشاهد على بصيرة وشجاعة أجدادنا. أيًا كان ما فعلوه، رغم كل شيء، فهم من أتوا بنا إلى هنا.
طالما أنّها منفصلة عن الجغرافيا السياسية المعاصرة، تُعدّ سرديات الأطفال المُجنّدين مناسبة تمامًا للأطفال في الولايات المتحدة. انظر إلى الصبي الساحر هاري بوتر، يتيم الحرب الذي اختطف من أقاربه وهو في سن العاشرة، ووُضع في أكاديمية منعزلة يسيطر عليها بعض المتشددين السابقين، وقيل له إنّ قدره المجد، وتعلم القتال هناك. عندما عاد زعيم الميليشيا الذي قتل والديه من أجل عمل بعض التكتيكات الهجومية، كان هاري في سن المراهقة يُدرّب كوادر مسلّحة من زملائه في المرحلة الثانوية لمحاربة الأعداء الداخليين والخارجيين. قُتل أحد هؤلاء الأطفال المُجنّدين في المعركة التي أعقبت ذلك. في فترة ما بعد الحرب، انضم هاري وصديقه رون إلى وحدة الشرطة العسكرية للحكومة الجديدة. “إنهم خبراء الآن“، هكذا قالت مؤلف روايات هاري بوتر، ج. ك رولينج، للصحفيين في عام 2007، التي ذكرت بعض التفاصيل عن خاتمة كتابها الأخير في هذه السلسلة، وقالت: “لا يهم عُمرهم أو ماذا فعلوا“. وربما تختلف المحكمة الجنائية الدولية مع ذلك، لكنها لا تلاحق الفائزين.
في السيناريوهات الخيالية عن “الحرب العادلة”، مثل صعود فولدمورت أو الغزو الشيوعي، يكون الأمريكان أقل تعارضًا حول ما إذا كان الأطفال يمكنهم أن يختاروا أن يكونوا مسلّحين أم لا. وعلى الرغم من أنّ الأراضي الأمريكية لم تُحتل من قِبل أي قوة أجنبية منذ حرب عام 1812، لكنّ هذا لا يمنعنا من تخيّل ما سنفعله إذا حدث ذلك. في فيلم “الفجر الأحمر” (1984)، غزا الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه الكوبيون الولايات المتحدة. (في النسخة الجديدة من الفيلم في عام 2012، كانت الدولة الغازية هي كوريا الشمالية). أبطال الفيلم هم مجموعة مشاكسة من طلاب المرحلة الثانوية في كولورادو نزلوا إلى التلال وشنّوا هجومًا على قبيلة الروسكيز. وولفرين/الرجل الذئب (على اسم تعويذة مدرستهم) يتدرب ويقاتل ويموت، ولكن ليس هناك شك حول ما إذا كان ينبغي عليه الاستسلام أو إذا كان أصغر من أن يتحمل مسؤولياته. في نهاية الفيلم الأصلي، كان هناك نصب تذكاري من أجل الوولفرينس: “في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثالثة، عصابات الحرب -معظمهم من الأطفال- كتبوا أسماء الذين فقدوهم على هذه الصخرة. لقد حاربوا هنا بمفردهم، وتخلوا عن حياتهم، حتى لا تنتهي هذه الأمة“.
عندما يتعلق الأمر بالوطن، لا يمكن لأي هيئة دولية أن تقول للمراهقين أن يتنحوا جانبًا.
العِرق هو أحد الأسباب التي تجعل من السهل بالنسبة لمتابعي وسائل الإعلام الغربية تصوّر المراهقين على أنّهم أبطال في ولاية كولورادو أو أسكتلندا أكثر من سريلانكا أو كولومبيا. إذا كنا نتعرض فقط لصور جامدة لهؤلاء الأطفال ككائنات نتعاطف معها -ذوي أعين رقيقة، صامتين، يشعرون بالحزن- فمن الصعب أن نضع أنفسنا مكانهم ونتخيّل ما هي دوافعهم كأفراد.
سلسلة هاري بوتر تقلل من شأن الصدمة الأبدية التي يعاني منها هؤلاء الأطفال، ناهيك عما إذا كان يجب عليهم أن يتولوا مناصب مباشرة كموظفين مدنيين. إنّ المعايير الدولية سوف تدعو ليتم تسريحهم وإعادة دمجهم في السكّان المدنيين. ولكن على الأقل في روايات هاري بوتر أو ألعاب الجوع بواسطة سوزان كولينز، فإنّ الأطفال يشعرون بمجموعة من العواطف المختلفة، ويكون أمامهم خيارات ويكون لديهم أهداف محددة. وفي الوقت نفسه، يساعد تصوير العالم للأطفال المُجنّدين في فترة ما قبل التسريح في تقديمهم باعتبارهم أطفالًا من ذوي البُعد الواحد، لا يقعوا تحت طائلة المسؤولية عن أعمالهم بسبب الإكراه أو غسل الدماغ. تخدم هذه الصورة السطحية مصالح منظمات الإغاثة والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكنها تطلب منا أن نتجاهل أصوات الأطفال أنفسهم.
في عام 2009، على سبيل المثال، تعاونت منظمة اليونيسيف وسريلانكا في حملة إعلامية بعنوان “أعيدوا الطفل” تهدف إلى الحد من تجنيد الأطفال القاصرين، وتحديدًا من قِبل جماعة جبهة نمور تحرير تاميل إيلام. في الملصقات، توجد صور بالأسود والأبيض للوجوه العابسة للأطفال المُجنّدين تغطي على الصور الملّونة لأجسادهم وهم يشتركون في بعض الألعاب التي تناسب أعمارهم. بجانب صورة لإحدى الفتيات، هناك تعليق مكتوب فيه: “إنها تريد أن تكون راقصة، لا طفلة مُجنّدة“. صبي يريد أن يلعب الكريكيت. يفترض هذا الخطاب أنّ الأطفال المُجنّدين يتم اختطافهم أو إكراههم، ولكن تشير استطلاعات المجندين الشباب في جبهة نمور تحرير تاميل إيلام أنّ هذا أمر نادر الحدوث نسبيًا. في أحد الاستطلاعات، قال 18 من أصل 19 صبيًا من الجبهة إنّهم انضموا طواعية.
ولكن، هل يمكن للطفل أن يتطوع حقًا للانضمام إلى الجيش؟ حتى عندما يتطوعون بمحض إرادتهم، يفعل الأطفال المُجنّدون ذلك في ظل مجموعة من الظروف المقيدة لهم. لكنّ منظمة اليونيسيف تجعل الخيارات تبدو سهلة: الحرب أو الرقص الحرب أو الألعاب، الحرب أو أن تكون طبيبًا. لن يختار أي طفل عقلاني الخيارات السابقة، وهذا ما يشكّل دليلًا على أن حريتهم سُلبت منهم. ولكن، عندما يكون الخيار بين أن تصبح جنديًا أو ضحية، يكون للتطوع معنى مختلف. في شمال شرق نيجيريا، قامت فرقة العمل المشتركة المدنية بتجنيد آلاف من المراهقين في مجموعات الدفاع الذاتي المسلّحة لحماية القرى من المسلحين في جماعة بوكو حرام. لا توجد وسيلة لهؤلاء الأطفال للانسحاب من هذا الصراع؛ ففي صحيفة “ذا ديلي بيست” في مارس من هذا العام، قدّم الصحفي النيجيري فيليب أوباجي خيارات هؤلاء الأطفال بعابرات قاسية، وقال: “حارب بوكو حرام أو دعهم يقتلونك. بعض المراهقين، ولأسباب مفهومة، اختاروا الخيار القتال“.
“وصفت الشابات تجنيدهن بأنّه رحلة للهروب من العنف الجنسي والاستغلال في بيئة عسكرية منظمة“.
إذا وُصف الجنود من الصبيان بأنّهم عرضة للخطر، فإنّ المجندات معرضات للخطر ذاته أيضًا. لقد تعلم متابعو وسائل الإعلام الغربية بعمل قفزة عقلية بين النساء الشابات اللاتي يتعرضن للخطر والاغتصاب في الخارج. عندما يقول المدافعون إنّ 40% من الأطفال المُجنّدين هم من الفتيات، فإنّهم يتلاعبون بأسوأ مخاوف الجمهور حول دور المرأة في جنوب الكرة الأرضية. في محاولة لتسجيل قصص الفتيات، في عام 2002، قام فريق من الباحثين المحليين بقيادة إيفون كيرنز من مكتب الأمم المتحدة كويكر، بإجراء مقابلات مع 24 فتاة من أربعة أماكن مختلفة للصراعات: أنغولا وكولومبيا والفلبين وسريلانكا. في أنغولا، تأكّدت أسوأ مخاوف كيرنز، مع وجود فتيات تم تجنيدهنّ بالقوة والاعتداء عليهنّ جنسيًا. ولكن، من بين 18 فتاة، انضمت 17 منهنّ إلى جماعات حرب العصابات طواعية، وتوضح شهاداتهنّ حول خياراتهم التعقيد الذي نفتقر إليه في تصوّرنا للأطفال المُجنّدين.
خلافًا لتوقعات كيرنز، وجدت المقابلات أنّ ثلاثًا من أصل أربع مجموعات لحرب العصابات لديها قواعد صارمة فيما يتعلق بالعلاقات الجنسية بين الجنود، بما في ذلك إجراءات واضحة للحصول على موافقة المرأة. ووصفت العديد من الشابات التي أُجريت معهنّ المقابلات تجنيدهنّ بأنّه رحلة للهروب من العنف الجنسي وغيره من أشكال الاستغلال في داخل الوطن في بيئة عسكرية منظّمة. وعندما مارست هذه الجماعات السيطرة الإنجابية، كانت عادة من خلال وسائل منع الحمل والإجهاض القسري للحفاظ على اللياقة البدنية في ساحات القتال. تصف إحدى المقاتلات السريلانكيات هروبها من منزلها عشية زواج لم ترغب فيه. تصريحات المقاتلات الفلبينيات صادمة للغاية: الفتيات يمثلنّ جزءًا من ثقافة النقد المتبادل، ويكون لديهم متسع من الوقت للدراسة، وتستمع الجماعة إلى أصواتهن. ويشمل التدريب محاضرة حول السياسات الصارمة للتحرش الجنسي. في الندوة، كان واضحًا أنّ استغلال المرأة أمر ممنوع تمامًا. وقالت إحدى المستطلعات: “أشعر بالأمان. ليس لدي أية مخاوف“.
وعلى النقيض من الأفكار الغربية عن وكالة الأطفال المُجنّدات، فإنّ غالبية الذين تمت مقابلتهم قد اتخذوا خيارًا مدروسًا ليصبحوا من المقاتلين. تعرضت هؤلاء الشابات لمجموعة واسعة من الرفاهية والضرر في الوقت نفسه، ولكنّ “المجتمع الدولي” يضعهنّ في نمط واحد من أنماط الضحية. الافتراض بأنّ كل المجنّدات خضعن لنفس العنف مثل المقاتلين في أنغولا هو استبعاد لثلاثة أرباع هذه القصص. ويكتب كيرنز عن الفتيات من الفلبين وكولومبيا: “إذا لم يكن من أجل القتال، لفضّلت هؤلاء الفتيات الحياة في جماعة مسلحة على حياتهن كمدنيات. تتبنى منظمات الإغاثة سياسة” الوقاية والتسريح وإعادة الإدماج” التي لا تأخذ في الاعتبار الكامل المجموعة المتنوعة من الأسباب التي تجعل الأطفال ينضمون إلى حركات حرب العصابات، والسبب في أنهم قد لا يرغبون في الاندماج.
الطفل المُجنّد هو فكرة حديثة، بدأنا باكتشاف تناقضاتها مؤخرًا. في التصوّر الغربي المعاصر، يمكنك أن تكون مناضلًا شجاعًا أو طفلًا مُجنّدًا يتم استغلاله، ولكن لا يمكنك أن تكون الاثنين معًا. انكشف التناقض بين هاتين الفكرتين في سبتمبر الماضي في مجلة “ماري كلير” عندما كتبت الصحفية الأمريكية إليزابيث غريفين عن النساء في وحدات حماية المرأة، وهي قوة الدفاع الذاتي للكرديات السوريات الماركسيات التي تقاتل تنظيم داعش حاليًا. وبدلًا من أن تصبح لاجئة، انضمت الشابات الكرديات إلى وحدات حماية المرأة لمواجهة داعش، على الرغم من أن هذه الجماعة تلتزم رسميًا بالبروتوكول الاختياري.
يشتمل مقال إليزابيث غريفين على بعض هؤلاء المتدربات في سن المراهقة والمقاتلات، التي تصفهن بالبطلات، وأُعجب المحررون بالقصة لدرجة أنّهم نسوا أنّهم يصفقون لجريمة حرب. وهناك ملاحظة غريبة كتبها أحد المحررين في مقدمة المقال على الإنترنت، أنّ الجهود التي تبذلها وحدات حماية المرأة لافتة للنظر، ولكن ماري كلير لا تتغاضى عن استخدام الأطفال المُجنّدين بأي صفة. وتم تحرير هذا المقال ليعكس ذلك. وكانت الطريقة التي عدّلوا بها المقال ليعكس الإدانة العالمية لتجنيد الأطفال من خلال حذف كل ما ذُكر عن أي شخص دون سن 18 عامًا.
التصوير السطحي للأطفال المُجنّدين الذي تقتضيه دولة القانون الدولي، يقول إنّ هؤلاء الأطفال يمكن أن يكونوا مجرد ضحايا يعانون من صدمة نفسية أو إنّهم سوف يصبحون غير مرئيين. عندما لا يتناسب هؤلاء المقاتلون مع جدول الأعمال الخطابي للدول القومية والمنظمات العابرة للحدود، يتم محوهم من القصة أو يُكتبوا في قصة أخرى أكثر ملاءمة. وباعتبارهم “أطفالًا مُجنّدين”، فإنّ وكالتهم ليست مهمة، ومن الأفضل وضعهم في مسار العمل.
التقرير