“اللغة العربية تطورت من السريانية إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن”. هكذا قال رئيس النظام السوري بشار الأسد في حواره لصحيفة عُمان العُمانية.
ففي جوابه عن رأيه عن “التجربة العربية”، قال الأسد إنه يرى أزمة هوية “يتم تسويقها كسلاح بين القوميات العربية”، معتبراً أن “الهويات خلقت أزمات”، وطالب بأن تكون هناك “هوية واحدة وانتماء واحد، كما يفعل الأتراك الذين يعززون هويتهم في كل أنحاء العالم”.
لكن رئيس النظام السوري وقع في خطأ فادح؛ فبينما يتبنى حزب البعث الذي يحكم سوريا أفكاراً “عروبية”، بدا رئيس الحزب والنظام بعيداً عن معرفة تشكل وتاريخ اللغة العربية وعلاقتها باللغات السامية الأخرى.
وينسب النظام وحزب البعث الحاكم نفسه للأفكار “العروبية”، ويرى أن تدخل تركيا في شمال البلاد احتلال، لكنه سبق للأسد أن استخدم خطاباً مفاجئاً في مؤتمر نهاية العام الماضي، حينما قال “إذا كانت هذه هي القومية والعروبة، فنحن لا نريدها، هؤلاء هم العرب، نحن لا نريد أن نكون عربا، نحن نكون أي شيء”.
وتنتمي اللغتان العربية والسريانية إلى اللغات السامية الغربية، لكن تقعان في مجموعتين لغويتين مختلفتين؛ فالآرامية (سلف السريانية) تنتمي للغات السامية الشمالية الغربية، بينما تحتفظ اللغة العربية بتصنيف لغوي مستقل يعد الأقرب للغة السامية الأم.
ويقع بعض الباحثين في خطأ عدم التفرقة بين تاريخ ظهور اللغة وتاريخ كتابتها؛ فاللغة العربية الشمالية ظهرت واستخدمت كلغة شفهية قبل أن تتم كتابتها، في حين كتبت اللغة العربية الجنوبية بخط المسند قبل ظهور مملكة سبأ، أي قبل أكثر من ألف عام قبل الميلاد، وهو زمن متقارب لبداية ظهور اللغة الآرامية التي تعتبر سلف اللغة السريانية.
كيف نشأت وتطورت اللغة العربية؟
كان الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربية رقعة جغرافية وسكانية متقاربة ومتكاملة، ويظهر ذلك في ثقافة الشعوب واللغات المتشابهة التي أطلق عليها لغات سامية.
وتعتبر اللغة العربية -وفق باحثي اللغة- أقرب اللغات السامية إلى “اللغة السامية الأم”، واحتفظت بعناصر من اللغة الأم أكثر من بقية اللغات السامية الأخرى، بما في ذلك الأصوات ونظام الإعراب وصيغ جمع التكسير وظواهر لغوية أخرى اشتقت من السامية الأم.
ولأن الجزيرة العربية ظلت بعيدة عن غزو ممالك الزمان القديم، فظلت لغتهم محفوظة من التأثر باللغات الأخرى المجاورة، واحتفظت بخصائص النحو والصرف القديم والصيغ الاشتقاقية.
واحتفظت اللغة العربية كذلك بصيغ أصلية للكثير من الضمائر، ولا يزال معجم العربية هو الأغنى والأكثر ثراء بين اللغات السامية.
واعتبرت لغة عرب الشمال، أو العرب المستعربة الذين جاؤوا من نسل إسماعيل عليه السلام؛ لغة القرآن والشعر الجاهلي، وهناك من الباحثين من ينسبها إلى يعرب بن قحطان ملك العرب الجنوبيين، وآخرون ينسبونها إلى العرب العاربة أو البائدة.
لكن الروايات الثلاث حول أصل اللغة العربية يمكن الجمع بينها، خاصة أن اللغة العربية قبل القرآن كانت لغة جميع العرب في شبه الجزيرة العربية، وأن المكيين وعرب الجنوب ربما اكتسبوها نتيجة انتقال سكان مهاجرين إلى مناطقهم، وتعتبر الصحراء محل ميلاد اللغة والقبائل العربية على حدّ سواء.
اللغة السريانية وسلفها الآرامية لغات سامية أيضاً
تتحدث اللغة السريانية طوائف ومجتمعات آشورية وسريانية وكلدانية توجد في الموصل ودهوك بالعراق وفي معلولا شمال دمشق وفي القامشلي والحسكة، وفي ماردين وأورفا التركيتين، ويستخدمها رجال دين مسيحيون يعتبرونها الأقرب للغة المسيح الآرامية، وكتبت بها كثير من الكتب المسيحية القديمة.
وهي تكتب من اليمين لليسار مثل العربية، وتتكون من 22 حرفاً فقط.
وظلت اللغتان العربية والسريانية على اتصال نتيجة الهجرات المتبادلة بين الشعوب المتحدثة باللغتين، وكذلك حركة التجارة بين مناطق الشام والجزيرة العربية.
وتشترك اللغات السامية في عدد من الخصائص، أهمها ثلاثية حروف جذور كلماتها، والمفردات الدقيقة، وبنية الجملة، والأسلوب الأدبي، وحروفها الصوتية الأساسية، وبكونها لغات منصرفة أي تتغير نهاية الاسم فيها حسب موقعه في الجملة، لكن اللغة السريانية فقدت التصريف بحسب أطلس الحضارة الإسلامية لإسماعيل الفاروقي.
المصدر : الجزيرة