العراق مركز تقاطع للأمم الثلاث “العربية، والإيرانية، والتركية”، واهتمام دولي، فتماسكه يعني تماسكاً لأمم الشرق الأوسط الثلاث، وتفكّكه يعني بالضرورة إعادة رسم للجغرافيا السياسية للمنطقة برمتها؛ فتقسيمه ممنوع، وبقاؤه دولة قلقة غير ممكن؛ فأنموذج دولة التوازن هو الخيار الأفضل له وللمنطقة بأسرها. وما أدل على صحة هذا القول، بأن العراق في غضون ست أيام فقط بدءًا من 9كانون الثاني/ يناير الحالي، وانتهاءً في 15 الشهر الحالي، استقبل تسع مسؤولين بدءًا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ومرورًا جون لوريمير مستشار الدفاع الأقدم البريطاني للشرق الأوسط، وبيجين زنكنة وزير النفط الإيراني، وجون مينزا مساعد الأمين العام للعمليات في حلف الناتو، ومحمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، وجان ايف لورديان وزير الخارجية الفرنسي، والملك عبدالله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وكرستوفر باين وزير الدفاع الاسترالي، وأخيرًا هولين زاو الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات.
لا شك فيه أن هذه الزيارات المتتالية للمسؤولين المشار إليهم آنفًا إلى العراق تعود إلى عاملين أساسيين الأول: إدراك هؤلاء المسؤولون أهمية العراق الإستراتيجية في بيئته العربية والإقليمية والدولية، وأنه أي العراق دولة محورية في البيئة الشرق أوسطية، من الصعوبة بمكان تجاهلها. أما الثاني فهو مرتبط ارتباط وثيق بالعمل الأول، والذي مهّد بشكل كبير لتلك الزيارات، ويتجسد بوجود فريق عمل سياسي وأمني عراقي على درجة عالية من الوطنية والمهنية وفي مقدمتهم برهم صالح رئيس جمهورية العراق، وعادل عبدالمهدي رئيس وزرائه، ومحمد علي الحكيم وزير خارجيته، ومصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي. ونظرًا لدورهم الوطني في أن يستعيد العراق عافيته السياسية والإقتصادية والامنية، ويشغل المكانة الذي يستحقها على المستوى العربي والإقليمي والدولي، لذلك سنسلط الضوء في هذه الورقة تلك الشخصيات السياسية والأمنية كي يكونوا قدوة لغيرهم من الشخصيات السياسية والامنية في العراق.
أولًا- برهم صالح:
“إنني أعدكم بحماية وحدة العراق وسلامته”. هذا ما أعلن عنه برهم صالح عند أداؤه لليمين الدستوري رئيسًا لجمهورية العراق. فقد استقبلت الطبقة السياسية العراقية والجماعة الدولية خبر انتخاب مجلس النواب العراقي برهم صالح رئيسًا لجمهورية العراق بالترحيب الكبير، فهذه بداية واعدة لرئيس قادم من الطبقة التكنوقراطية يستند على نهج تصالحي. فما يُميز الرئيس الحالي للعراق عن باقي الشخصيات السياسية في العراق صراحته ووضوح موقفه. فقد تأثر برهم صالح بالمفاهيم الديمقراطية وقواعدها في الدول الغربية ونهل من تجربتها وآمن بأهدافها النبيلة محاولا أن ينقل تلك المفاهيم إلى العراق بعد عام 2003م إلا إن نظام المحاصصة الطائفية والعرقية حالت دون ذلك. في جميع محطاته السياسية كان -ولايزال- برهم صالح في نظر الجميع ذلك السياسي الأكثر انفتاحاً وعقلانية، والأكثر تحررًا وترفّعًا عن المشاحنات الجزئية، والأكثر قدرة على التواصل مع جميع المتخاصمين، المتسامي على التناحرات الطائفية والقومية في بلده العراق. والأهم، في نظره هو، أنه الأكثر قبولاً وحظوة لدى الدوائر السياسية ومراكز القرار العالمي، الأميركي والأوروبي.
وخلال فترة وجيزة أعاد برهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية حركيته. ووفقا لمراقبون للشأن العراقي، فإن رئيس الجمهورية برهم صالح، ربما يطلب حضور بعض جلسات مجلس الوزراء العراقي، الذي يعمل عادل عبدالمهدي على تشكيله. ويتيح الدستور العراقي لرئيس الجمهورية مشاركة الحكومة في التداول بشأن القرارات السياسية والسيادية، لكنه لا يمنحه حق التصويت. وينص الدستور، كذلك، على أن السلطة التنفيذية تتكون من الحكومة ورئاسة الجمهورية. لكنه يقيد صلاحيات الرئيس ببعض المهام الشكلية. فخلال فترة وجيزة أيضًا استطاع الرئيس العراقي برهم صالح أن يحاكي آمال الكثيرين من الذين عولوا على وجوده في هذا الموقع، ليعبر عن همومهم ويكون جزءا من حلها.
فشعار استعادة مكانة العراق في محيطه الإقليمي والدولي وترميم صورته المتداعية، والذي رُفع عاليا مع تسلم برهم صالح لمنصب رئاسة الجمهورية العراقية خلفا لفؤاد معصوم، بدأ يتجسد مع اتخاذ الحراك الرئاسي بعدا ذو مضمون خلال تعدّد الزيارات الخارجية، فمنذ تسلمه سلطاته الدستورية قتم بزيارة عدد من دول العربية والإقليمية وكان آخرها لدولتي قطر وتركيا خلال هذا الشهر الحالي. وتأتي زياراته تلك، لتؤكد على قناعاته السياسية التي يؤمن بها وهي: أن العراق يسعى الى بناء أفضل العلاقات مع عمقه العربي والخليجي، والتعاون مع اشقائه في إرساء قواعد حسن الجوار والتكامل الاقتصادي والنهوض الثقافي المشترك، كما تجمع بين العراق والجمهورية الاسلامية الايرانية روابط علاقات متينة، نطمح الى تنميتها وتقوية أسسها لتكون بدورها مثالاً للتعاون من أجل نماء واستقرار المنطقة، وان علاقات متميزة تربط العراق بتركيا تحمل بدورها آفاقاً مفتوحة للتطور، وهذا ما يعزّز فرص سلام ناجز تستحقه المنطقة وشعوبها. إنه سلام لن يظلّ مجردَ وعدٍ لعموم المنطقة، إذا ما تحقق الاستقرار الأمني التام في العراق الديموقراطي الاتحادي، وفي سورية، بتفاهم وطني مخلص بين الأشقاء السوريين، وبما يصون سلام سورية وأمن شعبها، وفي اليمن، بما ينهي معاناة شعبها ويرسي عوامل سلامها وحقوق مواطنيها.
ومع ذلك، يمكن لشخصية مثل برهم صالح، وبثقله السياسي الداخلي والخارجي، إنتاج التغيير الذي يحتاجه المشهد السياسي في البلاد. وبوجود صديقه القديم عادل عبدالمهدي، على رأس مجلس الوزراء، يتوقع مراقبون أن يحرص برهم صالح على بناء شراكة فعّالة مع الحكومة. من شأن هذه الشراكة مواجهة التحديات العراق التي يمر بها العراف وهي لا تعد ولا تحصى، والتي تتلخص بكم من المشاكل السياسية، وكثرة اللاعبين المحليين، ومعاناة شعبية جراء نقص الخدمات، وغياب الحلول، كما إن البنية التحتية الأساسية منهارة بشكل صادم في قطاعات الماء والكهرباء والصحة والتربية والتعليم والطرق والإتصالات، مع نقص الموارد، وتناقصها، والفساد المستشر، والتنافس السياسي، وعزوف الشركات العالمية عن الإستثمار، وبقاء التهديدات الأمنية بنسب متفاوتة، وهو مايحتاج الى تفاهمات صعبة مع الشركاء السياسيين، واللاعبين الدوليين والإقليميين. ومنع عودة ظهور “داعش. فالعراق محاصر من قبل دول إقليمية تراه ساحة لنفوذها، وسوقا لبضاعتها، وملعبا تلتقي عليه بخصوم كثر، ويتشارك هو وصديقه عبد المهدي تلك الهموم .فهذه الشراكة الفعالة إلى جانب الفطنة العالية التي يتمع بها برهم صالح رئيس جمهورية العراق سيجعلان واشنطن وطهران صديقتين للعراق. فالتجربة والثقافة السياسيتان لا تسمحان لهما بالمجازفة في مواجهة الولايات المتحدة، ولا بإدارة الظهر لرغبات الجمهورية الإسلامية. وهما يتمتعان بعلاقات مع كل الأطراف المعنيين بالشأن العراقي، في الداخل والخارج.
ثانيًا- عادل عبدالمهدي
ما إن تمّ انتخاب برهم صالح رئيساً للجمهورية، في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، حتى كلّف السياسي، عادل عبد المهدي، بتشكيل حكومة عراقية جديدة، تخلف حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي. يُعد عادل عبد المهدي من القادة المؤسسين لـ«عراق ما بعد عام 2003»، ينظر له صاحب الباع الطويل في السياسة العراقية، كشخصية مستقلة قادرة على مسك العصا من المنتصف في العلاقة بين الأطراف الداخلية والخارجية الحاضرة بقوة على الساحة السياسية العراقية. ليس طارئا على السياسة العراقية. فهو صاحب صولات وجولات جعلت من اسمه مطروحا عند كل استحقاق في العراق، بصفته مرشح تسوية يحظى بقبول جميع الأطراف.ولذا، يحمل هذا “العتيق” بين يديه، الكثير مما يمكنه من خوض غمار المهمة الموكلة إليه.
قبل شهور من تكليفه تشكيل الحكومة العراقية، كتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي مقالاً في جريدة «العدالة»، التي يشرف عليها ويطرح من خلالها آراءه ورؤاه لكيفية بناء الدولة، مقالاً حمل عنواناً مثيراً، وهو «أشكركم فالشروط غير متوفرة». وضح وبيّن الخطر الحقيقي على أي عملية إصلاح اقتصادية وسياسية في العراق ، وقد يلاحظ الكثيرين مهارة الرجل في ادراكه لهذه المشاكل وقدرته على تشخيصها بشكل حقيقي ، فقد بدأ هذه النقاط بتشخيص المشكلة الريعية للاقتصاد العراقي وما تشكله من عائق اما باقي قطاعات الإنتاج ،كما أشار الى معارضة القوى السياسية للنهج الإصلاح الاقتصادي لما اعتادوا عليه من عقلية الدولة الريعية كما وصفهم ، وتناول قضية الفصل بين السلطات وقيام المؤسسات الدستورية، ومشكلة الفساد الإداري، ودعم التشكيلات العسكرية الساندة، كما أشار الى العلاقات الدولية المبنية على أسس المنطق لا على أساس التبعية.
يرى المتابعين للشأن العراقي إن الدكتور عادل عبد المهدي تسلم رئاسة مجلس الوزراء بتركة ثقيلة نتيجة الحرب على (داعش)، والعشوائية التي صاحبت الفترة الماضية، مع موارد شحيحة وسقف توقعات مشروع وعالٍ، وليس ميسوراً تحقيق نسب نجاح عالية». وأضافوا، أن «ما يتوجب عمله هو تهدئة قلق الشارع وغضبه، وإعطاء جرعة أمل منشّطة، عبر توفير فرص عمل من القطاع الخاص، من خلال تقديم إغراءات وإعفاءات ضمن الحدود المتوفرة. إذ لم تعد الدولة قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من البطالة وجموع الخريجين الجدد». وتابع «الأمر يتطلب توفير الحد الأدنى من الخدمات، وتحسينها عبر رؤية جديدة لا تعتمد الآلية التي لم تحقق نجاحاً». وأشاروا إلى أن عادل عبد المهدي سيركز على نزع فتائل التوتر السياسي الداخلية والإقليمية؛ ذلك أنه رجل حوار وليس شخصية صدامية. وسيقارب ما يمكن حله من الملفات الساخنة، ويدير ما يُختلف عليه بطريقة مختلفة، ما يخلق ثقة بين الشركاء وينزع الشكوك. وعلى المستوى الإقليمي، يحتاج إلى مقاربة هادئة للأزمات التي تعصف بالمنطقة، والعلاقات المتشنجة مع بعض الدول، مثل تركيا. وأن رئيس الوزراء المكلف يحتاج إلى تطوير هذا الانسجام الحاصل بين الرئاسات الثلاث، كل من موقعه، ودون الإخلال بدور كل منهم.
ويتوقعوا أن يستفيد عبد المهدي في مواجهة التحديات التي تنتظره من خبرةٍ سياسية طويلة، ومن علاقات حسنة تربطه بأغلب المكونات السياسية العراقية، ومن كونه رجل تسويات، لا رجل مواجهات؛ ما يضعه خارج الاستقطابات المحلية والإقليمية والدولية. وإضافة إلى تمتعه بعلاقات جيدة بأكثر القوى السياسية السُنية، تربط عبد المهدي علاقات تاريخية بالساسة الكرد؛ ما قد يسهم في تحسين العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان، التي شابها توتر واضح خلال حقبتَي المالكي والعبادي، لا تتحمل بغداد وحدها – بكل تأكيد – مسؤوليته، ولا سيما بعد أزمة الاستفتاء في استقلال كردستان، وما تلاه من تداعيات؛ مثل إعادة انتشار الجيش العراقي في كركوك والمناطق المتنازع عليها (أيلول/ سبتمبر – تشرين الأول/ أكتوبر 2017).
أمّا على المستوى الإقليمي، فيُعدّ عادل عبد المهدي شخصاً توافقياً، كما هو الشأن على المستوى الداخلي. وليس مصادفة أن يُطرح اسمه ثانيةً لرئاسة الوزراء؛ إذ سبق أن طُرح إبان أزمة 2010، بعد فوز القائمة العراقية بقيادة علاوي بالمرتبة الأولى، لكن المالكي تولى رئاسة الوزراء على الرغم من ذلك، بدفع من إيران التي ضغطت لإنشاء ائتلاف أوسع مكن هذا الأخير من تشكيل الحكومة. وفي سياق التنافسات والصراعات الإقليمية الحادة في المنطقة، لا يُعرَف أنّ طرفاً إقليمياً محدداً يعارضه؛ فهو غير محسوب على الخط الإيراني، وفي الوقت نفسه لا ينتهج سياسات معارضة للتوجهات الإيرانية. كما أنه مقبول أميركياً، وإن لم يكن مرشح الولايات المتحدة لمنصب رئيس الوزراء. وفضلاً عن ذلك، فإن لعبد المهدي صلات قوية بالمنظمات الدولية، أنشأها عندما تولى حقيبتَي المالية والنفط، وفي عام 2004 أدار ملف العراق في نادي باريس لإعادة جدولة ديونه؛ ما يعني أنه ربما يكون الخيار الأمثل لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة التي يُتوقع أن تشهد تصاعداً في الصراع الأميركي – الإيراني، خاصة في العراق.
فعادل عبدالمهدي يعد رجل دولة وقادر على رسم خطة لإنقاذ البلد، لديه خبره في إدارة الدولة كونه كان وزيراً للمالية ونائباً للرئيس ووزيراً للنفط وسليل عائلة لها خبرة في ادارة الدولة كون والده كان وزيراً للاتصالات ووزيراً للمعارف في زمن الملكية فهو قادر على التنسيق مع الكتل في اختيار الوزراء المهنيين الأكاديميين القادرين على النجاح”. فإذا سارت أمورة تشكيل الوزارة بالطريقة التي يتطلع إليها عادل عبدالمهدي، فإنه بما يمتلكه من تاريخ سياسي يسمح له بمد الجسور بين الطوائف والإثنيات وبين الأطراف المنتمية إلى أي من هذه التيارات، أي قد يساعد على عودة المواطنة والانتماء إلى الوطن قبل الانتماء إلى الحزب والطائفة والإثنية، وقد تسمح له خلفيته الأكاديمية وإقامته في بلد غني بحياته السياسية مثل فرنسا، بامتلاك رؤية عصرية لمفهوم الوطن والمواطنة وما تقتضيه هذه الرؤية من مقاربات عصرية وعلمية للمشكلات المطروحة أمامه. كالفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ومسألة المنظمات المسلحة غير الحكومية، والإصلاح الإداري، والخطط التي ستتبعها حكومته لتحسين الخدمات الأولية للشعب من توفير ماء صالح للشرب إلى كهرباء إلى تعليم قريب لما كان سائدا خلال السبعينيات من القرن الماضي إلى ضمان صحي وغير ذلك.
فعادل عبدالمهدي الآن أقوى شخصية سياسية في العراق لأن الجميع يحتاج إليه في إعادة ترتيب وضع العراق وإعادته إلى وضع «طبيعي» يمكن الحياة أن تدب فيه من جديد، أو في الأقل تؤجل حسم النزاعات المحلية والإقليمية والدولية إلى أجلٍ غير مسمى. ومن أجل ذلك سيحتاج عادل عبدالمهدي إلى مستشارين متمرسين في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية والثقافة والاقتصاد والمال والخدمات كي يتمكن من إحداث التغيير المطلوب. لكن أهم ما يجب أن يعرفه هو أن الشارع العراقي معه، كما كان مع حيدر العبادي عام 2015، وأن عليه ألا يقبل بأقل من حكومة فعالة تعيد الأمور إلى نصابها، وتوقف الفساد وتوفر الخدمات الأساسية والأمن والوظائف وتعيد للعراق استقراره. فعادل عبدالمهدي بمثابة الفرصة الأخيرة لعراق مزدهر.
ثالثُا- محمد علي الحكيم
يتمتع محمد علي الحكيم بمعرفة عميقة بالمشهد الحكومي في العالم العربي وبشبكة علاقات قوية فيها. وكان قد شغل سابقاً منصب الممثل الدائم وسفير العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف (2010-2013) ومدير المنظمات العربية والأوروبية والدولية وتخطيط السياسات في وزارة الخارجية العراقية في بغداد (2006-2010). كما كان وزيراً للاتصالات العراقية (2004-2005) وعضواً في اللجنة المصغرة للعلاقات الخارجية التابعة للمجلس النيابي العراقي (2005-2006) ومستشاراً اجتماعياً واقتصادياً أعلى لنائب الرئيس العراقي (2004-2010). بتاريخ 17 آذار/ مارس عام 2017م، اختار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش محمد علي الحكيم أميناً تنفيذياً للإسكوا ” لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا”، التي مقرها في ببروت، حيث يعد من أرفع الشخصيات الدبلوماسية الأممية العاملة في لبنان، ليصبح أول عراقي يتقلد هكذا منصب أممي رفيع وأول عربي بهذا المنصب الأممي. وخلال شغله لهذا المنصب حضر العراق في مشاريع الأسكوا ومن هذه المشاريع تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق أهداف الألفية، وتنمية القطاع الخاص والتعليم وحقوق المرأة وأيضًا تنمية المؤسسات الاجتماعية في العراق وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومكافحة الفساد الإداري والمالي.
هذه السيرة العملية المميزة والعلمية أيضًا فهو حائز على درجة الدكتوراه في إدارة الهندسة والاتصالات وشهادة ماجستير في تكنولوجيا المعلومات وبكالوريوس في التربية والإحصاء. مكنته باقتدار أن يشغل منصب وزير الخارجية العراقي في حكومة عادل عبدالمهدي. في 24 تشرين الأول/ اكتوبر من العام الماضي، أصبح محمد علي الحكيم وزير خارجية العراق، ومن يعرف هذا الوزير عن قرب، يشهد بأنه يتمتع بالحيوية والنشاط، والمهنية، وهذا ما انعكس على أداء وزارة الخارجية العراقية، حيث شهدت نشاطًا دبلوماسيًا ملحوظًا خلال لقاءاته مع وزراء خارجية الدول الأوروبية والإقليمية، ففي شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، التقى محمد على الحكيم مع وزير خارجية ألمانيا والدنمارك، ودعاهما إلى المشاركة في إعادة إعمار العراق، ولكن هذه الدعوة لم ترق إلى بعض الكتل والأحزاب والقوى السياسية العراقية، التي ترغب وتعمل بجد أن تلتهم دولة إقليمية واحدة مشاريع إعادة إعمار العراق، وهي الدولة التي كانت -ولا تزال- سبب في خراب العراق. كما محمد علي الحكيم في شهر كانون الثاني/ يناير الحالي وزيرا خارجية إيران وفرنسا، فضلًا عن لقاءاته مع السفراء المعتمدين لدى العراق ومنهم السفير التركي في بغداد.
أما عن الضجة الإعلامية التي أثيرت بحق محمد علي الحكيم حينما صرح عن إيمان العراق بحل القضية الفلسطينية من خلال إقامة دولتين، وشكلت جدلاً واسعاً بين الأوساط النيابية التي دعت إلى مساءلة وإقالة الوزير. طبعًا هذه الضجة الإعلامية . ما بين عام 2012 و2019، مسافة زمنية قصيرة، ولا تكاد المواقف السياسية تنسى بسرعة “الصوت” !! فعندما كان أحد المعارضين اليوم رئيسًا لوزراء العراق، عقدت في عهده القمة العربية ببغداد في عام 2012م، ومن ضمن ما جاء في البيان الختامي الذي سمي “إعلان بغداد”، الآتي:” أكدت قمة بغداد ضرورة التوصل إلى حل عادل للصراع العربي الإسرائيلي على أساس الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية”، وفي حينها لم يعترض العراق على هذه الفقرة!، فما صرح به وزير خارجية العراق محمد علي الحكيم ينسجم تمامًا مع ما التزم به العراق في قمة بغداد، فالشرعية الدولية هي القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بأجهزتها المختلفة كمجلس الأمن والجمعية العامة، اما المبادرة العربية التي اطلقها الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد الشعودي -في حينها- في قمة بيروت عام 2002، وكلا الشرعية الدولية والمبادرة العربية دعتا إلى حل الدولتين وعودة إسرائيل إلى حدود ما قبل الرابع من حزيران عام 1967م، وهذا ما وافق عليه العراق، سواء في قمة بيروت عام 2002م، وقمة بغداد في عام 2012م. إذن فما هي القيمة الأخلاقية والسياسية من هذه الضجة؟ لا قيمة لها، لأن منبعها حسابات سياسية نفعية وليست منطلقة من مبادىء سياسية أو أخلاقية، وجميع القوى السياسية في العراق تدرك ذلك تمامًا. وأضف إلى ذلك ربما نسوا أو تناسوا تلك الاوساط النيابية بأن محمد علي الحكيم وزير خارجية العراق وليس وزير خارجية دولة إقليمية بعينها أو ناطقًا رسميًا باسمها، كي يصرح بما ينسجم مع مصلحة تلك الدولة. تلك الاوساط النيابية تنظر الى منصب وزير الخارجية من زاوية الغنائم والامتيازات على النقيض تمامًا لرؤية محمد علي الحكيم له، فالمنصب الوزاري أمانة وطنية ومسؤولية سياسية يجب أن تؤدى على الوجه الأكمل بما يحقق مصلحة العراق ورفعته، ويمهد للعراق أن يعود ليمارس دوره الدبلوماسي النشط في بيئته العربية والإقليمية والدولية.
رابعًا- مصطفى الكاظمي
في 7 حزيران/يونيو عام 2016م، أصبح مصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي بدلًا من زهير الغرباوي. لقد راهن رئيس الوزراء العراي السابق حيدر العبادي على كفاءة مصطفى الكاظمي، وعلى مقدرته بإدارة جهاز المخابرات، وإحداث تغييرات جوهرية في مفاصله، فنجح العبادي في رهانه، وكذلك عادل عبدالمهدي رئيس الوزراء الحالي، وها هو الكاظمي يقود اليوم جهاز المخابرات الوطني في أخطر مرحلة من مراحل العراق الأمنية، والسياسية، والاقتصادية المتردية.. ولم يكتف بقيادة دفة المركب، وهو يمخر عباب البحر، مواجهاً الريح الشديدة التي تضرب بأشرعته من كل إتجاه.. إنما راح يبدع، ويحقق ما لم يتحقق من قبل.
ولعل الأهم في ذلك انه لم يمض مستسلماً على نفس السكة التي مضى عليها قبله في الموقع، لقد أراد الكاظمي لهذا الجهاز أن يكون جهازاً وطنياً فاعلاً، يحترمه المواطن العراقي، ولا يخافه، يفخر به ولا يهرب منه، يدعمه، ويؤيده، ويسنده دون ان يخجل من مساندته، ينخرط في صفوفه، دون أن يشعر بأية ميزة تفضيلية، أو استثنائية اجتماعية على حساب المواطن الآخر.. يكافح الفساد، ولا يسقط في بئره الحرام.. يفدي حياته، ويضحي من أجل الوطن، وهو راض عن هذه التضحية، وعن هذا الفداء .
وكان لجهاز المخابرات الوطني العراقي برئاسة مصطفى الكاظمي دور عظيم في اجتثاث تنظيم داعش الإرهابي في العراق، فقد استطاع الجهاز إحباط العمليات الإرهابية واعتقال بعض وتعقب العناصر الإرهابية التابعة له. وخاصة العناصر التي تأتي في أعلى هيكلية التنظيم. فبمعلومات النوعية له وبتنفيذ من التحالف الدولي فقد استطاع هذا التعاون المشترك عبر ضربة جوية للتحالف الدولي في منطقة الهجين شرقي سوريا يوم 20 يناير/كانون الثاني الماضي من قتل نائب البغدادي، (أبو عبد الرحمن التميمي العتيبي الجزراوي)، وقتل المدعو أبو صالح حيفا (إياد العبيدي) نائب البغدادي، بعد أبو علي الأنباري، ومن ثم قتل أبو يحيى العراقي (إياد الجميلي) نائب البغدادي، بعد أبو صالح حيفا». و إلقاء القبض على أبو زيد العراقي (إسماعيل علوان العيثاوي) رئيس اللجنة المفوضة في تنظيم داعش.
فجهاز المخابرات برئاسة مصطفى الكاظمي أصبح على درجة عالية من احتراف العمل الاستخباري وتطبيق مبادئه في احباط العمليات الإرهابية وتعقب الإرهابيين ومن هذه المبادئ: المعرفة على قدر الحاجة، والسرية، والولاء والإخلاص والطاعة، والانضباط والتقيد بالأوامر، الدهاء والحيل والخديعة وحسن التصرف والتمويه، والخبرة والمهارة، والشجاعة.
فالشخصية الوطنية المحبة للعراق عندما تتقلد منصب أمني رفيع كرئيس لجهاز المخابرات، فعلمه وثقافته ووطنيته حتمًا ستنعكس على ذلك الجهاز، وهذا ما أحدثه مصطفى الكاظمي لجهاز المخابرات العراقي فقد وقف جهاز المخابرات الوطني العراقي في معركة العراق المصيرية ضد الإرهاب وفي مواجهة كافة التحديات والأخطار التي حدقت بتجربته الديمقراطية الجديدة، وقدم كوكبة من أبنائه شهداء في معركة الشرف، وما زال مستمراً في نضاله وقيامه بمسؤولياته دفاعاً عن كيان الدولة العراقية وحماية العراقيين بكافة أطيافهم وتنوعاتهم. فالنجاح الذي حققه جهاز المخابرات الوطني العراقية على مستوى محاربة تنظيم داعش برئاسة مصطفى الكاظمي، اكسبه احترام جميع الدول العربية والإقليمية والدولية، فالعراق في محاربة هذا التنظيم الإرهابي إنما يحارب بالنيابة عن الجماعة الدولية بأسرها.
فالغاية التي أراد مصطفى الكاظمي أن ينجزها في موقعه كرئيس لجهاز المخابرات الوطني العراقي، أن يؤكد انتماء هذا الجهاز الصادق لوحدة العراق ولكافة العراقيين ويعزز ثقة المواطنين به ويؤسس لعلاقة التعاون والتآزر بين الجهاز والمواطنين. ويوازن بين الحفاظ على سيادة القانون والاحتكام اليه والحفاظ على الامن والاستقرار العراق، ويلتزم الجهاز التزاما تاما بنص وروح القوانين النافذة، وبمارس صلاحياته ضمن الأطر التشريعية والقانونية، وفي ذلك ضمانه اكيدة لالتزام المخابرات كجهاز امني بحقوق الانسان ودعم مسيرة التحديث والتنمية والديمقراطية.
مما تتقدم، نخلص إلى أن العراق بأمس الحاجة إلى مسؤولين سياسيون وأمنيون جل طموحهم الوصول بالعراق إلى مصاف الدول المتقدمة ديمقراطيا والمزدهرة اقتصاديًا والمستقرة أمنيًا والنشيطة دبلوماسيًا، فمع برهم صالح وعادل عبدالمهدي ومحمد علي الحكيم ومصطفى الكاظمي، يمكن للعراق أن يصل إلى تلك الغاية المنشودة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية