تمرير “مقترح قانون إنهاء الإتفاقية الأمنية”…. العواقب وخيمة على العراق

تمرير “مقترح قانون إنهاء الإتفاقية الأمنية”…. العواقب وخيمة على العراق

تحاول إيران  استغلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى قاعدة عين الأسد العسكرية بغرب العراق في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لفتح جبهة جديدة في صراع النفوذ الذي تخوضه ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية، مدارها هذه المرّة قانوني تشريعي، وأداتها مجلس النواب العراقي.وتشجّع طهران حلفاءها السياسيين الذين يشكّلون كتلة وازنة في المجلس على سنّ قانون يلزم حكومة بغداد بإنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.

 ولتحقيق هذا المبتغى، ففي 19 الشهر الحالي، أرسل النائب صباح الساعدي رسالة إلى رئيس مجلس النواب العراقي تضمنت “مقترح قانون انهاء الاتفاقية الأمنية” مستندًا بذلك المقترح إلى البند الثاني من المادة “60” من الدستور العراقي، والمادة “120” من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي، وقد شملت هذه الرسالة تواقيع عدد من أعضاء مجلس النواب العراقي، وفي طي هذا التقرير، يرفق مركز الروابط الكتاب المرسل إلى رئيس مجلس النواب،كما يرفض تواقيع أعضاء المجلس النواب على النحو الآتي:

مع “مقترح القانون” هذا، يمكن قراءة المشهد النيابي العراقيعلى النحو الآتي: كتلة الإصلاح تتنافس مع كتلة البناء داخل مجلس النواب العراقي، في مسألة أيهما أكثر ولاء للنفوذ الإيراني بالعراق، وفي هذا السياق توقع زعيم حركة “عصائب أهل الحق” العراقية قيس الخزعلي أن يجري في مجلس النواب العراقي الشهر المقبل التصويت بشأن مطالبة واشنطن بسحب قواتها من البلاد، مرجحا إمكانية طرد هذه القوات بالقوة.وأشار الخزعلي الذي تعد حركته بين أهم عناصر “الحشد الشعبي” العراقي، في حديث لوكالة “أسوشيتد برس” ، إلى أنه لم تعد هناك أرضية لبقاء آلاف العسكريين الأمريكيين في العراق بعد دحر تنظيم “داعش”، مشددا على أن تلك القوات قد تطرد بالقوة إذا لم تستجب لإرادة الشعب العراقي. وأوضح الخزعلي، في مقابلة أجرتها الوكالة معه في أحد مكاتب حركته ببغداد، وهو يقع على ضفة دجلة مقابل مقر السفارة الأمريكية: “إذا كلن أهم هدف لتواجدهم هنا هو مواجهة الخطر العسكري الذي يشكله “داعش”، فإن هذا الخطر قد زال. وفي هذه الحالة، ما هي الأرضية لبقاء هذه القوات الآن؟”ورجح الخزعلي إمكانية بقاء عدد صغير من المستشارين والمدربين العسكريين في البلاد لتنفيذ مهام لوجيستية، لكن يجب أن يحدد عددهم وأماكن انتشارهم من قبل لجنة مشتركة خاصة بالموضوع، مضيفا أن أي تواجد يخرج عن هذا النطاق سيعتبر انتهاكا للسيادة من قبل البرلمان والشعب والفصائل السياسية بما في ذلك “عصائب أهل الحق”، وتابع: “لن نسمح بذلك”.وأعرب الخزعلي عن قناعته بأن مجلس النواب سيصوت لصالح مطالبة واشنطن بسحب قواتها من البلاد، قائلا: “أعتقد أن أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب يرفضون مبدئيا التواجد العسكري الأمريكي.. إذا أرادت الولايات المتحدة فرض تواجدها بالقوة مع تجاهل دستور البلاد وقرارات البرلمان، فإن بإمكان العراق التعامل معها بالمثل من خلال طردها بالقوة.. لكن المرحلة الأولى ستكون سياسية”.

أما سُنة العراق فليس بالامر الجديد أن وضعهم نيابي متواضع جدا، فربما نصفهم سوف يصوت لصالح مقترح “القانون”. أما كورد العراق فهم ضد إخراج القوات الأمريكية منه، لأنهم يعتبرون وجود تلك القوات على الأراضي العراقية بشكل العام وأراضي إقليم كردستان بشكل خاص بمثابة ضمانة لأمن العراق، وبذلك سوف يصوتون ضد ذلك المقترح، الأمر الذي يجعلهم تحت الضغط السياسي والأمني الإيراني. لكن في المقابل إيران بعد خروج الولايات المتحدة الامريكية من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية عليها، أصبحت بحاجة ماسة لتعزيز التعاون الاقتصادي مع حكومة إقليم كردستان العراق.
على الرغم من عدم تأييد الولايات المتحدة الامريكية الاستفتاء الكردي في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، إلا أن ذلك لا يعكر صفو العلاقات بين الحليفين، فالكورد ليس بوسعم الاستغناء عن الحليف الأمريكي، لأن ذلك من شأنه يعرض إقليم كردستان إلى خطر وجودي، فواشنطن وقفت إلى جانبهم بقوة في دحر تنظيم داعش الإرهابي، كما أنها ستقف إلى جانبهم أيضَا في حال تعرض الإقليم لأي خطر محدق من أي تنظيم إرهابي آخر.
ولكي لا تقف العلاقات الأمريكية الكردية عند معضلة الاستفتاء، لأن الحليف الكردي مهم جدا في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولتطليف الأجواء بين الحليفين، وتعزيز العلاقات بينهما، قام عدد من المسؤولين الأمريكيين في زيارة أربيل وفي مقدمتهم مايك بومبيو وزير الخارجية الذي التقى مع مسعود بارزاني ونيجرفان بارزاني ومسرور بارزاني. وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، مفادها أن طهران مستاءة جدا من معسكر “حرير” الأمريكي الموجود في إقليم كردستان العراق، حيث تبرز أهمية هذا المعسكر للجانب الأمريكي والمخاوف الإيرانية منه، أن فيه قوات خاصة وطائرات حربية ومطار، وهو يعد أقرب معسكر أمريكي غربي محاذي للحدود الإيرانية. لذا فإن هذا المعسكر على هذا النحو يقلق طهران كثيرًا.
من المرجح في شباط /فبراير القادم أن يُصوت مجلس النواب العرافي على مقترح “القانون”، ولهذا التصويت إحتمالين: أولهما، أن يصوت مجلس النواب عليه بصيغة”قرار”، وبهذة الحالة فإنه من المحتمل أن لا ينفذ رئيس الوزراء القرار، لأنه صدر على هئية توصية. أما إذا صدر المقترح على صيغة “قانون” فإنه من الصعوبة بمكان أن يصادق رئيس الجمهورية عليه، وبذلك يقع تحت الضغط الأمريكي والإيراني على حد سواء. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق لماذا لا يرغب رئيس الجمهورية المصادقة على القانون ولا يرغب رئيس الوزراء تنفيذه، هل هي رغبة عبثية غير مدروسة؟! كلا على الإطلاق، وإنما صادرة عن رؤية عميقة لعواقب تمرير القانون، كيف ذلك؟
لا أحد يستطيع أن ينكر العامل الامريكي العسكري والاستخباراتي وسلاح الجو الأامريكي في دحر تنظيم داعش في العراق، ومن ينكرها يجافي الحقيقة. فخروج الولايات المتحدة الأامريكية من العراق ربما يعمل على تنشيط عودة التنظيم الإرهابي داعش ليعبث باستقرار العراق، أو ربما يظهر تنظيم إرهابي آخر لا يقل بشاعة عنه.
اقتصاديّا،قد يتعرض الاقتصاد العراقي للانهيار، بمجرد عدم حماية البنك الفدرالي الأمريكي أموال العراق المتحصلة من بيع النفط العراقي، فواشنطن أيضًا هي من تحمي العراق من دائنيه باعتباره حليفًا لها، إما إذا تغير هذا الوضع فمن المؤكد ترفه يدها عنه. فالعراق بدون أن يخسر الولايات المتحدة الأمريكية تعاني ميزانيته من عجز مالي يتراوح ما بين 19-23 مليار دولار وفق التسعيرة النفطية الحالية والتي تتراوح ما بين 59 إلى 60 دولار أمريكي. وسياسيّا قد يخسر العراق الكثير لأنه من المعروف أن واشنطن هي من ترعى هذا النظام على المستوى العربي والإقليمي والدولي. فتمرير مقترح “القانون” له انعكاسات سلبية خطيرة على النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في العراق، ومن لا يستشعر ذلك ربما يعيش في حالة غيبوبة عن الواقع العراقي.

خلاصة القول، ليس من مصلحة العراق الدولة والمجتمع أن تمرر “مقترح القانون” سواء بصيغة قرار أو قانون، فالعراقي يعاني من أزمات سياسية وأمنية وعسكرية وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية المستشرية في كل مفاصل الدولة العراقية من حيث الفساد الغداري والمالي والمحسوبية والرشوة هذا ما ورثه الحكومة الحالية عن الحكومات السابقة، أضف إلى ذلك هناك حراك شعبي في جنوبي العراق، يمكن أن يتمدد إلى سائر العراق إذا استمرت تلك الأزمات وفي مقدمتها الاقتصادية، ومن ثم تخشى أن ينفجر المجتمع العراقي، وبذلك من الصعوبة بمكان السيطرة علية، فالاقتصاد العراق لا قدرة له على تحمل أي ازمة اقتصادية أكثر من ثلاثة أشهر. أما بالنسبة لإيران التي تطمح بإخراج القوات الأمريكية من العراق، فبنظرة واقعية ليس من مصلحة إيران بعد ما عليها  عقوبات اقتصادية صارمة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، أن يكون في وضع اقتصادي هزيل، لأن العراق كان دائمًا هو مخرج إيران من كل أزماته الاقتصادية لاسيما في مرحلة ما بعد عام 2003م.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية