تطرح التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران مع ضعف الموقف الأوروبي من الاتفاق النووي وتعويض إيران عن خسائرها الاقتصادية، اعتماد إيران على علاقتها بروسيا والصين كقوى متحدية بعض السياسات الأميركية. لكن بالنظر إلى العلاقات (الروسية – الإيرانية) من جهة والعلاقات (الصينية – الأميركية) المتوترة من جهة أخرى يثبت خطأ الرهان الإيراني.
من جهة العلاقات مع روسيا، تعطي إيران أهمية متزايدة لعلاقاتها معها، فهي دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، كما أنها إحدى دول مجموعة (P5 + 1)، التي عقدت خطة العمل المشتركة مع إيران عام 2015، ومن ثم يشكّل الفيتو الروسي أهم معوقات اتخاذ أي قرار ضد إيران داخل مجلس الأمن، كما أنهما معاً شكلا ثنائياً لمنع سقوط نظام بشار الأسد بسوريا، ففي حين دعّمته إيران بالقوات البرية تدخلت روسيا جوياً، لتمكين النظام من استعادة بعض الأراضي.
لكن أخيراً اتسعت مساحة الاختلاف بين الطرفين على النحو الذي جعل الوجود الإيراني عبئا على التحرك الروسي داخل سوريا، وهو ما يرجّح احتمالات حدوث توافق (روسي – إسرائيلي – أميركي) في القمة الأمنية المنتظر عقدها بالقدس هذا الشهر.
روسيا تستهدف تعزيز وجودها في المنطقة، والاحتفاظ بقواعد بحرية داخل سوريا، لذا فالالتزام الروسي تجاه التحالف مع إيران لن يمتد على طول الخط، فقد سبق أن التزمت روسيا بعقوبات الأمم المتحدة المفروضة على إيران، وقامت بإلغاء عقد بيع نظام الدفاع الجوي المتقدم (إس 300) بعد القرار 1929، الذي يحظر تصدير الأسلحة إلى إيران، على الرغم من أن القرار لم يحظر على وجه التحديد بيع (إس 300).
روسيا بين الحليف الإيراني والقمة الأمنية المقبلة بالقدس
وأخيراً كان هجوم الجيش السوري على إدلب بدعم من روسيا، إذ شاركت فيه الوحدات العسكرية الموالية لروسيا من دون مشاركة الجماعات المسلحة الموالية لإيران، مما أوحى بالخلاف بين روسيا وإيران داخل سوريا، على خلفية ضرورة تخفيض النفوذ الإيراني بها، لا سيما مع تغلغل الجماعات الموالية لإيران داخل الأجهزة العسكرية والأمنية السورية. لذا فأي مبادرة تستهدف إصلاح تلك الأنظمة ستتطلب اقتلاع تلك الجماعات، وهو ما تضع إيران عقبات للحيلولة من دون حدوثه.
أمَّا بالنسبة إلى الصين، فهي الأخرى عضو دائم في مجلس الأمن، وأحد أطراف مجموعة (P5 + 1)، كما أنها من أكبر مستوردي النفط الإيراني، وكثيراً ما ورّدت إلى إيران الأسلحة التقليدية، بما فيها الزوارق السريعة والصواريخ.
ربما يأتي الرهان الإيراني اعتماداً على التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً في ظل رفض الصين العقوبات الأميركية الأحادية، التي تفرض على الدول الأخرى. واعتماد إيران على أهميتها بالنسبة إلى المشروعات الصينية المرتبطة بإعادة إحياء طريق الحرير.
ويؤكد التصوّر الإيراني تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن “الصين الشريك التجاري الأول لإيران، وستستمر العلاقات التجارية معها”. لكن نظراً إلى العقوبات الأميركية على إيران تفقد طهران القدرة الشرائية، وكونها سوق تستوعب استثمارات أجنبية بما فيها الصينية. بالتالي فالتعاون الاقتصادي والاستثمار بها أصبح محفوفاً بالمخاطر في ظل الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. وبالتالي لن تخسر الصين مصالحها الاقتصادية، حينما يتصل الأمر بالعلاقة مع الولايات المتحدة، التي ما زالت القوة الاقتصادية الكبرى والشريك التجاري للصين، في حين لا تشكّل تجارة إيران مع الصين أكثر من 1%.
وعلى الرغم من تصريحات الصين حول تزايد التوتر في الشرق الوسط، وأن إرسال قوات أميركية إضافية إلى الخليج يفتح باباً للشر، فإن هناك تصريحات متضاربة، فإحدى الشركات الصينية امتثلت إلى العقوبات الأميركية، ولم تشترِ النفط الإيراني، ومع ذلك فإن استمرار الصين في شراء النفط الإيراني سيجعلها تساوم إيران للشراء بأسعار منخفضة.
وفي حال رغبت الصين في تهدئة خلافاتها التجارية مع الولايات المتحدة ربما يضغط الجانب الأميركي من أجل وقف التعاون بين الصين وإيران.
مما سبق وعلى الرغم من أن كلاً من إيران والصين وروسيا تشكل تحالفاً مناوئاً للسياسة الأميركية، فإن المصالح تفرض عدم قيام روسيا والصين بمضاعفة أسباب خلافاتهما مع الولايات المتحدة. ومع ذلك ربما يستمر حرص كل من روسيا والصين على أن يكونا ضمن حلول تخفيف الضغط الأميركي عن إيران، لكن ليس بالضرورة دعمها في مقابل استمرار التصعيد أمام الولايات المتحدة. فالصين لا تريد توترات بالشرق الأوسط تؤثر في تدفقات النفط وأسعاره، لا سيما مع التوترات في كل من ليبيا وفنزويلا، وتأثر مشروع مبادرة الحزام والطريق سلباً جراء عدم استقرار الشرق الأوسط.
اندبندت