هل تؤدي الوساطة القطرية إلى إبرام صفقة جديدة بين البيت الأبيض وطهران؟ إيران واللعب على الحبلين تأرجحت عناوين الصحافة العالمية خلال الأسابيع الأخيرة بين تنبؤات باندلاع حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران وتكهّنات باحتمال التوصل إلى صفقة جديدة.
وفيما ترسل إيران إشارات متناقضة في هذا الإطار، ظلّت الولايات المتحدة ثابتة على موقفها على الرغم من إبدائها بعض التخوف على المستوى التكتيكي.
ويتأكد هذا الموقف من خلال رفض وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عرض طهران – ونقلت “الشرق الأوسط الخبر في يوليو 15 2019 – التفاوض مقابل رفع الولايات المتحدة العقوبات عن إيران والعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، الاتفاق النووي. وأعلن بومبيو أن هذا العرض لا يختلف عما عرضته إيران على جون كيري وباراك أوباما وأفضى إلى المآل الكارثي الحالي.
وفي الوقت ذاته، رفضت طهران في بداية يونيو (حزيران) عرض الوزير بومبيو للدخول بمحادثات “من دون شروط مسبقة” معتبرةّ أنّ العرض فيه “لعب على الكلمات” وأنّ البيت الأبيض يحاول خداع إيران كي تتنازل. رفضت إيران إذاً طرح موضوع المفاوضات فيما استمرت الولايات المتحدة بتصعيد عقوباتها تماشياً مع سياسة “الضغط الأقصى” التي تتّبعها، على ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال في الثالث من يونيو (حزيران) المنصرم.
لم تحيد إيران عن سياستها في أحدث محاولة للتواصل بل كانت طهران تختبر استعداد الولايات المتحدة لتقديم بعض التنازلات حتى لو لم ترغب في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. وكان الهدف من الخطوة في الآن ذاته إثارة قلق الأطراف التي تعتقد بأن الحرب وشيكة بين البلدين والضغط على الإدارة الأميركية كي تعود إلى طاولة الحوار، في وقت أعربت كل من فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا بدورها عن مخاوف مماثلة.
وتتسارع كل هذه الأحداث على خلفية تصاعد التوتر في الخليج وأماكن أخرى من المنطقة بسبب موقف إيران العدائي.
وقع بين إيران والمملكة المتحدة مؤخراً موقف متوتر حين حاولت إيران احتجاز ناقلة نفط بريطانية، لكن الناقلة كانت مسلّحة واستطاعت بالتالي إبعاد القوارب الإيرانية عنها، كما جاء في “وول ستريت جورنل” في 11 يوليو الجاري. ربما جاء هذا الهجوم السافر رداً على توقيف المملكة المتحدة سفينة إيرانية محملة بالنفط تتجه إلى سوريا في محاولة للالتفاف على العقوبات الدولية. وعرض البريطانيون في النهاية أن يطلقوا سراح السفينة (بعد اعتقالهم قبطانها) شرط ألّا تبحر نحو سوريا مجدداً، كما ورد في “واشنطن بوست” في 14 يوليو الجاري. وكان وقع هاتين الخطوتين، أي إرسال سفينة إلى سوريا والهجوم على سفينة بريطانية، استفزازياً، وفاقم التصعيد.
أرسل البريطانيون المزيد من سفن أسطولهم البحري إلى الخليج (“نيو ويست هيرالد”، 14/7/2019)، كما انضموا إلى فرنسا في الموافقة على زيادة عديد قواتهم في سوريا (“ذي نايشنل” 9/7/2019)، نزولاً على طلب البيت الأبيض. لكن الولايات المتحدة اغتنمت هذه الفرصة كي توضح أكثر حدود دورها في إطار هذه التوترات. فعبّرت مثلاً عن استعدادها لتشارك المعلومات الاستخباراتية مع أي طرف من قوى التحالف يأخذ على عاتقه مهمة حماية المنطقة ولكنها أشارت إلى أنها لن ترافق ناقلات النفط المستهدفة، على نحو ما كتب موقع “ديفنس وان” في 19 يوليو الجاري. وقيل إن كلفة حماية مضيق هرمز هي السبب الرئيس وراء انتهاج هذه السياسة. ترسل الولايات المتحدة بهذه الطريقة إذاً رسالة واضحة إلى إيران والحلفاء مفادها أنه على الرغم من استعدادها لتصعيد بعض العقوبات (وليس كلّها) واعتبارها أنّ إيران خطر إقليمي حقيقي، فهي ترغب في أن يتصدى “تحالف من المتأهبين” لإيران فيما يقتصر دورها على الردع الدفاعي، على ما أشار إدوارد هانت في “فورين بوليسي” في خانة “فوكس” في 15 يوليو.
ويعتقد منتقدو الرئيس ترمب أنه مستعد للتضحية بحلفائه مثل الأكراد في سوريا والقوات المدعومة من الإمارات والسعودية في ليبيا مقابل حفاظه على الوعد الذي قطعه لمناصري نهج الانعزالية في قاعدته الشعبية.
لم تتغير هذه السياسة في اليمن أيضاً حيث تُبقي الإدارة الأميركية على بعض الوجود لها من أجل التصدي لتهديد داعش و”القاعدة” وفقاً لقانون يتيح لها استخدام القوة العسكرية ضد الأطراف التي وقفت وراء أحداث 11 سبتمبر (أيلول) وحلفائها ولكنها في الوقت نفسه لم تشتبك مع الحوثيين ولا مع “حزب الله”، وقدّمت لقوات التحالف العربي الدعم الاستخباراتي واللوجستي من دون الانخراط في القتال الحيّ. وفيما اشتبكت القوات الأميركية كذلك مع داعش في العراق، امتنعت من جهة أخرى عن الاشتباك مع الميليشيات الشيعية الإيرانية الولاء حتى بعد تكرار هجماتها على الأهداف الأميركية. إضافة إلى ذلك، على الرغم من رفع الحملة لواء “الضغط الأقصى” أُعدت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في الحقيقة على نحو يوفّر لإيران كل الفرص الممكنة كي تعود إلى طاولة المفاوضات.
البرهان على احتمال سعي الولايات المتحدة فعلياً إلى إبرام اتفاق جديد
لم تلغِ الولايات المتحدة مثلاً بعد التنازلات النووية التي سمحت لإيران بتشغيل منشأتها النووية سراً في “فورتو”. فالمعركة دائرة بين صقور إيران، الرافضين لأي اتفاق معها، داخل الكونغرس ووزارة الخارجية ومسؤولي الخزينة على هذه التنازلات التي يعتبرها العديد داخل الإدارة وسيلة لإعادة إيران والولايات المتحدة إلى إطار الاتفاق النووي، على ما كتب آدم كريدو في موقع “واشنطن فري بيكون” في 15/7/2019. لكن يبدو أنّ الإدارة أشارت إلى أن ورقة التنازلات أثبتت عدم فعاليتها ولذلك من المرجح أن تلغى قريباً. كما أنّ الولايات المتحدة لم تفرض العقوبات على وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، وسمحت له بالسفر إلى نيويورك لحضور مؤتمر الأمم المتحدة على الرغم من أنها قيّدت حركته (“واشنطن بوست”، 14/7/2019). وإن أضفنا إلى كل ما سبق أنّ الولايات المتحدة لم تتخذ أية خطوة مباشرة لمطاردة قاسم سليماني واعتقاله، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، أو لتصفيته، يظهر بالتالي أنّها لا ترغب في الإقدام على أي عمل يمكن أن تفسره طهران على أنه مستفزّ أو عدائي.
واظب الرئيس ترمب على الإعراب عن اهتمامه بإبرام صفقة جديدة “إذا بدأت إيران بالتصرف كبلد طبيعي”. ورفض مؤخراً إرسال قوات أميركية إلى إيران (فتحاشى بذلك التكهنات باحتمال وقوع اجتياح أميركي- من دون أن يعني ذلك بالضرورة نفي احتمال الضربات العسكرية المحدودة)، وقال الرئيس الأميركي إن لديه “كل الوقت” لإبرام صفقة جديدة مشيراً إلى أن غاية الولايات المتحدة هي إبرام اتفاق، في المقام الأول، وليس تغيير النظام، وأنه على خلاف سلفه ليس في عجلة من أجل إبرام اتفاق غير مرضٍ مهما كلّف الأمر (رويترز في 26 يونيو 2019). ودرج ترمب على انتقاد خطة العمل الشاملة المشتركة، الاتفاق النووي، منذ كان مرشحاً لمنصب الرئاسة، ولطالما دعا إلى إلغاء الاتفاق زاعماً أنه يستطيع التفاوض على اتفاق أفضل منه، على نحو ما كتب مايكل سينغ في فورين بوليسي في 10 أكتوبر 2018.
كما أنّ العديد من مناصريه يدعمون تقليص التدخل الأميركي في الشرق الأوسط ويفضلون التوصل إلى صفقة جديدة على شنّ حرب شاملة. ويفترض أن تضمن الصفقة الجديدة تفتيش المنشآت النووية الإيرانية وأن تتطرق إلى إنتاج الصواريخ الباليستية وتحدّ من التجاوزات الإيرانية في المنطقة. وسيرقى الاتفاق إلى مستوى المعاهدة ويخضع بالتالي إلى شرط مصادقة الكونغرس عليه، كما يتطلب من الطرفين التوقيع عليه واحترامهما لشروطه وليس أقل من ذلك. وسيكون الكفّ عن تخصيب اليورانيوم أحد أجزاء الشروط الاثنتي عشرة التي تطلبها الإدارة (“وول ستريت جورنل”، 21/5/2018).
ولم يتضح بعد استعداد الإدارة للتوصل إلى تسوية حول هذه الشروط ولا حجم تلك التسوية إن حصلت. وتشير تخمينات (نفتها إيران) إلى أن طهران تخوض بالفعل مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة، مما يمكن أن يفسر تردّد ترمب في ضرب الأهداف الإيرانية بعد إسقاط إيران المتعمّد لطائرة أميركية من دون طيار مؤخراً. بل إنّ البيت الأبيض حاول التقليل من أهمية العمل فعزاه إلى خطأ ارتكبته بعض العناصر المتفلّتة، على الرغم من تقليد أعضاء الحرس الثوري الذين شنّوا الهجوم جوائز من الدولة (“نيويورك تايمز” في 22 يونيو 2019). ولفتت إيران إلى إقدام الولايات المتحدة على 11 محاولة للتفاوض خلال العامين المنصرمين، (وكالة رويترز في 22/6/2019). وكان كثير من عروض التفاوض علنياً. في المقابل، تقدّم إيران عروضاً متباينة مشروطة برفع العقوبات تتزامن مع إقدامها على أعمال عدائية ومستفزة فتبدو مزاجية في طروحاتها. لكن إيران تكرّر في الحقيقة نمطاً مألوفاً من الهجمات الخارجية المحدودة، فتختبر الحدود المتاحة أمامها للتصرف ومدى التزام الحلفاء التزامن مع ضغطها الدبلوماسي الثابت، وهو هجوم نفسيّ يهدف إلى دفع خصومها إلى التراجع واتخاذ الخطوة الأولى.
دور قطر المدافع عن إيران
لم تولد أيّ من هذه التطورات من فراغ. فقطر التي قاطعتها دول عربية عدة خلال العامين الماضيين لأنها لم تقطع علاقتها مع إيران، ولم تغلق قناة “الجزيرة”، ولم توقف دعمها “الإخوان المسلمين” ولا تمويلها مختلف المجموعات الإرهابية في المنطقة، لعبت دوراً محورياً في تسهيل إستراتيجية إيران السياسية، فيما صوّرت نفسها بدور “المخلّص” من الكوارث. وتقمّصت قطر بالتالي دوراً كان يعود في السابق إلى المجلس الوطني الإيراني – الأميركي، وهو مجموعة لوبي “إصلاحية” مقرّها في الولايات المتحدة كان يديرها ناشط سويدي – إيراني اسمه الدكتور تريتا بارسي.
لا تأخذ الإدارة الأميركية اليوم برأي المجلس الوطني الإيراني- الأميركي كما كانت تفعل في عهد الرئيس أوباما، ولكنها تصغي للأمير القطري، تميم بن حمد آل ثاني. فقد ازدهرت العلاقات بين قطر والبيت الأبيض بشكل ملموس خلال العامين المنصرمين، فتأسس حوار الدوحة – واشنطن السنوي، واتّسع التعاون التجاري وزاد نجاح مجموعات الضغط القطرية في الولايات المتحدة كما ظهر اتجاه مناصرٌ لقطر في المنشورات كافة سواء كانت تميل إلى اليسار أو اليمين ومنها مثلاً الدعايات المدفوعة دعماً لقطر التي ظهرت في موقع بوليتيكو احتفاءً بزيارة الأمير الثانية إلى البيت الأبيض.
ويقال إن الأمير تميم عرض خلال الزيارة أن يكون وسيطاً بين إيران والولايات المتحدة فيما التزم الرئيس ترمب الصمت حيال تحقيق وزارة العدل في الهبات القطرية للجامعات الأميركية (“واشنطن بوست” 10/7/2019). والملفت أن التغطية الأولى لهذه المسألة على موقع “سترايبس.كوم”، التي كانت وراء تغطية وسائل الاعلام العربية، سُحبت من التداول من غير جلبة. وكان الخبر نشرته وكالة “أسوشيتد بريس” في 10 يوليو الجاري بعنوان “في وقت يشيد ترمب بقطر، مسؤولو وزارة التربية يحققون في هبات” بقلم كولين بينكلي. ولكن هل اختفاء أثر المقال في المصادر الأخرى هو وليد ضغوط لطمسه؟ وإلى موقع “سترايبس”، كانت “واشنطن بوست” الوسيلة الإعلامية الكبرى الوحيدة التي تابعت المسألة. ونُشر الخبر كذلك في عدد من الصحف المحلية المغمورة. والغريب أن موقع “سترايبس” نشر مقالات أخرى لم تُسحب عن زيارته الثانية الى البيت الأبيض. ولكن إحدى هذه المقالات الصادرة في 9 يوليو، تُقدم صورة إيجابية إلى حد ما عن قطر، ولا تُوجه إليها أي انتقادات ولا تُسلط الضوء، على سبيل المثل، على تحقيقات، وتشير إلى دعم الرئيس ترمب “ممالك الخليج” وصفقات قطر مع عدد من الشركات الأميركية.
وبينما طالب الجمهوريون في الكونغرس وزارة العدل بالتحقيق في عدم تسجيل قناة “الجزيرة” كعميل أجنبي بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب وجزاء عمليات الإيقاع السياسي السرية بمواطنين أميركيين التي نفذتها القناة ضد مواطنين أميركيين، أثنى جاريد كوشنر الذي يقال إن القطريين أنقذوا أعماله التجارية، على عمل القناة القطرية فقال “قناة الجزيرة صوت عظيم في المنطقة وهي طرف نعمل معه” ثم شكر القناة الناطقة باسم قطر لمجيئها إلى البيت الأبيض. وإعلانه هذه في متناول المشاهدين كاملاً على موقع “تسجيلات الجزيرة على يوتيوب” المنشورة في 25 يونيو الأخير. وفي هذه الأثناء، نجحت قطر التي وعدت بالاستثمار المكثف في الولايات المتحدة، في أن تبدو بمظهر الخائف من إيران والمؤثر فيها في آن واحد، على نحو ما نقل موقع “ديفانس وان” في 9 يوليو الجاري.
وأثبت الرئيس ترمب بالفعل استعداده لبذل الكثير من أجل تحقيق النجاح خلال زيارته الأخيرة التي أثارت جدلاً كبيراً للزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ -أون، حين وطِئ رئيس الولايات المتحدة أرض كوريا الشمالية للمرة الأولى. لا بد أن قطر أخذت عبرةً من هذا الاجتماع، وعدّته فرصة للتوسط من أجل إجراء المحادثات وتثبيت موقعها كلاعب مهمّ في معترك الدبلوماسية الإقليمية، كما فعلت من قبل عندما قدّمت الهبات المالية لغزّة.
أهو مثلث إيراني- قطري- روسي؟
لكن بعض التساؤلات ما زالت مطروحة. ربما تكون إمكانات توسيع التأثير القطري المرتقبة في خطر بسبب تجاوزات الأمير الذي سعى إلى اللعب على الجهات كافة مع عدد كبير من الأطراف. مثلاً، يشير اكتشاف الشرطة الإيطالية صواريخ جوّ-جوّ قطرية “جاهزة للإطلاق” (على ما أورد الموقع العربي لـ”دوتشيه فيله” على تويتر في 15/7/2019) في أيدي مجموعات من اليمين المتطرف المتورطة بالتدخل الروسي في السياسة الأوروبية إلى استعداد قطر للتعاون علناً مع دول وجهات غير حكومية تناقض أولويات الولايات المتحدة الأمنية، على ما لاحظت “بي بي سي نيوز” في 15 يوليو.
والملفت أكثر بعد هو أنّ هذه الصواريخ ربما تستخدم في المستقبل، ويُحتمل حتى أنها استخدمت بالفعل في إطار الاحتدام في أوكرانيا الشرقية على أيدي الانفصاليين الذين تدعمهم روسيا. ويصدف أيضاً أن تكون آخر التحركات الإيرانية في الخليج جزءاً لا يتجزأ من خطة “المنطقة الرمادية” التي تحاكي بشكل مباشر طريقة تحرك الروس في أوكرانيا. وأشار موقع “ذي دايلي سيغنل” في 14 يوليو 2018 إلى تعاظم لجوء إيران إلى الحرب الهجينة/حرب المعلومات في سياق موقفها العدائي في الخليج. وهذا المقال اليوم مخفي وسُحب من التداول، شأن المصدر الوحيد الآخر بالإنكليزية الذي وثّق ارتباط إيران على موقع “نيوزريب” بعمليات الحرب الإعلامية التابعة للاستخبارات الروسية.
كما هو الحال في أوكرانيا، نقلت روسيا إلى إيران أصول التوسل بالأخبار المضللة وغيرها من الإجراءات كجزء من العمليات الحربية الهجينة الهادفة إلى تشتيت الخصم وإرباكه. ويعود التعاون بين جهازَي الاستخبارات الروسي والإيراني إلى حقبة الاتحاد السوفياتي، فقد استلهم العمل الاستخباراتي الإيراني تحركاته من الطرق التي اتبعها السوفيات والروس على مستوى التجنيد والتغلغل في المجتمع الغربي واستخدام المؤثرين النافذين في السياسة والمجتمع. لكن هذه المرة الأولى التي يشهد فيها الغرب على استخدام إيران الأعمال الحربية الهجينة في سياق عسكري.
ونظراً للتعاون الوثيق بين قطر والحرس الثوري الإيراني وعلاقاتها التجارية المشكوك فيها، على مقربة من القاعدة العسكرية الأميركية- على ما نقل موقع “ماريتيم إيكزيكوتيف” في27 أغسطس (آب) 2018، عن تعميق الروابط التجارية بين إيران وقطر مع مواجهة كل من البلدين الحصار- وطلبها تجهيزات عسكرية متقدمة مؤخراً من الولايات المتحدة، يُطرح السؤال حول وجهة استخدام الدوحة هذه الأسلحة وإن كانت تقتصر بالفعل على الدفاع عن النفس. وكان الدكتور مجيد رافي زاده تناول على موقع “ميديوم” في 18 يوليو 2018، كيفية تآمر قطر مع الحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” في صفقة قيمتها مليار دولار.
وفي وقت توجّه اتهامات إلى قطر بتهريب المتفجرات وغيرها من الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن- وهي اتهامات موثقة على شريط سجله التحالف العربي في اليمن ونشره على تويتر صحافي سعودي في 12 يوليو 2019- وبالضلوع في تسليح الميليشيات والجماعات الإرهابية في ليبيا وسوريا، يجب النظر إلى التعاون الوثيق والمثبت والقاطع بين قطر وبين إيران وروسيا على أنه شراكة وليس فحسب تأثيراً أو نفوذاً مترتباً على استخراج النفط أو المشاريع الاقتصادية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا تخاطر قطر بدورها كوسيط محتمل بين إيران والولايات المتحدة الذي قد يعزز دورها ومكانتها الإقليمية من خلال تورطها بتعاملات غامضة مع الروس يمكن أن تكلّفها خسارة كل شيء؟ من السهل استخلاص الجواب مما سبق. فقطر تعي جيداً أن الولايات المتحدة تسعى إلى تقليص تدخلها في الشرق الأوسط، وأنّ ترمب يثمّن كثيراً إبرام “اتفاق” جيد يحظى بتأييد قاعدته الشعبية، ويجعله يبدو أكثر كفاءة من أوباما، على نحو ما أوردت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” في 14 يوليو المنصرم إثر تسريبات السفير البريطاني المستقيل. وتدرك الدوحة كذلك أن واشنطن غير مهتمة بالدخول في حروب غير متكافئة ستزهق أرواح مزيد من الأميركيين وأنّ خصوم ترمب يعتقدون بأنه يتعاطف مع بوتين والشعبويين الذين يدعمهم نظيره الروسي ومع الجماعات اليمينية المتطرفة في أوروبا.
في حال ثبتت صحة أيّ من هذه المعتقدات أو لم تثبت، ربما يظن الأمير تميم أنه يستطيع النجاح مرة جديدة باللعب على الحبال كلها: فيعرض أن يؤدي دور الوسيط للتوصل إلى اتفاق يحسِب أن البيت الأبيض يتوق كثيراً إليه، فيما يتعاون مع روسيا وإيران في الشؤون العسكرية وشؤون الجماعات شبه العسكرية بطريقة لم تنكشف كل تفاصيلها بعد. وبينما يبدو الرئيس ترمب ووزير الخارجية بومبيو حالياً غير مهتمين في الرد على المناورات الإيرانية، تربح قطر النقاط لصالحها وصالح إيران عبر تدخلها في الموضوع فحسب ومن طريق كسبها تعاطف البعض في الإدارة ممن يعتقدون أنّ قطر، على خلاف إيران، تقدم العروض بنية سليمة. وعلى أقل تقدير، يبدو في الطرح السياسي للأمير تميم أن التوصل إلى نوع من التسوية مع إيران ممكن بفضل مساعدته وهو ما يفوق توقعات الجميع. وهذا بحد ذاته انتصار لإيران.
اندبندت العربي