التهديد الإيراني: ليس البرنامج النووي بل الحرس الثوري

التهديد الإيراني: ليس البرنامج النووي بل الحرس الثوري

_56594_i3

تمكّن الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال عامين فقط من توليه السلطة، من بناء صورة له على أنه “معتدل” قادر على تلقي الدعم من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي عن جهوده في التوصل إلى صفقة مع دول “5+1” حول برنامج طهران النووي المثير للجدل. لكن لروحاني “أعداء” في طهران يسمّيهم الغرب المحافظون ويتضمنون الحرس الثوري الإيراني وعددا من الملالي المتشدّدين.

وإلى حد الآن دخل المعسكر المتشدد في اللعبة ودعم بحذر المحادثات النووية على أمل رفع العقوبات للسماح بتحرير مليارات الدولارات لفائدة البلاد سينتهي أغلبها في وزارات وحسابات تحت سيطرة الحرس الثوري.

وكانت وكالة رويترز نقلت عن دبلوماسي غربي يتابع الشأن الإيراني عن كثب أن الدخل السنوي للحرس الثوري من مجمل أنشطته التجارية يقدر بما بين 10 و12 مليار دولار.

ويرفض المسؤولون الإيرانيون الكشف عن حصة الحرس الثوري في السوق لكن 12 مليار دولار تمثل نحو سدس الناتج المحلي الإجمالي الإيراني المعلن بأسعار الصرف الحالية.

وقال مسؤول إيراني في طهران طلب عدم نشر اسمه “يسيطرون على شركات كبرى وقطاعات في إيران مثل السياحة والنقل والطاقة والبناء والاتصالات والإنترنت”. وأضاف “رفع العقوبات سيعزز الاقتصاد وسيساعدهم في جني المزيد من المال”.

وبالرغم من أن الكثير من أعضاء الإدارة الأميركية والأطراف الداعية إلى عقد اتفاق مع إيران أقنعوا أنفسهم، ومازالوا يحاولون إقناع غيرهم، بأن أغلب الأموال التي ستذهب إلى إيران جراء تخفيف العقوبات ستستخدم في دعم الاقتصاد الإيراني المنهار، لم يتمكنوا بعد من الإجابة عن سؤال حيوي: وماذا عن الحرس الثوري الإيراني؟

تشعر إيران اليوم بالقوة والثقة بسبب السياسات الخارجية العدائية التي لعب فيها الحرس الثوري الدور الرئيس. وقد كان قيام الحرس الثوري بتدريب وتسليح المليشيات الشيعية في العراق أحد العوامل الأساسية التي أدت إلى أعمال التمرد الدموية ضد الجنود الأميركيين هناك مما أدى إلى انسحابهم في سنة 2009. كما كان الحرس الثوري وراء ولادة حزب الله في لبنان. ويقوم حاليا بتكوين جيش من المليشيات الشيعية من العراق والبلدان الآسيوية واليمن لاستخدامه في نشر النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

ويعد الحرس الثوري القوة الرئيسية التي تحمي النظام الإيراني في الداخل وتحول دون أي شكل من أشكال الديمقراطية والحريات والممارسات الليبرالية في البلاد.

ويعم شعور بين الكثير من المسؤولين الإيرانيين بأن أعمال الحرس الثوري هي التي أجبرت واشنطن والقوى العالمية الأخرى على التنازل والموافقة على التفاوض وتقديم تنازلات مما مكّن إيران من الإبقاء على جزء لا بأس به من برنامجها النووي ورفع العقوبات.

إيران ليست دولة عادية بجيش واحد وحكومة واحدة، بل هي نظام يتصرف فيه الحرس الثوري الإيراني بمثابة دولة داخل الدولة. وهذا الحرس مجهز ومسلح بشكل أفضل من القوات المسلحة النظامية ولديه ذراعه الاستخباراتية الخاصة به وقوات الأمن الداخلية التي تفوق الشرطة العادية من حيث العدد والأداء. لذلك عندما تمضي الولايات المتحدة وبقية بلدان مجموعة “5+1″ اتفاقا نوويا مع إيران قريبا، فهل سيمضونه أيضا مع “دولة الحرس الثوري الإيراني؟”.

قد يكون حسن روحاني هو الرئيس لكن ليس لديه سلطة على الحرس الثوري، ولا يملك هذه السلطة إلا المرشد الأعلى، وبسبب حالته الصحية السيئة هناك إمكانية وجوب التعامل مع مرشد أعلى جديد قريبا وربما يكون أحد الملالي المحافظين. إضافة إلى ذلك يسيطر الحرس الثوري على برنامج البلاد النووي مثلما يسيطر كذلك على برنامج الصواريخ البالستية.

وبعبارة أخرى، يسيطر على كل المقدرات العسكرية الاستراتيجية في البلاد. إذن ما هي نظرة الحرس الثوري للاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 وإمكانية تطبيع العلاقات مع الغرب؟ لا أحد يعرف ذلك حق المعرفة، كل ما نسمعه آراء متناقضة من قادة عسكريين مختلفين للتنظيم.

لكن بالاعتماد على تاريخ الحرس الثوري وأعماله الأخيرة من المعقول الاستنتاج بأنه يريد المزيد من السلطة ونفوذا إقليميا أكبر والمزيد من المال والموارد ويبقى غير مستعد لتقاسم أو التنازل عن المكاسب.

وإذا كانت إيران ترغب في أن تصبح قوة إقليمية تحظى بالاحترام والتعاون من جيرانها والمجتمع الدولي، نقل الحرس الثوري سلطات لقواتها المسلحة النظامية والمؤسسات الحكومية.

وبالنسبة إلى المجتمع الدولي عموما، والشرق الأوسط بصفة خاصة، سيثبت المستقبل أن التعايش السلمي مع النظام الإيراني غير ممكن. ومن المحتمل أن يخيّب الحرس الثوري أمل من يعتقدون بأن إيران عندما تملك المزيد من الموارد الاقتصادية والروابط الجيدة مع الغرب يمكن أن ترويضها.

ورفع العقوبات عن إيران يجب أن يكون تدريجيا ومرتبطا بوقف طهران لسياسة تصدير الثورة وحل الحرس الثوري لاحقا، وإلا سيواصل النظام الإيراني في أن يكون تهديدا أكبر للمجتمع الدولي حتى دون الأسلحة النووية.

صحيفة العرب اللندنية