بعد 17 شهرا من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، غادرت شركة البترول الوطنية الصينية إيران لتلتحق بزميلتها “توتال” الفرنسية، في حين تتواصل المطالب بتغريمها وأخرى تحث على استغلالها لتنمية الصناعة الوطنية.
وأعلن وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه الأحد الماضي انسحاب شركة البترول الوطنية الصينية من مشروع تطوير المرحلة 11 من حقل “بارس الجنوبي”، مؤكدا أن شركة “بتروبارس” التابعة للدولة ستتولى بمفردها المشروع.
وكان يُفترض أن تتعاون الشركة الصينية و”توتال” الفرنسية مع الشركة الإيرانية في تطوير حقل “بارس الجنوبي” بموجب صفقة بقيمة 4.8 مليارات دولار وقعت عام 2017.
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي الإيراني سعيد ليلاز ترجيح الشركات الدولية مصالحها مع واشنطن على مصالحها مع طهران بأنه أمر عادي، واصفا المصالح الاقتصادية للشركات التي غادرت إيران والتهديدات الأميركية بفرض عقوبات على كل من يتعاون معها، بأنها بمثابة “وجهين لعملة واحدة”.
أضرار باهظة
وقال ليلاز في حديثه للجزيرة نت إن عشرات الشركات الدولية أرغمت على مغادرة إيران وغض البصر عن الأرباح التي كانت تأمل جنيها من طهران بفعل العقوبات الأميركية، مشيرا إلى أن الكثير من هذه الشركات سبق أن دفعت غرامات باهظة للجانب الإيراني بسبب تخليها عن العقود السابقة.
وأشار الأستاذ في جامعة الاقتصاد شهيد بهشتي إلى أن أحد الأهداف الأميركية من ممارسة سياسة الضغوط القصوى على إيران، دفعها نحو دول شرق آسيا لا سيما الصين، مؤكدا أن أميركا وأوروبا ستكتشفان قريبا أنهما الخاسر الأبرز للعقوبات الغربية، وذلك بسبب تبني الصناعة الإيرانية التكنولوجيا الصينية بعدما كانت تفضل الشركات الإيرانية التكنولوجيا الغربية.
وأوضح الباحث ليلاز أن بلاده تحمّلت أضرارا باهظة جراء العقوبات الأميركية، وأكد أن المواطن الإيراني يفضل السيارات الأميركية والأوروبية على نظيراتها الصينية، لكن خروج الشركات الغربية المصنعة للسيارات من إيران رفع أسعارها في الأسواق الإيرانية، وهو ما دفع المواطن على اقتناء الأنواع الصينية منها.
وتمنى على بلاده أن تستغل ظروف العقوبات الأميركية وخروج الشركات الدولية منها لتنمية قطاعات الصناعة الوطنية، مؤكدا أن حاجة البلاد إلى الطائرات المدنية مثلا تجعل الاستثمار في هذا القطاع مجديا، فضلا عن أن هناك سوقا كبيرا لدى دول الجوار -مثل العراق وأفغانستان- يرحب بالمنتوجات الإيرانية.
شركات أوروبية
وفق صحيفة “جيهان” الناطقة بالفارسية، فإن أغلب الشركات الأوروبية الكبرى التي تعاقدت مع طهران بعيد الاتفاق النووي، التحقت بركب الشركات الأميركية وغادرت إيران بعيد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وتهديدها بفرض عقوبات إذا واصلت التعاون مع طهران.
وتشكل الشركات العالمية مثل بوينغ وجنرال إلكتريك من أميركا، وتوتال وبيجو وإيرباص من فرنسا، وإيني ودنيلي من إيطاليا، وسيمنس وبنك دي زد من ألمانيا، وتورم وميرسك من الدانمارك، أهم الشركات التي غادرت إيران، فضلا عن عشرات الشركات الغربية الأخرى.
ووفقا للصحيفة فإن جميع الشركات الأوروبية غادرت إيران خلال الأشهر القليلة التي تلت خروج أميركا من الاتفاق النووي.
من ناحيته، رأى الباحث في الاقتصاد السياسي والنائب السابق بالبرلمان الإيراني نوذر شفيعي أن الشركات الدولية -خاصة الأوروبية منها- تنظر إلى سوق العمل من نافذة الرأسمالية، وأنها غادرت إيران خشية تحملها خسائر جراء العقوبات الأميركية.
عتب صيني
وفي حديثه للجزيرة نت، قال شفيعي إن الشركات الدولية التي غادرت إيران قبلت بالخسائر التي تنص عليها العقود الموقعة، مؤكدا أن الجانب الإيراني لا يريد غلق الباب نهائيا أمام تلك الشركات للعودة إليها، وذلك رغم أنها كسبت بعض الشكاوى التي رفعتها في هذا الشأن.
وأشار إلى أن هناك عتبا صينيا على إيران بسبب منحها حصة الأسد من مشاريعها بعد الاتفاق النووي للشركات الأوروبية، عازيا سبب الرغبة الإيرانية للإتيان بالشركات الغربية إلى التكنولوجيا الغربية مقارنة مع نظيرتها الشرقية.
وأضاف شفيعي أن إيران تحملت أضرارا جسيمة جراء خروج الشركات الدولية، فضلا عن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الوطني بسبب عودة العقوبات الأميركية، منها عدم دخول المستحقات الإيرانية من بيع النفط الخام.
التحرك قضائيا
وعقب خروج الشركات الدولية من إيران، تعالت أصوات في البرلمان الإيراني تطالب بمقاضاة تلك الشركات وتغريمها لنقضها العقود الموقعة معها.
وأشار عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان الإيراني علي أكير كريمي إلى أنه بالرغم من أن عجلة تطور الاقتصاد الوطني وتنميته لن تتوقف بخروج شركة دولية أو عدد منها، فإنه لا يمكن إنكار المشاكل التي يسببها لبعض القطاعات في البلاد.
وحث كريمي الجهات المعنية في الحكومة على اتخاذ التدابير اللازمة لمقاضاة الشركات الدولية التي تخلت عن عقودها مع إيران وتغريمها، لاحتواء الاضطرابات التي راحت تهدد الاقتصاد الداخلي.
وتقول الأصوات الإيرانية التي تطالب بمقاضاة هذه الشركات إنه بحكم وجود عقود قانونية بينها وبين الشركات الدولية التي رضخت للتهديدات الأميركية، فإنها ستعتمد عليها في تحركاتها القانونية.
المصدر : الجزيرة