في 22 تشرين الأول/أكتوبر، يستضيف الرئيس فلاديمير بوتين نظيره التركي رجب طيب أردوغان في اجتماع قمةً حول سوريا. وفي ضوء القرار الأخير للرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستتوصل تركيا وروسيا مع إيران – الجهات الفاعلة العسكرية الثلاث المتبقية على الساحة – إلى اتفاق مستدام فيما يتعلق بالمستقبل السياسي لسوريا؟ أم ستكتفي هذه الأطراف الثلاثة بمواصلة استخدام سوريا كساحة معركة لخدمة أجندتها الخاصة؟
تأثير بوتين على أردوغان
كان رد الفعل العلني الذي أثاره خبر الانسحاب الأمريكي في موسكو مزيجاً من الغبطة الناشئة عن نية واشنطن الخروج من سوريا، والشك [القائم] من حقيقة الانسحاب، والتحفظات حيال الاجتياح التركي اللاحق. فبالرغم من رغبة بوتين الكبيرة في خروج الولايات المتحدة [من سوريا]، إلّا أنه كان يحاول منذ شهور إطلاق المرحلة التالية من المساعي الدبلوماسية بشأن سوريا، بهدف التوسط لحلّ خاضع لشروطه الخاصة، أي إنهاء القتال مع ضمان بقاء بشار الأسد في السلطة. ويهدد الهجوم التركي عبر الحدود بإفساد هذه الخطط.
وتبعاً لذلك، عندما بدأت حكومة أنقرة هجومها ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية قبل أسبوعين، نشرت روسيا وحدة صغيرة من الشرطة العسكرية لكي تؤدي دور الحاجز الفاصل، ثم باشرت بالمفاوضات مع «وحدات حماية الشعب» ونظام الأسد. وبعد فترة وجيزة، انتقلت قوات الأسد إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد على غرار منبج، لتصبح بذلك القوات الروسية المحلية والقوات الوكيلة لها في وسط اشتباكات محتملة بين الجيشين الكردي والسوري.
ولطالما توخّى بوتين الحذر في تدخله في سوريا ليحرص على عدم إغراق روسيا في أزمة موحلة، فشبح التجربة السوفيتية في أفغانستان دائماً ما يلوح في الأفق. وفي الوقت نفسه، أشار استطلاع للرأي أجري مؤخراً من قبل “مركز ليفادا” إلى أن 55 في المائة من الجمهور الروسي يفضلون إنهاء التدخل تماماً. وسعياً لتخفيف هذا الضغط وتوجيه مسار الأحداث في الوقت نفسه بما يناسب موسكو، عمل بوتين على تعزيز نفوذه على أردوغان على مر السنوات، بدءاً من بيعه أنظمة الدفاع الصاروخي من طراز “أس-400″، وبناء أول محطة للطاقة النووية في البلاد، ووصولاً إلى توسيع نطاق بث وسائل الإعلام الروسية مثل “سبوتنيك” في تركيا. من هذا المنطلق، ثمة أمرٌ معبّر في تزامن بدء حملة أردوغان في سوريا مع اتفاق روسي تركي جديد لممارسة التجارة بعملاتهما الوطنية.
وسوف يتعاظم نفوذ بوتين في قمة سوتشي وما بعدها من واقع كَوْن الأطراف الإقليمية قد بدأت ترى موسكو – على مضض – شريكاً موثوقاً أكثر من واشنطن. ومن المحتمل أن تستغل موسكو هذا المنظار والانسحاب الأمريكي الأخير لتعرض على أردوغان صفقة أوسع نطاقاً حول سوريا خلال محادثات سوتشي، وربما تتعهد بوضع «وحدات حماية الشعب» تحت سيطرة الأسد مقابل اعتراف تركيا بالأسد رئيساً شرعياً لسوريا. وقد يطلب بوتين من تركيا أيضاً إخلاء الأراضي السورية التي تحتلها حالياً؛ ورداً على ذلك، من المحتمل أن يطلب أردوغان من الأسد إعادة حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري ما زالوا مقيمين في تركيا.
ولكن ثمة نقاط توتر أخرى قد تقوّض أي من هذه الاتفاقات، لا سيما مستقبل إدلب. فنظام الأسد وروسيا يواصلان استهداف هذه المحافظة التي تشكل المعقل الأخير للثوار، بهجمات وحشية تهدد بفرار مليونين إلى ثلاثة ملايين مدني آخر إلى تركيا، مما قد يخلق أزمة لاجئين أخرى لأنقرة وأوروبا مماثلة للأزمة التي وقعت عام 2015.
تردد أردوغان في مواجهة روسيا وإيران
على مدى القرون الستة من الحكم العثماني، تمكّن الأتراك من هزيمة جميع الدول المجاورة وفرض سيطرتهم عليها، باستثناء روسيا وإيران. ولا تزال تركيا تأخذ هذا الواقع في عين الاعتبار في مقاربتها لهاتين القوتين. فصحيحٌ أن أنقرة قد تتعامل بتعالٍ في سياستها مع الدول المجاورة الأخرى، فتتجاهل مخاوفهم وتتدخل في شؤونهم الداخلية – كما شوهد في سوريا – لكنها تتجنب بشدة الدخول في مواجهة مع موسكو وطهران أو تجاهلهما.
وفي هذا الإطار، أدى قرار تركيا في عام 2012 بدعم الثوار المعارضين لنظام الأسد إلى وضعها عن غير قصد في مسار تصادم تاريخي محتمل مع روسيا، التي دخلت الحرب إلى جانب الأسد في أيلول/سبتمبر 2015 وردّت بقسوة على إسقاط تركيا إحدى طائراتها العسكرية بعد شهرين من ذلك التاريخ. ومنذ ذلك الحين كان على أنقرة التصرف بحيطة أكبر، والتشاور مع موسكو في كثير من الأحيان حول القضايا السورية عبر عقد اجتماعات مثل قمة سوتشي هذا الأسبوع.
ثم جاء الانقلاب الفاشل ضد أردوغان في عام 2016 ليخفف وطأة الضغط إلى حد ما عبر إقناع بوتين بأن استمالة تركيا أسهل من مضايقتها. ومع ذلك، أوجدت هذه التطورات أيضاً نمطاً من الاتفاقات المشابهة للصفقات والمبنية على الظروف في سوريا، مثل إعطاء موسكو الضوء الأخضر لـ “عملية غصن الزيتون”، وهي التوغل العسكري الذي استولت خلاله تركيا وعملائها [فصائل «الجيش السوري الحر»] على عفرين من «وحدات حماية الشعب» في عام 2018. وفي المقابل، اضطر أردوغان إلى التزام الصمت حين ساعدت روسيا نظام الأسد على قصف المدنيين في الغوطة الشرقية، التي تشكل واحدة من آخر مناطق فك التصعيد المتبقية والخاضعة لسيطرة الثوار.
أما بالنسبة لإيران، فقد سعت أنقرة إلى الحفاظ على تكافؤ القوة الراسخ مع خصمها الفارسي التاريخي، ولكن الدعم التركي للثوار المعارضين لنظام الأسد، وكيل إيران، قد أوشك الإخلال بهذا التوازن. وبما أن قوة إيران وحلفاءها يهيمنون حالياً على سوريا، من المرجح أن تحاول طهران في الأشهر المقبلة إعادة إرساء العلاقات مع تركيا وفقاً لشروطها الخاصة. وقد يشمل ذلك المطالبة بأن يوقف أردوغان جميع دعمه للثوار المناهضين للأسد وسحب جميع القوات التركية من سوريا.
الخاتمة
تشير هذه العوامل مجتمعةً إلى أن أردوغان سيكون الحلقة الأضعف في سوتشي، وبالتالي قد يتمكن بوتين من تعزيز أهدافه الأوسع تجاه تركيا، أي إرغام أردوغان على مصافحة الأسد. وإذا حدث ذلك، فسوف يرفع بوتين من مكانته الإقليمية بصورة أكبر، ويقترب أكثر من إعادة تأسيس مكانة موسكو العظمى، وكل ذلك على حساب واشنطن.
معهد واشنطن