ضبط العلاقات الأميركية ـ الإيرانية!

ضبط العلاقات الأميركية ـ الإيرانية!

436x328_52207_173843QFOUBJHLZHSSKHBCQWVODURZ

مع توقيع «الخطة الشاملة للعمل المشترك»، بين الدول الست الكبرى وإيران، تولى الفزع واليأس البعض، بينما تولدت لدى البعض الآخر رؤى متعلقة بشرق أوسط جديد، أعيد ضبط علاقاته على نحو دراماتيكي. وكلتا الرؤيتين تمثل نوعاً من رد الفعل المبالغ فيه. فالولايات المتحدة لم تتبن الموقف الإيراني، ولم تخفف من قلقها بشأن سلوك طهران الإقليمي، ولم تبرئها من مسؤولية أفعالها العدائية ضد المواطنين الأميركيين، وضد حلفاء أميركا وأصدقائها في المنطقة.
لم يكن ذلك هو التغيير الذي سعى أوباما إليه من خلال الصفقة مع إيران، كما أنه لا يوجد دعم في الكونغرس، ولا لدى الرأي العام في أميركا، لنهج تغيير العلاقة مع إيران في هذه اللحظة من الزمن. وعلى هؤلاء الذين يتخيلون أن «خطة العمل المشترك» تمثل مؤشراً على أن الولايات المتحدة ستتخلى عن حلفائها التقليديين، وتعمل على توطيد علاقتها مع إيران، أن يهدأوا، لأن هذا أمر لن يحدث في أي وقت في المستقبل القريب.
ولست متأكداً من أن إيران لديها الرغبة، أو حتى القدرة، على أن تهضم بسهولة مسألة إعادة ضبط مسار علاقاتها مع الولايات المتحدة. فإيران ما زالت لديها حساسية كبيرة تجاه الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً. وهي ظلت لخمس وثلاثين سنة تغذي تيار الكراهية ضد الولايات المتحدة. وهذه الذهنية المناوئة لأميركا متغلغلة في إيران، بل تمثل حجر الزاوية للهوية الإيرانية بعد ثورة الخميني.

ولعقود طويلة، قدمت إيران نفسها كزعيمة للمقاومة المناوئة للغرب في العالم الإسلامي، وساندت جماعات وأحزاباً في لبنان وفلسطين، وتدخلت في سوريا والعراق واليمن، في محاولة لترسيخ دورها كقوة إقليمية، ولإضعاف دور أميركا وحلفائها في المنطقة.
وفي استطلاع رأي أجريناه العام 2012 في عدد من الدول الإسلامية، سألنا المستطلَعين: هل يحبذون «تحقيق السلام والتفاهم مع الغرب» أم «النضال المتواصل ضد إسرائيل»؟ وتبين من الإجابات أن المسلمين الوحيدين الذين فضلوا الخيار الثاني هم الإيرانيون بفارق كبير (63 في المئة). وكان شعار «المقاومة» هو «القوة الناعمة» الذي استخدمته إيران سعياً لدور القيادة الإقليمية، مستفيدة في ذلك من دعمها المقاومة في لبنان العام 2006 وغزة العام 2008.
وقد وصلت الرسالة التي أرادت إيران إيصالها للرأي العام في المنطقة آنذاك، وكانت التصنيفات الإيجابية حيال إيران في المنطقة العربية المصابة بصدمة عنيفة جراء العدوان الإسرائيلي تتراوح بين 70 و80 في المئة. لكن الذي غير ذلك التوجه المؤيد لإيران وجعله يتحول ضدها كانت الحرب في سوريا.
والآن، ينبغي أن نبدأ العمل الجاد لمواجهة المخاوف الإقليمية الأوسع نطاقاً، وفي الوقت نفسه، يجب على المتفائلين السذج والنقاد المذعورين، أن يأخذوا قسطاً من الراحة. فالمخاوف المتعلقة بقدرة إيران على إنتاج سلاح نووي، عولجت من خلال تلك الاتفاقية بالفعل، أما العملية المتعلقة برؤية ما إذا كان يمكن لهذه الاتفاقية أن تقود إلى تغييرات ذات شأن في السلوك الإيراني، وفي مواقف الأميركيين والإيرانيين على حد سواء، فقد بدأت للتو.

جيمس زغبي

صحيفة السفير اللبنانية