المتابع للانتخابات الرئاسية الأميركية سيلاحظ أن هناك تراجعا مخيفا في نوعية السياسيين المتنافسين على المقعد الرئاسي، لاسيَّما على صعيد الثقافة العامة، وعلى صعيد الإلمام بالسياسة الخارجيّة، وهما شرطان أساسيّان لمن يفترض به أن يصبح رئيسا لأقوى دولة في العالم.
بعض أجوبة المرشحين الحاليين من العته بمكان، إنَّه يستحيل عليك تصديق أنَّ مثل هذا المرشح أو ذاك قد يصبح رئيسا لأقوى دولة في العالم، وبعضهم ليست لديه فكرة حقيقيّة عمّا يجري في منطقة الشرق الأوسط، وأجوبتهم على القضايا الشائكة والمشاكل التي تعاني منها المنطقة، والتي يمكن تحميل جزء كبير منها إلى السياسات الحمقاء للإدارات الأميركية المتعاقبة تكاد تكون مضحكة ومبكية في الوقت نفسه.
على سبيل المثال، برنارد ساندرز وهو مرشح رئاسي عن الحزب الديمقراطي كان قد اقترح إرسال قوات عسكرية سعودية – إيرانية مشتركة إلى سوريا لمقاتلة داعش، وحل هذه المشكلة هناك. يبدو أن هذا المرشح ليست لديه أدنى فكرة عن الصراع الحاد بين السعودية وإيران، وليس لديه أي فكرة بالتأكيد عن أنّ إيران تتواجد فعلا بقواتها وميليشياتها في سوريا، وأن هذا الأمر يعد واحدا من أهم الأسباب التي أدت إلى ولادة داعش هناك!
بالنسبة إلى تيد كروز، وهو مرشح رئاسي عن الحزب الجمهوري، فإن حل معضلة داعش سهل للغاية، ولا يتطلب سوى تطبيق استراتيجية «القصف السجّادي»، وهو عبارة عن قصف مكثّف يزيد على ألف غارة جويّة يومياً. بالنسبة إليه، لقد استطاعت أميركا هزيمة الجيش العراقي بهذا الشكل، وبالتالي ليس من الصعب هزيمة داعش على نفس المنوال. طبيعة مثل هذا الطرح تجعلك تتساءل: هل يدرك هذا المرشح الفرق بين الحرب التقليدية وبين الحرب اللامتناظرة؟ وهل مشكلة داعش عسكرية بشكل حصري حتى يكون حلّها بالقصف الجوي فقط؟!
أمّا دونالد ترامب، فهو ظاهرة في ذاته، متطرّف وعنصري وليست لديه أدنى فكرة عما يقوله عدا استثارة غرائز الجمهور وأبشع ما فيهم من تطرّف. البعض كان يعتبر ظهوره بمثابة فاصل فكاهي، والبعض الآخر كان يعتبر أنَّ وجوده عابر، على اعتبار أنّ لديه مشكلة مع النساء، ومشكلة مع الفقراء، ومشكلة مع البشر الذين لا ينتمون إلى دائرة «الرجل الأبيض»، وأخرى، وكذلك مع الناس من ديانات غير مسيحيّة، ولاسيَّما المسلمين، وهو يمقت المهاجرين وحتى سكان البلاد الأصليين، ومع كل ذلك تراه الآن يتصدَّر التنافس على قائمة المرشحين الجمهوريين. مثل هذه الحالة تطلعنا على طبيعة الناخبين والانحطاط الذي وصلوا إليه أكثر مما تطلعنا على طبيعة المرشّح نفسه.
مثل هذه المعطيات والنماذج والأفكار المطروحة أعلاه تجعلك تتساءل: هل يدير هؤلاء السياسة عند وصولهم إلى سدّة الرئاسة، أم أنّهم مجرّد أدوات تدار؟ وكيف يمكن أن تكون سياسة الولايات المتّحدة عند وصول مرشحين كهؤلاء إلى سدة الرئاسة، وما مدى تأثير ذلك على منطقتا ودولنا وشعوبنا بالتحديد؟
أكثر ما يخيف في استعراض المشهد حقيقة هو تحولنا في المنطقة إلى حقل تجارب لجهل الساسة الأميركيين، فكل رئيس أسوأ من الذي قبله بالنسبة لنا، ولا يبدو حتى الآن أنَّ واشنطن ستخرج من هذه الدائرة الشريرة كما يقال، فالأداء في تراجع والمستوى إلى انحطاط.
علي حسين باكير
العرب القطرية