عندما ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارته المقررة إلى واشنطن مؤخراً، تكهن الكثيرون بأن ذلك كان بمثابة احتجاج على استمرار غياب الاتفاق حول حجم المساعدات العسكرية الأمريكية التي ستتجسد في مذكرة تفاهم جديدة أمدها عشر سنوات. من جهته، قام نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تربطه علاقة صداقة وثيقة بنتنياهو، بزيارة إسرائيل الأسبوع الماضي، وحث رئيس الوزراء الإسرائيلي على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق يكون على المستوى الذي تفضله إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وعلى الرغم من أن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون سيلتقي مع وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر في البنتاغون هذا الأسبوع، إلا أن البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء يقودان محادثات مذكرة التفاهم، وبالتالي من غير المرجح أن تؤدي المحادثات بين كارتر ويعلون إلى تغيير قواعد اللعبة.
تاريخ من المساعدات العسكرية لإسرائيل
زادت المساعدات الأمريكية بشكل كبير في أعقاب معاهدة السلام التي وقعتها إسرائيل مع مصر في عام 1979. ومع ذلك لم يتم توقيع أول مذكرة تفاهم بشأن المساعدات العسكرية سوى بعد عقدين من الزمن في عام 1998، وشملت 21.3 مليار دولار لفترة أمدها عشر سنوات. أما مذكرة التفاهم الثانية، فقد تم توقيعها في آب/ أغسطس 2007، وشملت 30 مليار دولار لمدة عشر سنوات أيضاً. وتكمن المنفعة المشتركة في توقيع مذكرات تفاهم كهذه في أنها تُدخل القدرة على التنبؤ في العملية بحيث لا يتوجب التفاوض على مستوى المساعدات كل عام. بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المسموح لها باستخدام التمويل من خلال التدفقات النقدية لشراء الأسلحة الأمريكية (إلى جانب مصر، التي ستفقد هذا الامتياز في السنة المالية 2018). كما يسمح لها ذلك تمويل المشتريات المتعددة السنوات من خلال أقساط بدلاً من الاضطرار إلى دفع كامل المبلغ مقدماً. ووفقاً لهذا التفاهم، بإمكان إسرائيل التفاوض على صفقات أسلحة كبيرة مع متعهدي التوريد للشؤون الدفاعية في الولايات المتحدة وتمويل هذه الصفقات عبر المساعدات المالية المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، عادة ما يتم تسليم المساعدة الأمريكية المخصصة لإسرائيل في أول ثلاثين يوماً من السنة المالية، خلافاً لمعظم متلقي المساعدات الآخرين.
وترافقت مذكرات التفاهم مع تمويل تكميلي أيضاً. فمنذ عام 2009، تجاوز تمويل الكونغرس الأمريكي لإسرائيل طلبات موازنة وزارة الدفاع الأمريكية بحوالي 1.9 مليار دولار. على سبيل المثال، خصص مشروع قانون الإنفاق الشامل الذي تمت المصادقة عليه في كانون الأول/ديسمبر الماضي مبلغ 487 مليون دولار لبرامج الدفاع الصاروخي الثنائية، وهي زيادة كبيرة عن مبلغ 145.8 مليون دولار الذي طلبه البنتاغون. وفي صيف عام 2014، استجاب الكونغرس لطلبات إسرائيل خلال “عملية الحافة الواقية” من خلال المصادقة على تمويل طارئ لنظام “القبة الحديدية” قيمته 225 مليون دولار. وحالياً، تخصص الميزانية المالية لـ “وكالة الدفاع الصاروخي” الأمريكي للعام المالي 2017 مبلغ 540 مليون دولار سنوياً لبرامج تعاونية إسرائيلية لكل عام من الأعوام الخمسة المقبلة. كما أن مذكرات التفاهم سمحت لإسرائيل استخدام حوالي ربع المساعدات الأمريكية التي تتلقاها لتحفيز الصناعة الدفاعية الخاصة بها.
ووضعت أول مذكرة تفاهم هدفاً يكمن في إنهاء المساعدات الاقتصادية تدريجياً، وهذا ما حدث في النهاية، إذ لم تعد إسرائيل تتلقى هذا التمويل من الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى المساعدات العسكرية، تحصل إسرائيل على بضعة ملايين من الدولارات كتمويل من الولايات المتحدة في إطار برامج مختلفة، مثل أبحاث الطاقة التعاونية.
دواعي الزيادة الكبيرة
تفيد بعض التقارير أن إسرائيل تطلب 5 مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات العشر القادمة، في حين يقوم موقف الولايات المتحدة على اعتماد مبلغ يتراوح ما بين 3.4 و 4 مليار دولار سنوياً. ووفقاً لوجهة نظر إسرائيل، فإن مبلغ 3.4 مليار دولار يمثل في الواقع انخفاضاً في المساعدات، لأن مذكرة التفاهم من عام 2007 كانت ستبلغ 3.6 مليار دولار سنوياً إذا تم أخذ إطار التضخم في عين الاعتبار.
وعلى الرغم من أن المسؤولين في كلا البلدين يلتزمون الصمت بشدة فيما يتعلق بالعملية نظراً إلى حساسية المفاوضات، إلا أن التقارير المنشورة تشير إلى أن مسألة زيادة المساعدات تستند إلى عدة عوامل. فمن جهة، يعتقد مؤيدو [الاقتراح] أن إسرائيل بحاجة إلى إعداد نفسها عسكرياً للتعامل مع القيود المفروضة على الاتفاق النووي الإيراني، وعلى وجه التحديد انتهاء القيود المفروضة على أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم في غضون عشر إلى خمس عشرة سنة، وإمكانية الإخلال بالاتفاق قبل ذلك. وتشمل العوامل الأخرى الزيادة المتوقعة في التمويل الإيراني للوكلاء الإقليميين الخطرين مع رفع العقوبات النووية، والزيادة في مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الدول العربية السنية من أجل تعويض النشاط الإيراني والحصول على القبول الضمني بالاتفاق النووي، والوجود المتزايد للأطراف غير النظامية على حدود إسرائيل، والتقلب الآخذ في التوسع في المنطقة بشكل عام.
وخلال النقاش حول الاتفاق النووي، تعهد الرئيس أوباما بإنهاء مفاوضات مذكرة التفاهم بسرعة وأخذ هذه المخاوف الإسرائيلية بعين الاعتبار. وفي ذلك الوقت، أقرّ الرئيس الأمريكي بأن رفع العقوبات سيمكّن إيران من الوصول إلى 50 مليار دولار على الأقل من أصولها المجمدة. ويقيناً، أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط من 100 إلى 37 دولار للبرميل يعني أن الدخل الذي تحصل عليه إيران حالياً أصبح أقل مما كان عليه قبل عامين في ظل العقوبات، لكن على الرغم من ذلك تُظهر التوقعات أنها ستتمتع قريباً بالمزيد من الأموال لدعم «حزب الله». ومؤخراً، ذكر رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي الجنرال غادي أيزنكوت، أن طهران تمنح الحزب بالفعل أموالاً بمتوسط 1 مليار دولار سنوياً.
أما بالنسبة إلى زيادة المبيعات العسكرية الأمريكية إلى دول الخليج، وعلى الرغم من أن إسرائيل طوّرت (بهدوء) علاقات أوثق مع هذه الدول في السنوات الأخيرة، فإن إسرائيل وواشنطن تعتقدان بأنه لا بد من الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل نظراً إلى عدم الاستقرار وانتشار الأسلحة المزمن في المنطقة. وفي هذا الإطار، يشير بعض الإسرائيليين إلى العراق كمثال على ذلك، مبينين أن المتشددين في تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») يحملون الآن أسلحة أمريكية تم تزويدها سابقاً إلى الجيش العراقي.
وعلى نطاق أوسع، تحيط بإسرائيل جهات غير نظامية معادية على كافة حدودها، بما فيها «حزب الله» في لبنان، و «جبهة النصرة» – ذراع تنظيم «القاعدة» في سوريا، وحركة «حماس» في قطاع غزة، و”ولاية” تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء. وهذه التهديدات الحالية وتلك المحتملة، إلى جانب الوضع غير المستقر في الضفة الغربية، قد جعلت إسرائيل تشعر بتزايد تعرضها للخطر. وبناءً على ذلك، تعتقد إسرائيل بأن مذكرة تفاهم قوية ستظهر للشعب الإسرائيلي وللأطراف الإقليمية أن الخلافات السياسية بين أوباما ونتنياهو لن تلقي بظلالها على الالتزام الأمريكي القائم منذ وقت طويل بأمن إسرائيل.
الحجج المضادة
بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون بأن زيادة المساعدات في مذكرة التفاهم القادمة يجب أن تكون أكثر محدودية، فهم يميلون إلى الارتكاز على ثلاث حجج رئيسية. أولاً، بينما قد يكون بوسع المرء أن يناقش المزايا طويلة الأمد للاتفاق النووري مع إيران، فإن هذه الصفقة قد حدّت من التهديد النووي على مدى السنوات القليلة المقبلة على الأقل. فقد تم شحن اليورانيوم المخصب إلى خارج البلاد، كما تم إيقاف عمل عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي أو تفكيكها. ومع ذلك، لا يبرز أي دليل على الاعتدال في سلوك طهران منذ توقيع الاتفاق، لذلك قد لا تشعر إسرائيل بالراحة على افتراض أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى ستضغط بما فيه الكفاية ضد الانتهاكات النووية المحتملة أو الاستفزازات الإيرانية الأخرى.
ثانياً، في حين أنه من الصحيح أن منطقة الشرق الأوسط غارقة بالأسلحة وأن إيران ستكون قادرة على تقديم المزيد من المساعدات لـ «حزب الله» وعملائها الآخرين، إلا أن إسرائيل لا تواجه نفس خطر الحرب التقليدية من الدول العربية كالذي واجهته في الماضي؛ إذ تربطها معاهدات سلام قائمة منذ فترة طويلة مع بعض هذه الدول، في حين أن البعض الآخر إما غارقاً في الصراعات الداخلية وإما من المستبعد أن يسعى إلى الدخول في حرب مع إسرائيل في أي وقت في المستقبل المنظور.
ثالثاً، إن المساعدات الحالية لإسرائيل تشكل بالفعل جزءاً لا بأس به من مجموع المساعدات العسكرية الخارجية للولايات المتحدة. فإسرائيل تتلقى 3.1 مليار دولار من مجموع المساعدات العالمية التي تصل قيمتها إلى 5.87 مليار دولار، في حين تتلقى مصر 1.3 مليار دولار والأردن 300 مليون دولار (كما تتلقى عمّان 85 مليون دولار في أشكال أخرى من المساعدات العسكرية فضلاً عن مئات الملايين من المساعدات الاقتصادية).
الاعتبارات السياسية
تطرح قضية مذكرة التفاهم مخاطر سياسية للحكومتين. فبالنسبة إلى إدارة أوباما، يمكن للفشل في إبرام تلك المذكرة أن يجعل المسألة عبارة عن مباراة سياسية خلال العام الذي ستُجرى فيه الانتخابات، مما سيؤدي بالتالي إلى تسييس هذه المسألة في وقت حساس جداً في المفاوضات. من جهتها، قد تعتقد إسرائيل أن الإدارة الأمريكية المقبلة ستكون أكثر تعاطفاً مع طلب المساعدات الذي تقدمه، ولكن ليس هناك ضمانات في هذا السياق. ونظراً إلى عدم التيقن من موسم الانتخابات التمهيدية والغضب المتزايد في صفوف الناخبين الأمريكيين (وإن كان بسبب قضايا لا علاقة لها بإسرائيل)، لا يمكن لإسرائيل أن تكون متأكدة من أن المواقف العامة تجاه المساعدات الخارجية ستبقى كما هي على مدى العام المقبل.
أضف إلى ذلك أنه يجب على البيت الأبيض أن ينظر في التأثير المحتمل للقضية على أي مبادرات نهائية قد يأمل في تحقيقها في مجال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وإذا كانت إدارة الرئيس أوباما تخطط بالفعل لمثل هذه الخطوة قبل نهاية ولايتها، يمكن لاستكمال المساعدات العسكرية التي تنص عليها مذكرة التفاهم أولاً أن يشكل ضرورة سياسية واستراتيجية.
المحصلة
يتعين على البلدين التعامل مع مذكرة التفاهم كونها مرتبطة باحتياجات إسرائيل في المشهد الإقليمي الجديد. ويعني ذلك أنه يجب ألا تتأثر المحادثات بتصفية الحسابات حول الاتفاق النووي مع إيران، وعلى وجه التحديد ينبغي ألا يسيطر الخوف على المفاوضين الأمريكيين من أن يصوّر نتنياهو زيادة المساعدات الكبيرة على أنها تثبت صحة نهجه القائم على المواجهة حول الاتفاق النووي. وفي هذه المرحلة، يجب على واشنطن أيضاً الابتعاد عن أي نهج يتسبب في إعادة تقييم أكثر عمقاً للمساعدات العسكرية الخارجية بشكل عام، لأن مصر والأردن وإسرائيل، الدول التي تتلقى 81.5 في المائة من ميزانية التمويل العسكري الخارجي برمتها، قد تشعر آنذاك بأنها مضطرة إلى التنازع بين بعضها البعض للحصول على حصتها من هذه المساعدات.
ديفيد ماكوفسكي
معهد واشنطن