تتوقع مؤسسات مالية ومحللون ماليون أن يتجه سعر صرف الدولار نحو الارتفاع أكثر خلال العام الجاري، مستفيداً من الاضطرابات الجيوسياسية والمالية التي تهدد العالم وتزيد المخاطر لدى المضاربين في أسواق الصرف، كما تضعف في ذات الوقت العملات الرئيسية المنافسة لـ” الورقة الخضراء”، مثل اليورو والإسترليني والين الياباني. وذلك وفقاً لخبير العملات البريطاني توم هوليان في تحليله لسوق الصرف بموقع “باوند استيرلنغ”.
وينظر اقتصاديون إلى أن هذه الظروف تعد جيدة بالنسبة للدولار، الملاذ الآمن الأكبر والمهم، الذي يهرب إليه المستثمرون لحماية ثرواتهم في أوقات الأزمات. وعلى الرغم من التوقعات حول توجه مجلس الاحتياط الفدرالي “البنك المركزي الأميركي” نحو تيسير السياسة النقدية وربما خفض معدل الفائدة الأميركية خلال العام الجاري، إلا أن الرهان الاستثماري على قوة الدولار يتواصل في أسواق الصرف.
وعادة ما يعمل خفض الفائدة ضد قوة الدولار. إلا أن تجار الصرف يبنون حساباتهم على اعتبار تغلب التداعيات الإيجابية لقوة الاقتصاد الأميركي على الآثار السالبة لخفض معدل الفائدة، خاصة في وقت تزيد فيه مخاطر الاقتصاديات الأوروبية والآسيوية.
ومن البيانات التي تدعم قوة الدولار معدل النمو الأميركي القوي، الذي من المتوقع أن تظهر البيانات أنه سينمو بمعدل 3.1% خلال العام الجاري.
وهذا المعدل يفوق كثيراً معدلات النمو في كل من منطقة اليورو المقدر بنحو 1.1%، وفقاً للمراجعة الأخيرة التي أعلنها المركزي الأوروبي، وفي اليابان يبلغ 2.1% وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المالية.
أما العامل الثاني الذي يدعم قوة الدولار فهو انخفاض نسبة البطالة في أميركا إلى أدنى معدلاتها تاريخياً. والعامل الثالث، يتمثل في سياسات ترامب الضريبية التي تعاقب الشركات الأميركية المستثمرة في الخارج وتدعم هجرة الرساميل الأميركية والأجنبية للولايات المتحدة. وهذه الهجرة تساهم في زيادة الطلب العالمي على الدولار.
أما العامل الرابع، فهو الانتعاش القوي لـ”سوق وول ستريت”، مقارنة بأسواق المال العالمية. وقد كسب المستثمرون في سوق المال الأميركي خلال عام 2017 عوائد بلغت 25% من استثماراتهم. ولكن أهم العوامل الداعمة لقوة الدولار تعد المخاطر الجيوسياسية والمالية التي تهدد منافسيه.
على صعيد العملة الأوروبية الواحدة، اليورو، التي يطلق عليها عملة منطقة اليورو وتضم 19 دولة، يستفيد الدولار في سعر صرفه من المخاطر العديدة التي تحيط بالمنطقة التجارية الموحدة. في هذا الصدد يقول البنك المركزي الأوروبي، في تقرير “الاستقرار المالي”، نصف السنوي الصادر خلال الشهر الجاري، إن المخاطر على الموازنات المالية في منطقة اليورو تتزايد على مستويات ديون الشركات والديون السيادية الحكومية. وتقدر الديون التي تحملها محافظ منطقة اليورو بنسبة تصل إلى 86.1% من حجم الناتج المحلي لدول المنطقة، حسب يوروستات.
يذكر أن العائد على سندات الخزانة في دول منطقة اليورو يواصل الانخفاض، إذ انخفض الريع على سندات الخزانة الألمانية “بند” أجل 10 سنوات من 13 إلى 6.5 نقاط أساس مئوية، وفق بيانات البنك المركزي الأوروبي. والسندات الألمانية “بند” يقبل عليها المستثمرون في أوروبا وتعد المقياس لجاذبية المستثمرين الأجانب بمنطقة اليورو.
وفي المقابل فإن المخاطر تتزايد على السندات الحكومية في كل من إيطاليا واليونان، وحتى السندات الفرنسية تواجه متاعب في التسويق بسبب التقدم الشعبي للجبهة اليمينية المتطرفة التي تقودها مارين لوبين في انتخابات البرلمان الأوروبي وتواصل حراك السترات الصفراء.
وحسب تقرير البنك المركزي الأوروبي الصادر هذا الشهر، فإن أي ارتفاع في كلفة الدين الأوروبي سيقود إلى اضطراب حاد في أسواق المال الأوروبية. ويعد هذا هو السبب الذي يجعل المضاربين في سوق الصرف يراهنون على أن المركزي الأوروبي لن يرفع سعر الفائدة في القريب العاجل، وإنما سيعمد إلى تمديد فترة برنامج شراء السندات الحكومية. وهذا العامل يزيد من توقعات ارتفاع الدولار مقابل العملة الأوروبية الموحدة “يورو”.
وأبدى المركزي الأوروبي في تقريره الأخير تخوفه من هروب المستثمرين من سندات منطقة اليورو الضعيفة.
أما بالنسبة لسعر صرف الدولار مقابل الإسترليني، يتوقع محللون أن يستفيد سعر صرف الدولار من الفوضى التي تكتنف مسار “بريكست”، في أعقاب استقالة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. وحسب موقع “باوند استيرلنغ”، البريطاني المتخصص في سعر صرف العملات، فإن من سيخلف ماي في رئاسة الوزراء وكيفية تعامله مع ملف “بريكست” سيحددان سعر صرف الإسترليني خلال العام الجاري.
وربما يكون الين الياباني هو العملة الوحيدة الرئيسية المتوقع أن ترتفع مقابل الدولار على المدى القصير. ويلاحظ أن الين صعد إلى أعلى مستوى في أسبوعين مقابل الدولار أمس الأربعاء، إذ دفعت مخاوف من حدوث مزيد من التصعيد في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين المستثمرين إلى الإقبال على الأصول التي تُعد آمنة.
على صعيد الحرب التجارية، يراهن المستثمرون على أن الإدارة الأميركية تواصل محاصرة الصيني على مستويين، هما عرقلة التمدد التجاري عبر ما يسمّى “مبادرة الحزام والطريق”، وثانياً عبر الرسوم التي أعادت الإدارة الأميركية فرضها على بضائع قيمتها مئتا مليار دولار.
وحتى الآن لا تلوح في الأفق مخاطر من أن الصين ستستخدم سلاح خفض العملة أو بيع السندات الأميركية، وهي الأسلحة التي تتخوف منها الولايات المتحدة.
في هذا الصدد خلصت وزارة الخزانة الأميركية في تقرير صدر مساء الأربعاء إلى أن الصين لا تتلاعب بقيمة عملتها الوطنية، مناشدة العملاق الآسيوي اتخاذ الخطوات اللازمة لتجنب استمرار خفض اليوان.
وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، قالت الوزارة في تقريرها نصف السنوي: “على الرغم من أن الصين لا تكشف عن تدخلها في النقد الأجنبي، فإن وزارة الخزانة تعتبر أن التدخل المباشر من قبل بنك الشعب الصيني “البنك المركزي” كان في العام الماضي محدوداً”.
ولفت التقرير إلى أن قيمة العملة الصينية انخفضت بنسبة 3.8% مقابل الدولار في النصف الثاني من عام 2018، وبنسبة 8% خلال عام 2018 بأكمله.
وتسمح الصين للعرض والطلب بلعب دوره في تحديد قيمة عملتها الوطنية، لكنه من المعروف عنها تدخلها لإبقاء اليوان ضمن هامش ذبذبة معين، وهو ما دفع الولايات المتحدة في الماضي إلى اتهامها بالتلاعب بقيمة عملتها.
وتجري وزارة الخزانة الأميركية تقييماً لجميع الشركاء التجاريين لأميركا، الذين يسجل الميزان التجاري في السلع بين كل منهم والولايات المتحدة فائضاً تزيد قيمته عن 40 مليار دولار سنوياً.
ووضعت الوزارة تسع دول بينها الصين على “قائمة المراقبة الدقيقة”، إلا أنها أكدت أن أياً من هذه الدول لا تتلاعب بقيمة عملتها الوطنية لتحقيق مكاسب غير عادلة. والدول التسع هي: الصين وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وفيتنام.
وكانت الحرب التجارية بين بكين وواشنطن قد أثارت قلقاً في أسواق المال، التي تخوّفت من لجوء الصين إلى استخدام سندات الخزانة الأميركية كسلاح للرد على الرسوم الجمركية، التي فرضتها واشنطن على البضائع الصينية. ويؤثر قيام الصين ببيع السندات على قيمة الدولار، إذ إنه يزيد من معروض أدوات المال المقيمة بالدولار. لكن يستبعد العديد من خبراء المال هذا الاحتمال، لأن الصين ستكون أكبر الخاسرين.
كذلك يرى خبراء، سبق أن نشرت “العربي الجديد” آراءهم، أن الولايات المتحدة ربما ستنظر إلى خطوة بيع كبيرة لسندات الخزانة الأميركية من قبل الصين، كخطوة تهدد أمنها القومي وبالتالي ربما ستعمل على تجميد السندات الصينية.
وبلغت حيازات الصين من السندات في أواخر مارس/ آذار الماضي 1.12 تريليون دولار، بعدما كانت عند 1.32 تريليون دولار في 2013. ويمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم نحو 7% من الدين العام الأميركي القائم، والبالغ 16.18 تريليون دولار، وهي أقل حصة له في 14 عاماً.
العربي الجديد