حذر ناشطون في مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى شمالي العراق) من مخطط يستهدف مدينتهم لمحو تاريخها وإجبار أهالي المدينة القديمة فيها تحديدا على تركها. يأتي ذلك في خضم اتهامات بتعمد عدم إيصال الخدمات الأساسية، ما يجعلها منطقة طاردة لساكنيها.
وتعد المدينة القديمة قلب الموصل، إذ تقع في محاذاة نهر دجلة من الجهة الغربية (الجانب الأيمن للمدينة) وتبلغ مساحتها نحو أربعة كيلومترات مربعة، وتمتد واجهتها على النهر لمسافة ثلاثة كيلومترات.
ويرى الصحفي والناشط الموصلي أحمد الملاح في حديث للجزيرة نت أن قرار محو المدينة القديمة ليس وليد اللحظة، وإنما جاء بعد سلسلة من الأحداث التي محت أبرز معالمها.
ويعتقد الملاح أن السعي لإزالتها لا ينم عن مؤامرة طائفية تجاه الموصل، وإنما يأتي لعجز الحكومة عن إعادة الإعمار، ما يدفعها للتخلص منها باعتبارها مشكلة مزعجة لها.
ويختتم الملاح حديثه للجزيرة نت بالإشارة إلى أن الإهمال هو عنوان مرحلة ما بعد تنظيم الدولة، معتقدا أن سكان المدينة القديمة وخاصة المناطق المطلة على نهر دجلة سيخضعون في النهاية للأمر الواقع وقد تخضع المنطقة للاستثمار.
نفي حكومي
ضجة إعلامية واتهامات متبادلة وتشكيكات أعقبت نشر فيديو يظهر فيه محافظ نينوى منصور المرعيد، وهو يدعو سكان المدينة القديمة لبيع دورهم لاستثمارها في مشاريع حديثة.
من جانبه، دعا عضو مجلس محافظة نينوى حسام الدين العبار في حديث للجزيرة نت إلى أن يكون تعويض أهالي الموصل القديمة من أولويات حكومة نينوى بدلا من البحث عن استثمارها.
العبار أكد أن استحداث أو إلغاء المناطق في المحافظة يقع ضمن صلاحيات المجلس حصرا، معتبرا دعوة المحافظ أهالي المدينة القديمة لبيع منازلهم وممتلكاتهم يأتي ضمن مسلسل المتاجرة بمعاناة أهالي تلك المنطقة.
ويعتقد العبار أنه كان من الأولى بحكومة نينوى المحلية أن تسرع في إنجاز معاملات تعويض الأهالي الذين دمرت العمليات العسكرية منازلهم، فضلا عن وضع التصاميم التي تحافظ على الطراز المعماري للمدينة.
محافظ نينوى منصور المرعيد أكد من جهته في حديث للجزيرة نت أنه قد أسيء فهم تصريحاته بل حرفت كليا، مبينا أن اقتراحه كان يتضمن تشكيل لجان فنية من الدوائر الحكومية والهندسية ذات العلاقة للبحث في إمكانية تعويض سكان المدينة القديمة بوحدات سكنية أو أراض في مناطق أخرى من الموصل، لأجل استثمار تلك المناطق في مشاريع حديثة تفيد اقتصاد الموصل.
ويرى المرعيد أن المتربصين حرفوا كلامه، على الرغم من أن لا أحد يملك سلطة قانونية أو تنفيذية لمصادرة بيوت المواطنين في المدينة القديمة أو إجبارهم على تركها.
رفض شعبي
رافعة يونس، إحدى سكان الموصل القديمة وتحديدا منطقة الميدان المطلة على نهر دجلة مباشرة، ترفض التنازل عن دارها المهدمة أو تسلم أي تعويض عنه.
ولفتت في حديث للجزيرة نت أن دارها دمرت جزئيا خلال المعارك بين القوات العراقية وتنظيم الدولة، إلا أنه بعد استعادة الموصل بالكامل، فوجئت بجرافات حكومية سوت الدور المهدمة بالأرض.
وعلى الرغم من أن معاملة تعويضها عن منزلها (126 مترا مربعا) قد اكتملت، فإن رافعة أكدت أن مبلغ التعويض لم يتجاوز 15 مليون دينار عراقي (12600 دولار)، ولم تتسلمه حتى الآن.
وأضافت أنها ترفض التخلي عن منزلها أو تعويضها بأرض أخرى في الموصل، إذ إن دارها تقع في قلب الموصل على نهر دجلة، وأن قيمة المتر المربع الواحد قد لا تقل عن مليون دينار (838 دولارا).
أما رضوان السيد وهو من سكان المدينة القديمة كذلك، فيرى أن الغاية من عدم إعادة إعمار منطقتهم أو إيصال الخدمات إليها هو وضع الأهالي تحت سلطة الأمر الواقع، إذ سيضطر فقر سكان المدينة القديمة وارتفاع قيمة الإيجارات في الموصل إلى التنازل عن منازلهم لتوفير لقمة العيش.
وقال للجزيرة نت إن السلطات المحلية ودائرة الآثار منعتا الأهالي من إعادة إعمار دورهم على نفقتهم الخاصة.
أهمية تاريخية
وفي السياق، يقول المؤرخ وأستاذ الآثار في جامعة الموصل الدكتور أحمد قاسم الجمعة إن أهمية المدينة القديمة في الموصل تمتد لأبعد من تاريخها الإسلامي والمسيحي، مشيرا إلى أن بذرة المنطقة التاريخية يرجع إلى الألف السادس قبل الميلاد.
ولفت إلى أن الموصل القديمة شهدت ميلاد أول قرية زراعية تحت منطقة (اقليعات) التي نقلت الإنسان من مرحلة التنقل وجمع القوت إلى مرحلة الاستقرار الحضري.
ويشير قاسم الجمعة للجزيرة نت إلى أنه ومنذ عام 2014 تكالبت على المنطقة الخطوب وأضحت ضحية للغرباء وضعاف النفوس، ففُجرت مساجدها وكنائسها، مطالبا الحكومة العراقية بأن تعيدها في أبهى حلة.
وعن الخطط الرامية إلى إعادة رسم المنطقة وتحديثها، أكد البروفيسور قاسم الجمعة أن ما يتعلق بهوية المدينة القديمة ونتاج الأجداد لا يمكن أن تبت به السلطة التنفيذية إلا بعد الرجوع إلى السكان المحليين والمكاتب الاستشارية المختصة.
المصدر : الجزيرة