إسرائيل تواجه صفقة إيران النووية

إسرائيل تواجه صفقة إيران النووية

free-23588962514484455041

تلقت إسرائيل الاتفاق النووي الإيراني وسط أجواء مظلمة تتناقض بشكل كبير مع الاحتفالات واسعة النطاق في الغرب وايران. فقد اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الاتفاق “خطأ فادح بأبعاد تاريخية”، بينما رفضه مجلس الوزراء الإسرائيلي بالإجماع، وانتقدته شخصيات بارزة في المعارضة. وفي هذا السياق، أشارت استطلاعات الرأي التي أعقبت التوقيع على الاتفاق بأن أكثر من 70 في المائة من الإسرائيليين يعتقدون أن الصفقة خطرة وأنها لن تمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.

ومثل هذه الردود ليست مفاجئة، ذلك لأن الإسرائيليين يعتقدون أن المخاطر بالنسبة إليهم أعلى من تلك التي قد تُحيق بأي طرف آخر. وعلى عكس الولايات المتحدة، تعتبر إسرائيل أن إيران ومحورها المتطرف يشكلان أخطر تهديد لأمنها القومي – وهو تقييم يستند مباشرة على أيديولوجية طهران المتطرفة، ودعوتها للقضاء على إسرائيل، وطموحاتها النووية والإقليمية، ووكلائها المدججين بالسلاح على حدود إسرائيل (بمن فيهم «حزب الله» بترسانته من الأسلحة المختلفة التي يُقدر أنها تضم 100,000 صاروخ). كما ولا يعتقد الإسرائيليون أن الاتفاق النووي يدل على تحول جذري في التوجه الاستراتيجي لإيران ويشككون في عزم الإدارة الأمريكية على كبح طموحات النظام الإيراني.

لماذا ينتقد الإسرائيليون الاتفاق النووي

يُبعد الاتفاق من قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة، ويحد من قدراتها [النووية]، ويضع التدابير لتقييد البرنامج النووي ومراقبته بطريقة شاملة ومعمّقة. لذا قد تثبط عزيمة طهران في تجاوز العتبة النووية بتبجح لبلوغ قدرات عسكرية نووية في السنوات القليلة المقبلة، لأن ذلك من شأنه أن يتحدى صراحة أطرافاً دولية رئيسية في اتفاق رفيع المستوى منصوص عليه رسمياً.

لكن اكتساب هذا الوقت والمجال السياسي كان له ثمنه الباهظ. فالاتفاق يسمح لطهران بالحفاظ على بنيتها التحتية النووية وتعزيزقدراتها التقنية النووية بمساعدة دولية. وفي الوقت نفسه، ستتم دعوة إيران من جديد إلى المجتمع الدولي، وسيتم تعزيزها سياسياً ومالياً، ليتم إضفاء الشرعية عليها في النهاية كدولة على حافة العتبة النووية تتمتع برخصة للتقليص من فترة تجاوز هذه العتبة لتقترب من الصفر وذلك بعد خمسة عشر عاماً من الآن، وسط عمليات تفتيش مخففة.

بالإضافة إلى ذلك، إن بعض أوجه النقص في الاتفاق، قد تفسح المجال أمام إيران للوصول إلى أقصى الحدود الممكنة تماماً كما فعلت لسنوات، وتؤدي إلى تخطّي الفترة المحددة لتجاوز العتبة النووية قبل إنتهاء مدة الاتفاق. فقبل السنة العاشرة، سيُسمح لإيران بالقيام بعمليات البحث والإنتاج المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، والاستحواذ على السلع والخدمات ذات الصلة بالأسلحة النووية، وتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل أسلحة نووية. وفي الوقت نفسه، سيستبعد نظام المراقبة والتحقق عمليات التفتيش المفاجئة للمواقع غير المعلنة. إذ يجب أن تُعطى إيران إشعاراً قبل ما لا يقل عن أربع وعشرين يوماً، ويجب على «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إبلاغها مسبقاً عن الغرض من تفتيش مثل هذه المواقع، مما يُعطي طهران ذريعة للمماطلة والوقت لتقوم ربما بإستار معظم الأنشطة النووية، ولا سيما تلك التي لا تشمل المواد الانشطارية أو تجري في المنشآت الصغيرة. إلى جانب ذلك، ستُرفع العقوبات الأشد صرامة في غضون أشهر، مما يزيل نفوذاً كبيراً قبل أن يتم اختبار إيران بما فيه الكفاية. وليس من الواضح إذا كان رفع العقوبات موضع البحث سيكون مشروطاً بقيام طهران بمعالجة كافة دواعي القلق بصورة مرضية، بشأن “الأبعاد العسكرية المحتملة” لبرنامجها، وهو أمر ضروري لقاعدة عمليات تفتيش حقيقية.

وبالنسبة لإيران، يبدو أن الثمن يستحق دفعه. إذ يمكن للنظام، الذي كان حتى الآن حريصاً على عدم المخاطرة [فيما ستسفر عنه] عواقب تجاوز العتبة النووية، أن يرى قيمة وضع طموحاته النووية جانباً بينما يكسب الاعتراف الدولي ببرنامجه ويتمتع بمزايا استعراض القوة كدولة على حافة العتبة النووية، وفي الوقت نفسه يعمل على تعزيز مكانته الإقليمية وتطبيع مكانته الدولية. وبالإضافة إلى تمديد طول أمد حكم النظام، يمكن لهذه المكاسب أن تجعله في وضع أفضل بكثير – سياسياً ومالياً وعسكرياً وتقنياً – لتجاوز العتبة النووية الحاسمة في المستقبل في ظل غياب الضمانات التي تؤكد أنه سيتم ردعه عن ذلك. وفي نظر إسرائيل، هذه مقامرة محفوفة بالمخاطر إلى حد كبير.

وتأخذ إسرائيل على محمل الجد أيضاً النتيجة المحتملة وغير المقصودة لتعاقب الانتشار النووي في الشرق الأوسط. فقد يسعى أي طرف من الأطراف الإقليمية الذي يشعر بأنه مهدداً من قبل إيران ولا يثق بما فيه الكفاية بالضمانات الأمريكية – مثل المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر – إلى الوصول إلى نفس المكانة التي مُنحت لطهران.

إن الآثار الإقليمية للاتفاق هي بنفس الدرجة من القلق [الذي يراود دول  المنطقة]. فتمكين إيران عبر الاتفاق النووي في منطقة الشرق الأوسط – التي هي عبارة عن انهيار عام، و[خارطة من] دول منهارة، و[ميدان من] صراع طائفي عنيف – هو أقرب إلى صب الزيت على النار. فالاتفاق يمثل الشرعية وتحسين المكانة السياسية والوصول إلى الموارد المالية الكبيرة – إلى جانب قيام المصارف الدولية برفع التجميد عن 100 إلى 150 مليار دولار؛ وتقدر الاستخبارات الإسرائيلية أن إيران ستكسب مئات المليارات من الدولارات الإضافية نتيجة رفع العقوبات. ومن المرجح أن تؤدي هذه المكاسب إلى تنشيط أنشطة النظام المزعزعة للاستقرار في المنطقة، التي لا تخضع لسيطرة المسؤولين الإيرانيين الذين وقّعوا على الاتفاق. وتشمل هذه الأنشطة تسليح عملاء شيعة، ولعب الورقة الطائفية الشيعية، ودعم جماعات مصنفة على أنها إرهابية، وتأجيج الفتنة، وإطلاق الهجمات الألكترونية. وبالتالي، فإن تمكين إيران من توسيع دعمها لـ «حزب الله» أو دورها كطرف يسعى إلى إفساد علاقات إسرائيل الهشة مع الفلسطينيين قد يثبت أنه يشكل تحدياً من نوع خاص.

لذلك، فبينما يركز الاتفاق على البعد النووي، لا يمكن لإسرائيل والعديد من جيرانها العرب تجاهل تأثيره المحتمل على سياسات إيران غير النووية. فالاتفاق نفسه يطمس بعض هذه الخطوط، على سبيل المثال من خلال الالتزام برفع العقوبات المفروضة على الكيانات الإيرانية التي تنشط للغاية في عالم الإرهاب (مثلاً، «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» والعديد من المصارف) أو الأسلحة التقليدية. وسيكون لدى إيران المزيد من الأموال والدافع لتسليح نفسها (إلى جانب وكلائها، كما هو موضح أعلاه)، كما أن رفع الحظر على الأسلحة – المفروض من قبل الأمم المتحدة – في السنوات الخمس المقبلة لن يؤدي سوى إلى تفاقم الوضع. وحتى بغض النظر عن إمكانية الانتشار النووي، ستسعى الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية – التي تشعر بأنها مهددة من إيران – إلى امتلاك أدوات ردع تقليدية لمواجهتها، الأمر الذي سيؤدي إلى قيام سباق تسلح متسارع، سيجر إسرائيل إليه لا محالة. ومن جهتها، من المرجح أن تغذي روسيا هذا السباق من الجانب الإيراني، والولايات المتحدة من الجانب الآخر من خلال “تعويض” حلفائها التقليديين.

وفي المرحلة القادمة، تتوقع الجهات الإقليمية الفاعلة قيام واشنطن بتوسيع التركيز الضيق الذي اعتمدته طوال فترة المفاوضات وتبنّي استراتيجية شاملة وحازمة للحد من طموحات الهيمنة الإيرانية. بيد، يشكك الإسرائيليون فيما إذا كانت الأمور ستتغير بمجرد تنفيذ الاتفاق، لأن الولايات المتحدة ستكون مهتمة جداً بنجاح الصفقة وقد تسعى إلى توسيع التعاون مع إيران خارج إطار محاربة ما يسمى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» – وربما تبتعد خلال هذه العملية عن حلفائها التقليديين.

ولعل أكثر ما يثير القلق هو الاعتقاد بأن الأدوات التي تعتمدها واشنطن لإنفاذ القرارات ضد إيران قد تآكلت إلى حد كبير. فهناك توافق واسع في إسرائيل على أنه كان باستطاعة الإدارة الأمريكية تأمين اتفاق أفضل من خلال إبراز رادع أكثرة قوة وإظهار حرص أقل وضوحاً للتوصل إلى اتفاق. لكن بدلاً من ذلك قللت الإدارة باستمرار من قيمة الخيارات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية، ثم طرحت خياراً ثنائياً زائفاً ما بين الاتفاق والحرب. من هنا، سيكون التأثير على إيران أضعف بكثير في الوقت الحالي، لأن الاتفاق يَعِد بـ : رفع العقوبات في وقت مبكر، وتعزيز قدرات الدفاع السيبراني (الفضاء الحاسوبي)، وتعقيد أي برنامج لإعادة فرض العقوبات في المستقبل. وفي الواقع، إن آلية إعادة فرض العقوبات عملية مرهقة ولا تنطبق سوى على الحالات الاستثنائية من الانتهاكات الصارخة (أي حالات غير محددة من “عدم الالتزام الضخم”)، وتتضمن بند إعفاء هو عرضة للتأويل، وتنتهي صلاحيتها بعد عشر سنوات. بالإضافة إلى ذلك، وكما هو الحال في أي أداة إنفاذ، سيتطلب تطبيق هذه الآلية إرادة سياسية، وهي ما يخشى الإسرائيليون أن تكون غير متوفرة بمجرد رفع القيود المفروضة على التجارة وتحديد المسؤولين الغربيين لحجم التهديد الصريح الذي يطرحه عدم الالتزام الإيراني بالاتفاق في حال إعادة فرض العقوبات.

ومن غير المعروف ما إذا سيكون للاتفاق تأثير إيجابي تحولي على إيران على المدى البعيد. فهذا الرهان مبني على آمال عالية. وفي كافة الأحوال، لا يعتقد الإسرائيليون أنه هناك ضمانات كافية إذا ما ساءت الأمور.

التداعيات على العلاقات الأمريكية -الإسرائيلية

إن الواقع الجديد المفروض على إسرائيل سيحد من خياراتها الفورية فيما يتعلق بتسليط الضوء على مخاطر الاتفاق وأوجه قصوره – في الدوائر الدبلوماسية وعلى صعيد الرأي العام وفي الكونغرس الأمريكي – كما سيعزز المصالح المتبادلة مع الجهات الإقليمية الفاعلة الأخرى التي تعارض الاتفاق. لذا، فإن الخطط الهادفة لإحباط البرنامج النووي الإيراني بصورة فعالة، وإن كانت لا تزال قائمة، من المفترض أن تبقى معلّقة ما دامت طهران لا تعزز قدراتها بشكل خطير.

وفي حين يتفق معظم الإسرائيليين حول مخاطر الصفقة، إلا أنه يبرز نقاش سياسي حول أفضل السبل لمعالجة هذه المخاطر، وخاصة على الساحة الأمريكية. إذ يعتقد البعض أن الاتفاق أصبح أمراً واقعاً ومحاربته بشكل مباشر ستنتزع ثمناً سياسياً من إسرائيل في علاقاتها الحساسة مع الولايات المتحدة. فمن وجهة نظرهم، على إسرائيل أن تشرع، عوضاً عن ذلك، في الدخول في حوار هادئ مع إدارة أوباما لتأمين وجود ضمانات وتفاهمات. وعلى العكس من ذلك، يعتقد صانعو القرار وبقوة أن المخاوف الإسرائيلية لا تؤخذ على محمل الجد بما فيه الكفاية – ونظراً إلى المخاطر الكبيرة، فإنهم يرون أنه لا بد من أن يعلو صوت حاسم لا لبس فيه في النقاش العام الحالي، والذي قد يؤدي في النهاية إلى مناقشة جادة للمخاطر.

وإذا ما تم تطبيق الاتفاق النووي فسيتم اختباره على مر السنين، ولكن الأمر سيّان بالنسبة إلى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. ففي الوقت الراهن تتسم العلاقة بين الطرفين بصدام وجهات النظر حول كيفية رؤية العالم، ولكن بمجرد انقشاع الغبار سيترتب على الحليفين مناقشة مخاوف إسرائيل الاستراتيجية بشكل جدي. وعلى وجه الخصوص، ينبغي على كلا البلدين أن يسعيا إلى الوصول إلى أرضية مشتركة لمعالجة نقاط الضعف في الاتفاق، وتجديد الردع وتحسينه ضد سياسات إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار، وتوفير ضمانات حول ما سيحدث حال انتهاء مدة الاتفاق، وتعزيز هوامش إسرائيل الأمنية.

مايكل هيرتسوغ

معهد واشنطن