كارثة أسعار النفط ناقوس خطر يرعب العراقيين

كارثة أسعار النفط ناقوس خطر يرعب العراقيين

الباحثة شذى خليل*

يأتي اضطراب الأسواق بعد انهيار التحالف النفطي بين أوبك وروسيا قبل عدة أيام حيث كانت قد اقترحت منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، بقيادة المملكة العربية السعودية، على روسيا، خفضاً كبيرا في الإنتاج بعد إنتاج النفط اليومي، بهدف إيقاف انخفاض أسعار النفط إثر تراجع الطلب العالمي، خاصة من الصين مع انتشار فيروس كورونا، إلّا أن روسيا رفضت الاقتراح ولم يتوصل الطرفان إلى اتفاق وأدى فشل الاجتماع بينهما إلى صدمة في صناعة النفط، وقال محللون إن المملكة خفضت أسعار بيعها الرسمي لشهر أبريل/نيسان بمقدار 6 دولارات إلى 8 دولارات، في محاولة لاستعادة حصتها في السوق وزيادة الضغط على روسيا.
حيث انخفضت أسعار النفط في الولايات المتحدة الأمريكية بما يصل إلى 27%، إلى أدنى مستوياتها منذ 4 أعوام، ليبلغ سعر البرميل 30 دولاراً، وتقوم السعودية بإغراق السوق بالنفط الخام في محاولة لاستعادة حصتها في السوق، وكان يتداول النفط الخام مؤخراً بنسبة اقل من 22%، حيث بلغ سعر البرميل اقل من 32 دولاراً، ووفقاً للمعطيات، فإن عقود النفط باتت تتجه نحو أسوأ يوم لها منذ العام 1991.

انعكاسات انخفاض أسعار النفط على العراق:
‏ الاقتصاد العراقي سيضرب ضربة قوية خصوصا وانه غير مستعد لهذه الحرب خاصة مع المشاكل الداخلية واضطرابات الشارع وأزمة الحكومة اضافة إلى تداعيات كورونا، مما يضع البلاد على حافة الهاوية، حيث يعتمد العراق على النفط بنسبة تتجاوز الـ 95% في موارده واقتصاده.
مما يزيد الامر سوءا أن العراق أصلاً يبيع نفطه بمعدل أقل من سلة الاسعار العالمية بحوالي 7 دولارات، بمعنى أن سعر البيع لن تتجاوز الـ 18 دولارا، يضاف إلى ذلك أن العراق عليه دفع مستحقات شركات جولات التراخيص والتي تسجل على العراق مستحقاتها في جميع الأحوال وهذه ربما تصل حسب تقديراتنا إلى حوالي 7 دولار للبرميل الواحد.
وبالعودة إلى موازنة العراق لسنة 2020 نجد أن العجز المقدر حوالي 50 تريليون دينار عراقي مقابل سعر برميل النفط المخمن ب 56 دولارا، ولنا أن نتخيل كم ستصل قيمة العجز في حال انخفاض أسعار النفط حوالي 100 تريليون دينار عراقي .

يمكن تلخيص مشكلة الاقتصاد العراقي بأنه اقتصاد ريعي بامتياز باعتماده بشكل يكاد يكون كلي على بيع النفط وتسخير وارداته من الدولار في دفع رواتب ستة مليون موظف ومتقاعد والمتبقي يوزع كموازنات للوزارات والدوائر الخدمية ، وانتقد خبراء النفط ، السياسة النفطية العراقية الراهنة، وجولات التراخيص التي كبدت وستكبد الاقتصاد العراقي المزيد من الانهيار، ولاسيما سياسة التسويق وتحديد الاسعار المتبعة.
أضف إلى ذلك فأنه خلال السنوات الماضية كان استنزاف مزاد العملة المستمر للعملة الصعبة الواردة من بيع النفط كان واحداً من أهم عناصر نخر الاقتصاد العراقي بسبب حجم الأموال التي هربت إلى الخارج (غسيل الأموال) تحت غطاء استيراد سلع استهلاكية رديئة النوع والتي أسهمت بشكل كبير في ضرب الصناعة العراقية وتوقفها بالكامل الذي يعد قادراً على المنافسة، وبدلاً من استخدام تلك الأموال الواردة من تصدير النفط في تقوية الاقتصاد العراقي الداخلي اعتمدت السلطة سبلاً أقل ما يقال عنها أنها مخربة لكل أنواع النشاطات الاقتصادية مما جعل من الميزان التجاري للبلد مع دول الجوار والعالم يكاد يكون صفراً من جهة العراق، حيث تحول العراق إلى سوق مفتوحة لكل أنواع البضائع السيئة الرخيصة والتي تحت غطائها هربت مئات المليارات من دولارات النفط العراقي.

العراق يفتقر بشكل واضح لسياسة نفطية مستقلة، وأنه لم يأخذ موقعه المؤثر كعضو كبير وفاعل في منظمة أوبك، بل أنه لا يزال تبعاً لسياسات ومصالح دول نفطية إقليمية، وهذا الأمر مرده للأسف الى غياب الكفاءات الوطنية النفطية العاملة في قطاع التسويق، وأن شركة النفط المعتمدة “سومو” لا تزال تدار بسياسة ارتجالية، ولا تمتلك استراتيجية واضحة للاستثمار ولا خطط مستقبلية ولا توجد دولة في العالم تعمل بهذه التبعية.
ومن يمثل العراق بهذا المجال لم يكونوا من المختصين ولا خبراء في إدارة السياسية النفطية خارجيا ، والدليل ان العراق لم يضع سياسة سعرية خاصة به، وأنه يعتمد على سياسات التسعير الذي تقوم به السعودية، كما تبين الوثائق والنشرات الصادرة، ولذا فإن العراق يخسر الكثير من قدراته المؤثرة في أسواق النفط العالمية، والتي يجب أن تراعي الظروف الداخلية والانتاجية للعراق، لا أن تعتمد على نشرات الاسعار السعودية التي تصدر، لتقوم هي بعد ذلك بتحديد اسعار البترول، دون النظر الى الفارق الكبير بين شركة آرامكو السعودية التي تعتبر من عمالقة شركات النفط العالمية، وتمتلك رؤية وإستراتيجية خاصة بها، فيما لا يزال العراق يعاني من غياب أية إستراتيجية نفطية حقيقية مع أنه البلد الثاني على مستوى الانتاج في أوبك.

الخبراء اكدوا ان لا معالجات واضحة لدى وزارة النفط العراقية، ولا شركة سومو في هذا التراجع الكبير لأسعار النفط في الاسواق العالمية، وان غياب الوزير عن اجتماعات بهذه الأهمية، يشكل علامة استفهام كبيرة، لاسيما ان الشخصية التي مثلت العراق لم تكن مؤهلة لقيادة تفاوض مع الدول الكبرى المنتجة.

من وجهة نظر الباحثين في مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، الحلول الآنية التي يمكن ان تعمل في مثل هذا الظرف المحرج، وضع حكومة طوارئ وطنية، فرض سلطة الدولة، مركزية القرار والتعاون مع الدول العظمة للتعاون مع الانتربول من اجل استعادة الأموال المسروقة ومحاسبة السراق، وإعادة النظر في السياسية النفطية بأسرع وقت ممكن، وإلغاء عقود التراخيص وإبرام عقود جديدة على أسس مصلحة البلد أولا وعلى أساس سعر البيع، إيقاف مزاد العملة الذي استنزف العملة الصعبة، التنمية الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ضبط المنافذ الحدودية ودوائر الجمرك وتنظيفها من العصابات وربطها الكترونيا مع البنك المركزي ودوائر الضريبة للتأكد من دخول البضائع المحولة أموالها من خلال مزاد العملة، إيقاف المبالغ التي تمول بها الأحزاب والجماعات المسلحة في اليمن ولبنان وغيرها.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية