فى انتظار عودة الكونجرس من الإجازة مطلع سبتمبر، تدور واحدة من أشرس معارك جماعات الضغط فى تاريخ السياسة الأمريكية والتوصيف ليس من عندى ولكنه من الصحف الكبرى التى ترصد المباراة بين الفريق المؤيد والفريق المعارض للاتفاق النووى التاريخى بين الدول الكبرى وإيران. كل الأسلحة مٌشهرة اليوم فى أروقة واشنطن وفى مكاتب نواب الكونجرس فى الولايات الخمسين. الرئيس الأمريكى يجرى اتصالات بالنواب الديمقراطيين من منتجع «مارتا فينيارد» فى الشمال الشرقى ويدعوهم لدراسة الاتفاق جيداً والعودة إلى البيت الأبيض للإجابة على أى أسئلة بشأن الموقف من طهران، فيما يطلب أوباما من النواب المؤيدين أن يعلنوا مواقفهم صراحة لضمان مزيد من الحشد قبل تصويت الكونجرس. يوجد فريقان يتصارعان على تغيير مواقف الرأى العام (المؤيد للاتفاق حتى الآن) ومواقف نواب الكونجرس، الأول يقوده منظمات ترفض الحروب وضد الانتشار النووى ومع الحلول السلمية فى الشرق الأوسط وأبرز الداعمين منظمة «جى ستريت»، فى المعسكر الرافض تقف لجنة الشئون العامة الأمريكية–الإسرائيلية «إيباك» فى مقدمة الصف وتملك فى يدها أكثر من 20 مليون دولار تنفق منها على شركات العلاقات العامة التى تخاطب نواب الكونجرس.
حتى اللحظة، المعسكر المؤيد للاتفاق يتقدم رغم حملة «إيباك» الشرسة فى أوساط الجمهوريين والديمقراطيين والصورة العامة أن إيران تستفيد من شبكة مترامية من المنظمات المعادية للانتشار النووى ومن تمويلات لجماعات مؤيدة للسلام فى الشرق الأوسط، فقيادة الأغلبية الجمهورية التى تنسق مع «إيباك» فى الشيوخ والنواب لا تتوافر لها النسبة المطلوبة فى أوساط الأقلية الديمقراطية لرفض الاتفاق النووى أو مواجهة «الفيتو» الرئاسي.
الحملة الرافضة للاتفاق تلقت ضربة قوية بإعلان نائب يهودى من الدائرة التى تضم أكبر تجمع لليهود فى الولايات المتحدة ( من غرب مانهاتن إلى بروكلين فى مدينة نيويورك) تأييده الاتفاق ليكسر كتلة نواب ولاية نيويورك (أغلبية يهودية) المؤيدة لموقف إسرائيل واللوبى الداعم لها. التصويت على الاتفاق يشكل معضلة كبرى للنواب اليهود وللمؤيدين لإسرائيل على طول الخط، فهم يتنازعون فى ولاءاتهم ما بين دعم المواقف التقدمية للرئيس أوباما بتمريره أو الرفض على خلفية المخاوف التى طرحها بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية ويلح عليها السفير الإسرائيلى فى جولاته المكوكية على مكاتب النواب. هو أصعب اختبار يتعرض له مؤيدو إسرائيل ولسان حال بعضهم أن الموقف لا يمكن أن يخرج عنه صيغة «الكل فائز» التى خرجت بها اتفاقيات أو مشروعات قوانين سابقة لأن هناك طرفا سوف يغضب بشدة فى حالتى الموافقة أو الرفض. أوباما، بنفسه، ومن أجل اختراق كتلة نواب نيويورك، بعث برسالة خطية للنائب جيرولد نادلر يتعهد فيها للمرة الأولى بأن «الولايات المتحدة سوف تحافظ من جانب واحد على الضغوط الاقتصادية ونشر الخيارات العسكرية إذا لزم الأمر لردع العدوان الإيراني، أثناء وفيما بعد الاتفاق النووى المقترح».
بعيداً عن النتيجة النهائية، تقدم مباراة الاتفاق النووى فى واشنطن صورة جلية عن كيفية عمل جماعات الضغط على مستويات عدة سواء داخل الإدارة الأمريكية أو خارجها وكيفية توظيف عناصر متنوعة من جانب الإدارة للتغلب على عراقيل ثقيلة واستدعاء شركاء التحالف السياسى الداعم لتوجهات الرئيس الأمريكى للمساهمة فى تمرير اتفاق يوجد توافقا بشأن غايته بين التيار الليبرالى والتقدمى الذى أسهم فى وصول أوباما للسلطة. ولو حدث وهزم «أوباما» منظمة «إيباك» فإن النتيجة ستنعكس، بالتأكيد، على الانتخابات التشريعية والرئاسية فى نوفمبر 2016 وسيجد الجمهوريون مساحة للتشكيك فى نوايا الديمقراطيين تجاه إسرائيل وسيحاول الديمقراطيون إظهار الوقوف بلا رحمة فى وجه أى انتهاك إيرانى لبنود الاتفاق وهو ما ظهر مبدئيا فى إقامة مكتب خاص فى وزارة الخارجية الأمريكية لمتابعة التنفيذ.
الاتفاق النووى يوفر حالة جيدة لما يسمى «دراسة الحالة» فى صناعة القرار السياسى الأمريكى لأنه يتيح رؤية أوسع فى قراءة خريطة المصالح والتوازنات والحسابات الدقيقة للغاية وقوة اللوبى الموالى لإسرائيل وكيف تٌستدعى منظمات غير حكومية فى مجالات بعيدة عن التأثير المباشر فى صناعة القرار أدوارا عند الضرورة، وكيف يصنع نائب الكونجرس قراره بالتوافق مع تجمعات بعينها فى الكونجرس وتأثير الجالية الإيرانية فى القرار الأمريكي. دراسة الحالة تحتاج إلى ورش عمل ومجموعات للمحاكاة فى مراكز الأبحاث والجامعات المصرية حتى نتعلم من قضية آنية ربما لن تتكرر كثيراً فى صناعة القرار المرتبط بقضية شرق أوسطية داخل الولايات المتحدة.
عزت إبراهيم
صحيفة الأهرام المصرية