غرق بغداد في أولى أمطار الشتاء يلخّص مسار أكثر من 17 سنة من الفشل الحكومي المزمن

غرق بغداد في أولى أمطار الشتاء يلخّص مسار أكثر من 17 سنة من الفشل الحكومي المزمن

تهالك البنى التحتية وضعف الخدمات في العراق يمثّلان أحد الأوجه البارزة لفشل تجربة الحكم القائمة في البلد منذ أكثر من سبعة عشر عاما بقيادة الأحزاب الطائفية، وهما يشكلان سببا إضافيا لانعدام ثقة العراقيين في الطبقة الحاكمة ويأسهم التّام من إمكانية إصلاحها.

بغداد – يستخدم العراقيون وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن سخريتهم المرّة من الواقعين السياسي والاقتصادي، وسط شعور متزايد بأن التغيير قد يكون مستحيلا.

وعلى سبيل المثال، استخدم شاب عراقي برنامج الرسوم والتعديل المُحَوسب فوتوشوب لـ”تعبيد” الشارع الذي يمر من أمام منزل عائلته افتراضيا.

وبعد نشره صورة الشارع المعبد افتراضيا في حسابه على إنستغرام، تعهد الشاب بـ”بناء” مستشفى ومدرسة، في حال تحسنت خدمة الإنترنت في البلاد.

ويُلقي هذا المستوى من السخرية العميقة، الضوء على جوانب من الشعور المتفشي في أوساط الشبان بضيق السبل بسبب احتكار طبقة سياسية فاسدة لجميع موارد العراق وانعزالها عن الناس وهمومهم واحتياجاتهم.

وتترجم حالة هذا الشاب الساخر حاجة معظم العراقيين إلى الخدمات الأساسية اللاّزمة للعيش البشري، كالشوارع المعبّدة والمستشفيات والمدارس، وهي جميعا مرافق تفتقر إليها الغالبية العظمى من مناطق العراق.

ومنذ إسقاط نظام صدام الحسين على أيدي الأميركيين في العام 2003، لم تفلح أي حكومة في معالجة أزمة الخدمات الأساسية من ماء صالح للشرب ومرافق صحية وتعليم وطرق وجسور وسكن وغيرها.

وعندما انهمر المطر قبل أيام على بغداد للمرة الأولى خلال هذا الشتاء، لم يعبأ سكان العاصمة العراقية سوى بتأمين منازلهم من الغرق، لكنهم لم يفلحوا، لأن المياه تسرّبت إلى الكثير منها، بعدما ملأت العديد من الشوارع والساحات بسبب فشل شبكة التصريف في أداء مهمّتها.

وبالرغم من أن أمين بغداد المستقيل منهل الحبوبي حذّر من غرق العاصمة خلال الشتاء بسبب سوء الاستعدادات لموسم الأمطار، إلا أن شيئا لم يحدث، وغرقت بغداد فعلا مع أول موجة أمطار.

لكن الطبقة السياسية الممسكة بزمام السلطة في العراق لا تعرف أكثر من الاستثمار السياسي في جميع المتغيرات، حتى إذا كان الأمر يتعلق بمصائر الناس.

وعلى سبيل المثال، يعتقد نوري المالكي وهو زعيم حزب الدعوة الإسلامية ورئيس الوزراء في العراق بين 2006 و2014، أن موجة الأمطار التي أغرقت بغداد آخر الأسبوع الماضي هي فرصة لإعادة طرح نفسه من خلال التذكير بـ”منجزاته” غير الموجودة سوى في ذهنه.

ويقول المالكي معلقا على الفيضانات في بغداد، إن “إتمام الاتفاقية مع الصين والتي تشكل فرصة تاريخية للإعمار هي من الخطوات والاستراتيجيات التي يجب دعمها والمطالبة بتنفيذها لما لها من أثر في تعظيم موارد الدولة وتحقيق الإعمار والخدمات وتشغيل الشباب والباحثين عن فرص العمل”.

ويضيف المالكي مذكرا بـ”إنجازاته” خلال حقبة إدارته الدولة “كنا قد عملنا على اتفاقيات مشابهة مع كوريا واليابان والصين ضمن قانون البنى التحتية الذي تم تعطيله بإرادة سياسية ولم يحصل على إقرار البرلمان”.

ويستغل المالكي أزمة غرق بغداد لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهو يشير إلى فشل حكومة مصطفى الكاظمي في احتواء الأمطار ويستذكر قانون البنى التحتية الذي طرحه عندما كان رئيسا للوزراء، ويتلخص في التعاقد الآجل مع الشركات الأجنبية لتنفيذ مشاريع تتعلق بالقطاع الخدمي.

لكن المالكي لا يعرض سوى نصف الحقيقة، إذ أن سبب رفض البرلمان العراقي لخطة المالكي في 2012 يتعلق بأن موازنة البلاد كانت انفجارية، وأكثر من قادرة على توفير التخصيصات لمعالجة ملف الخدمات، وبدلا من أن تفعل حكومة زعيم حزب الدعوة ذلك، رأت أن ترهن نفط العراق للشركات الأجنبية التي توافق على العمل في قطاع الخدمات العراقي.

ويُتهم المالكي بالمسؤولية عن ضياع مئات المليارات من الدولارات من موازنات الحكومة خلال السنوات الثماني التي أمضاها على رأس السلطة في البلاد، كانت كافية لبناء دولة كاملة من الصفر.

ويقول مراقبون إن هذا المستوى اللاأخلاقي من التبجّح السياسي يدفع الشبان العراقيين إلى اليأس، فإذا كان المالكي المتهم بإذكاء نزاع طائفي مرير بين الشيعة والسنة وتبديد مبالغ طائلة من المال العام والمسؤولية عن سقوط ثلث أراضي البلاد في أيدي عناصر داعش، غير قابل للمساس حتى بعد مرور 6 أعوام على تنحيه من السلطة، فإن أي حديث يتعلق بتطبيق القانون أو محاربة الفساد أو الإصلاح السياسي والاقتصادي هو مجرد أوهام.

ومع ذلك، يراهن بعض العراقيين على الانتخابات القادمة، المقررة في صيف العام 2021، لإحداث تغيير جزئي، يسمح بوصول بعض المستقلين إلى مراكز القرار.

لكنّ كثيرين يرون أن التغيير الجزئي في العراق غير ممكن، لأن السلطة اعتادت إفساد معظم الذين اقتربوا منها أو احتواءهم أو تحييدهم أو عزلهم، وأحيانا إقصاءهم، من دون أن يتمكن أحد من ترك بصمة واضحة في مجال الإصلاح.

العرب