ظاهرها مساجد ومبان قديمة.. لماذا تثير أملاك الأوقاف في العراق شهية المتنافسين؟

ظاهرها مساجد ومبان قديمة.. لماذا تثير أملاك الأوقاف في العراق شهية المتنافسين؟

يثير ملف الأوقاف في العراق الجدل الشعبي والسياسي، وغالبا ما يكون ساحة للصراع بين الجهات المسؤولة، لما له من أهمية اقتصادية ومالية كبيرة. وتطرح تساؤلات عن أسباب هذا الصراع على أوقاف ظاهرها مساجد ومبان قديمة، إلا أن مختصين يؤكدون أن ميزانية الأوقاف تعادل أو تضاهي ميزانية الدولة.

تاريخ الأوقاف
تاريخ الوقف العراقي قديم، لكنه تم تشكيل عام 1920 وزارة خاصة مستقلة لإدارة شؤون هذه الأوقاف، كما يقول الدكتور رائد أمير الراشد أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة الموصل.

ويضيف الراشد للجزيرة نت أن هذه الوزارة اهتمت بإدارة الموقوفات واستغلالها، لكن عام 1929 ألغي منصب الوزير. وحلت محلها مديرية الأوقاف العامة، مشيرا إلى أنها ارتبطت برئيس الوزراء باعتباره الوزير المسؤول للأوقاف، ومن ثم أعيد تشكيل الوزارة وصدر لها نظام وزارة الأوقاف رقم (25) لسنة 1964.

عام 1966 صدر نظام الأوقاف رقم (18) الذي ألغى وزارة الأوقاف وأصبحت رئاسة ديوان الأوقاف، وأعيد تشكيل الأوقاف بمستوى وزارة مجدداً عام 1976 وفق القانون رقم (78) بحسب الراشد.

وبعد الغزو الأميركي عام 2003، غيّرت الطبقة السياسية الحاكمة الشكل الإداري للأوقاف ليتناسب مع الواقع الطائفي الجديد، بحسب الموظف في هيئة استثمار الوقف السني محمد خالد عبد الهادي.

ويبين عبد الهادي للجزيرة نت أن قرارا صدر مما كان يعرف بمجلس الحكم في 30 أغسطس/آب 2003، ويقضي بإلغاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وحلها، واستحداث دواوين لرئاسات الوقف السني والشيعي ووقف الديانات.

ميزانيات ضخمة
وتشمل أوقاف العراق الكثير من الأملاك، وهي في الغالب ذات النفع المادي، كالبنايات والدور المستأجرة والمدارس، وترتبط بمؤسسات الدواوين المعنية، والوقف الشيعي والوقف السني ووقف الديانات الأخرى، كما يقول رئيس لجنة الأوقاف النيابية حسين اليساري.

ويبين اليساري للجزيرة نت أن عائدات الأوقاف وأصول الأملاك العائدة للأوقاف هي الواردات المالية كما أرادها الواقف، إذ لا يمكن تجاوزها، فكما أنه معروف أن “نص الواقف كنص الشارع” ولا يمكن مخالفته.

وحول أعداد الأملاك الموقوفة وطبيعتها، يعود عبد الهادي موضحا أنها تنقسم إلى أملاك تجارية وسكنية. وتشمل التجارية العمارات والخانات (الفنادق) ومآرب السيارات والمحال والأراضي الوقفية المعدة للاستغلال التجاري، ويبلغ عددها تقريباً 10 آلاف ملك وقفي، أما الأملاك السكنية -بحسب عبد الهادي- فتشمل المنازل والشقق السكنية، ويبلغ عددها نحو 3500 ملك، وتشمل الأملاك الزراعية البساتين والحقول والأراضي الصالحة للزراعة وتؤجر بعقود سنوية طويلة، ويبلغ عددها نحو 3470 ملكا.

ويستطرد عبد الهادي بالقول إن هناك أملاكا أخرى تؤجر إلى الدوائر الحكومية وهيئة النفع العام كالجامعات والمدارس ومآرب النقل والجمعيات الخيرية والإنسانية، ويكون بدل إيجارها قليلا أو رمزيا، ويبلغ عددها نحو 1000 ملك.

اعلان
ويلفت إلى أن هذه الأرقام تشمل أصول الأملاك، ويزيد هذا العدد ويتضاعف إذا ما أخذ في الحسبان الأملاك الكبيرة التي تحتوي على عشرات المحال أو العمارات التجارية ذات الطوابق المتعددة، والأراضي الزراعية التي تغطي مقاطعات كاملة، ويصل مجموع عقود الإيجار التي تنظم من قبل جهة الوقف أكثر من 28 ألف عقد سنوياً، وبوارد شهري يزيد على مليون دولار شهرياً.

وحاولت الجزيرة نت التواصل مع ممثلي الوقف الشيعي من الإعلاميين والإداريين لكنهم امتنعوا عن التصريح لنا، كما رفض مسؤول العلاقات العامة بالوقف الإجابة عن تساؤلاتنا التي تتعلق بأملاك الوقف وحجمها وأوجه الخلاف، قائلا إن هذه البيانات لا يتم التصريح بها من الوقف إلا للمرجعية الشيعية الدينية العليا، وعادة ما ترسل بكتب رسمية سرية إليها فقط، على حد تعبيره.

ويرى أستاذ الحوزة العلمية في النجف الشيخ أسامة آل بلال النجفي أن أغلب الأوقاف الإسلامية “مغتصبة” حيث سلبت عنها مشروعية الوقفية، وبيعت واشتريت واستهلكت من قبل أناس آخرين.

ويضيف النجفي للجزيرة نت أن الكثير من الأوقاف في بغداد والموصل والبصرة والنجف الأشرف، والمدن المتعددة، سُلبت من قبل الحكومات، أو المتنفذين، أو من قبل نفس ورثة الواقفين.

موقوفات ضخمة
من جانبه يوضح بروفيسور الأوقاف الدكتور منهل إسماعيل -في حديثه للجزيرة نت- أن الأوقاف العراقية تعد من أضخم الموقوفات الموجودة في العالم العربي والإسلامي، لما تحتويه من موقوفات كبيرة جدا.

ويشير إلى أن الأوقاف تشمل دور العبادة والمساجد والمراقد الدينية والقبور والأضرحة والمدارس الدينية والكتب والأراضي الزراعية، وغيرها. ويؤكد أنه خلال العهود السابقة كانت الحكومات المتعاقبة تقترض ميزانياتها من أملاك الأوقاف، لافتا بالقول “لو جردت الأوقاف بطريقة صحيحة فإن الأملاك الموقوفة تعادل أو قد تكون أكبر من ميزانية الدولة”.

ويقول النجفي إن الأوقاف الشيعية تنقسم إلى قسمين، أوقاف عامة لعامة الناس، كالمساجد والحسينيات والمدارس الدينية، ويديرها الحاكم الشرعي، بمعنى المرجع الديني. أما القسم الثاني فهي الأوقاف الخاصة، أو ما يعبّر عنها بالأوقاف الذرّية، كأن يوقف شخص دارا على أبنائه وأحفاده من أجل أن تبقى هذه الدار تجمع شملهم ولا تباع، وتكون إدارة الأوقاف الخاصة بيد الموقوف عليهم لأنهم يملكونها ملكا كاملا.

عائدات الأوقاف
وحول صرف عائدات الأوقاف، يقول النائب اليساري إنه في بعض الأحيان تكون العوائد على الأيتام، أو الفقراء، وكذلك البعض على طلاب العلم والمدارس.

ويلفت إلى أن ذلك مرهون بالواقف وتحديده عند وقفه الملك، سواء للفقراء أو المدارس أو طبع كتب القرآن وغيرها، فمُلزم هذا الديوان -السني أو الشيعي- أن يراعي شروط الواقف في كل منشأ أو كل ملك.

وبحسب عبد الهادي، تخضع جميع إيرادات ومصروفات الأوقاف لرقابة ومراجعة ديوان الرقابة المالية الاتحادي، إلا أن هيئة الاستثمار في الوقف السني أخذت السنوات الأخيرة تتوسع في المصاريف الإدارية والتشغيلية حتى باتت هذه المصاريف تستنزف أغلب واردات الأموال الموقوفة.

ويلفت إلى أن ذلك حرم المحتاجين من الإعانات التي كانت تقدم في السابق، وتوقف الصرف على طلبة العلم والمدارس الدينية، وهذا الأمر يعد تعطيلاً لشروط الواقفين ويؤشر لوجود فساد مالي كبير، على حد تعبيره.

خلافات على الأوقاف
ولا يخفى على أحد الخلاف الدائر على بعض الأملاك الموقوفة، لاسيما بين الوقفين السني والشيعي، ويؤكد النائب اليساري أن هناك عدم تفاهم بين الوقفين على بعض الأملاك، وبدأ ذلك منذ حل وزارة الأوقاف بعد 2003.

ويشير إلى أن الحكومات شكلت لجنة لفك وعزل هذه العقارات، وكان لهذه اللجنة لقاءات واجتماعات كثيرة، لكنها لم تستطع حسم كل الخلافات بين الوقفين.

وحول الوثيقة الأخيرة التي وقُعّت من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيسي الوقفين الشيعي والسني، يبين اليساري أنها جاءت لتغيير اللجنة السابقة، ونتيجة لبطء اللجان السابقة بالتنفيذ، وكذلك ليتم حسم الملف الشائك بين الوقفين.

ويدعو اليساري المسؤولين في الديوانين -السني والشيعي- إلى توضيح كل الأمور أمام الشارع العراقي، وعليهم المضي بخطوات جدية لحل هذه الخلافات، والتي فيها إيرادات كبيرة يمكن أن تساهم بشكل كبير في دعم المجتمع والحالات الإنسانية في البلاد.

من جانبه يرى الخبير القانوني طارق حرب أن الاتفاق الأخير بين الوقفين الشيعي والسني تطور لافت، وكان ينبغي على الأخير الرجوع لعلماء الدين في هذه المسألة، لاسيما جامع الإمام الأعظم والشيخ عبد القادر الكيلاني.

جدل تقاسم الأوقاف
ويشير حرب إلى أن الأوقاف، منذ عهود الملكية والجمهورية، كانت أوقافا واحدة تنظّم بالقانون، وكانت هناك وزارة أوقاف.

ويضيف: في تلك العهود كان نادرا ما يتدخل القانون الحكومي في شؤون الأوقاف، لأنها كانت تتخصص في المسائل الدينية فقط، كمراقبة الأموال العامة التي أوقفها أصحابها.

أما الباحث السياسي عمر المشهداني فيرى أن إدارة الأوقاف لا تتعارض بين القانونين الشرعي والحكومي، لكن الإشكالية عندما يكون هنالك تغول من الدولة على الملكيات الوقفية، أو على شرط الواقف، مشددا على عدم جواز أخذ أموال الأوقاف -على سبيل المثال- لوجود حرب، لأنه يستوجب الالتزام بشروط الواقف.

وحول دور القضاء وقدرته على حل خلافات الأوقاف، يعتقد المشهداني -وهو طالب دراسات في مجال الوقف الإسلامي- أنه يمكن اللجوء إلى القضاء، لكن لابد من وجود ضوابط، ولجنة الفك والعزل هي من تحدد هذه الضوابط.

ولا يعتقد المشهداني أن الخلافات الحالية لها علاقة بضعف القوانين، بقدر ما وصفه بأنه ضعف الجانب السياسي لطرف دون آخر.

وعن الخلاف الأخير بين الوقفين السني والشيعي حول تقاسم الأوقاف، يرى المشهداني أن هناك ثغرات قانونية كثيرة، منها أنه “موقّع من قبل شخص لا يمتلك الصلاحية للتوقيع، لأنه ليس رئيسا للأوقاف شرعا ولا قانونا وغير مصوّت عليه، وهو قائم بالأعمال وكالة”.

بالإضافة إلى أن هذه الوثيقة لم تُعرض على مجلس الأوقاف الأعلى والذي يبت بهذه المسألة، بل تم تجاوز ذلك، بحسب المشهداني.

المصدر : الجزيرة