على ما يبدو بدأت الدول الكبرى بالاعلان عن تخوفها من تراجع مؤشرات الاقتصاد العالمي على خلفية التباطؤ في الاقتصاد الصيني ،وهو الامر الذي بدأت الدول جدياً التفكير في حل للخروج من هذا الوضع .
تجددت التخوفات او مايمكن تسميته بالتحدي على لسان الرئيس الاميركي باراك اوباما بالقول أن واشنطن لن تسمح لبلدان مثل الصين أو غيرها بكتابة قواعد الاقتصاد العالمي. وتأتي هذه التصريحات عقب توصل الولايات المتحدة و11 دولة مطلة على المحيط الهادئ إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادي والتي تضم أمريكا واليابان و10 دول أخرى وهو اتفاق تجارة حرة متعدد الأطراف يهدف إلى زيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ . .
وصرح أوباما: “عندما يعيش ما يزيد على 95% من مستهلكينا المحتملين خارج حدودنا، فلا يمكن أن نجعل دولا كالصين تكتب قواعد الاقتصاد العالمي”.
ويضيف أوباما: “ينبغي لنا أن نكتب هذه القواعد، وأن نفتح أسواقا جديدة للمنتجات الأمريكية في الوقت الذي نرسي فيه معايير عالية لحماية عمالنا إلى جانب الحفاظ على بيئتنا”.
ويهدف هذا اتفاق عبر المحيط الهادي الى تحرير التجارة بين الدول الأعضاء عبر إلغاء أغلب الرسوم والقيود المفروضة على حركة التجارة والاستثمار.
يلتقي كبار مسؤولي المال في العالم الأسبوع المقبل في ليما، عاصمة البيرو، في محاولة لتبديد المخاوف التي تحيط بالاقتصاد العالمي، جراء تباطؤ الاقتصاد الصيني، واحتمال تبديل الولايات المتحدة سياستها النقدية.
وفي نفس السياق جاءت توقعات صندوق النقد الدولي منخفضة حول نمو للاقتصاد العالمي خلال هذا العام لتصل إلى 3.1% مقارنة مع توقعاته السابقة في يوليو/تموز عند 3.3%، وبالنسبة لعام 2016 يرى الصندوق معدلات النمو عند 3.6% بأقل من توقعاته السابقة بنسبة 3.8%.
بينما خفض الصندوق توقعات النمو في اليابان إلى 0.6% هذا العام و نمو بنسبة 1% خلال 2016، وبالنسبة لمنطقة اليورو يرى الصندوق نمو بنسبة 1.5% و 1.6% خلال عامي 2015 و 2016 على التوالي.
وقالت كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي في وقت سابق، ملخصة الوضع العام «ثمة اسباب تدعو إلى القلق». وجاء حديثها قبل انعقاد الجمعية العامة المشتركة للصندوق والبنك الدولي مع وزراء المالية وحكام المصارف المركزية في دول العالم الاسبوع المقبل في عاصمة البيرو .
كما نصح صندوق النقد الدولي الدول الناشئة أن تصبح مستعدة لقيام الولايات المتحدة الأمريكية برفع أسعار الفائدة وتضييق سياستها النقدية. و تعكس التوقعات للاقتصاد العالمي ، حالة التشاؤم الذي يلقي بضلاله على الدول الناشئة وفي طليعتها الصين.
وتشير اغلب التوقعات ان الصين امام حقيقة مرة وهي تسجيل اقتصادها ادنى معدلات نموه منذ 25 عاما بسبب تقلبات البورصات العالمية، بالتالي سينعكس هذا التراجع على اسعار الاولية ، من نفط ونحاس والمنيوم وغيرها.
ويشير الخبراء الى انه اذا ما أضيفت الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها روسيا، عندها يتبين ان الدول الناشئة الكبرى وبعدما كانت محرك الاقتصاد العالمي خلال أزمة 2008- هي بصدد ان تصبح عقبة في وجهه، باستثناء الهند. وتلك هي النتيجة التي استخلصتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حين خفضت بقليل توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي في منتصف أيلول/سبتمبر.
وما يزيد من صعوبة وضع الدول الناشئة ان خطرا آخر يهددها، وهو زيادة الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الأمريكي معدلات الفائدة قريبا، وهو ما سيحتل حتما حيزا كبيرا من المناقشات في قمة ليما عاصمة البيرو.
وبحسب المراقبين فأن هذا التغيير في السياسة النقدية الاميركية الذي قد يحصل بحلول نهاية العام قد يدفع المستثمرين إلى إعادة أموالهم إلى الولايات المتحدة وتحويل اهتمامهم عن الدول الناشئة، ما سيحرمها من رساميل جديدة.
و بحسب صندوق النقد الدولي ، فمن المحتمل ان يترتب الثمن الأكبر على شركات الدول الناشئة التي ازدادت مديونيتها بأكثر من اربعة أضعاف خلال عشر سنوات ، وان تضطر إلى الإفلاس، ما سيشدد الضغط على المصارف، وكذلك على الدول ويدخل الدول في «دوامة» بحسب تعبير كريستين لاغارد.
ومن المتوقع من جهة أخرى ان يعطي وزراء مالية الدول العشرين في ليما الضوء الاخضر لخطة عمل كبرى ضد الاستراتيجيات التي تعتمدها الشركات متعددة الجنسيات، بهدف تخفيض ضرائبها وتهريب ارباحها إلى جنات ضريبية.
والنتيجة ان الاقتصادات التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع بكين تسجل انكماشا كالبرازيل، او انها مهددة بالانكماش مثل جنوب افريقيا.
اذن في ظل الظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي وخصوصا مع الازمة التي يعانيها الاقتصاد الصيني نرى بأن هناك تحرك تقوده الولايات المتحدة يهدف الى سحب البساط من تحت ثاني اكبر اقتصاد في العالم “الاقتصاد الصين” وهو خطوة ربما تكون غير مدروسة خصوصا اذا علمنا مدى تعقد العلاقات الاقتصادية الصينية على مستوى العالم .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية