يمثل التعصب، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا مرتبطة بالشرق الأوسط، قوة هدّامة شوهت السياسة والسياسات الأميركية، وجردتنا من القدرة على تقديم قيادة بناءة في أنحاء العالم العربي.
وتصدر مثل هذا التعصب المشهد الأسبوع الماضي، عقب ظهور المرشح الرئاسي الديمقراطي «مارتين أومالي» في مؤتمر القيادة الوطني الذي نظمه المعهد العربي الأميركي في ديربورن بولاية ميتشجين. و«أومالي»، الحاكم السابق لولاية ماريلاند، هو أحد المتنافسين الثلاثة المتبقين في المنافسات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وفي خطابه أمام المؤتمر، تحدث بشغف حول أزمة اللاجئين السوريين وضحايا موجة العنف الأخيرة في القدس. لكن ما بدا مفجعاً هو التعصب الذي أبداه بعض مؤيدي إسرائيل ليس فقط تجاه تصريحات «أومالي»، وإنما كونه أدلى بها في فعالية أميركية عربية.
ولأن «أومالي» كان المرشح الأول الذي يدافع عن قضية اللاجئين السوريين، ولأن اليوم الأول بأكمله في فعاليات المؤتمر كانت مخصصة لأزمة اللاجئين، كان من دواعي سرورنا أنه قبل دعوتنا لإلقاء كلمة افتتاحية. وقبل حديثه، طلب لقاء مجموعة صغيرة من اللاجئين الذين نجحوا مؤخراً في الوصول إلى ميتشجين، ومزح مع أطفالهم واستمع إلى قصصهم وأبدى شغفه بفاجعتهم.
وفي حين تضمن خطابه الرسمي أمام المؤتمر مجموعة من الموضوعات، كان تركيزه على قضية اللاجئين، وكيفية ترحيبنا بهم ومعاملتنا لهم. وأوضح أن القضية كانت ذات أهمية شخصية له، مشيراً إلى أنه أثناء عمله كحاكم ولاية كان يبقي على مكتبه استمارة توقيع تعود إلى عام 1890، مكتوبا عليها «مطلوب مساعدة: الأيرلنديون يمتنعون!»، لافتاً إلى أنها تعتبر بمثابة رسالة تذكير يومية بأننا «جميعاً مهاجرون»، وأن كثيراً من الجماعات، بما في ذلك أجداده، كان عليهم أن يواجهوا التعصب.
ولأن أسرته تغلبت على التمييز والإقصاء، أكد أومالي أنه كان عازماً أثناء عمله كحاكم أن «يجعل الحلم الأميركي حقيقة لجميع الناس». وأثناء توليه المنصب لفترتين، وقع قانون «الحلم» الذي وفر فرصاً تعليمية لنحو 36 ألف طفل من السكان الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية، وذكر أنه استقطب أميركيين مسلمين وعربا للعمل في إدارته.
وبعد ذلك، حوّل «أومالي» تركيزه إلى بلايا التعصب وغياب التسامح وتأثيراتهما السلبية على العرب والمسلمين، منوهاً إلى كيفية دخول الإسلاموفوبيا ورهاب الأجانب إلى الجدل الدائر بشأن هؤلاء الذين فرواّ من أهوال العنف في سوريا. وتعهد بمحاربة ذلك، قائلاً: «لأننا دولة مهاجرين ولاجئين، علينا ألا ننسى ما يعني ذلك لتحقيق حياة أفضل». ثم عاود التأكيد على دعوته للإدارة والكونجرس بقبول 65 ألف لاجئ سوري، واختتم خطابه بتحدٍ قائلاً: «هل سننصت إلى دعاة الحق أم سنغلق الأبواب ونبني الجدران؟».
وأنهى «أومالي» كلمته بإسقاط هذا النهج على أحداث العنف الأخيرة في القدس، وكانت تعليقاته متوازنة ومفادها أنه كفى تشجيعاً لبعض المؤيدين لإسرائيل على اختلاق حالة من الجدل.
ومن أجل فهم تعصب منتقدي «أومالي» ومدى فاجعة الموقف برمته بالنسبة للأميركيين العرب، من المهم قراءة تصريحات الحاكم السابق كاملة:
فقد قال «أومالي»: «مثل الجميع هنا، أشعر بقلق عميق من التطورات الأخيرة في القدس وفي المدن الأخرى في إسرائيل والضفة الغربية».
وأضاف: «لقد فقدنا 50 فلسطينياً في موجة العنف الأخيرة، وكثير منهم صبية، كانت الحياة بأسرها أمامهم، وفقدنا 8 إسرائلييين».
وتابع: «بعض الناس في هذه القاعة لديهم أسر تضررت، وكل الضحايا كانوا أبناء وبنات أو أشقاء وشقيقات أو آباء لأطفال، وجميعهم تركوا أسراً منكوبة بآلام في قلوبهم». واستطرد: «هذا العنف غير المسؤول لا يسفر عن شيء سوى مزيد من المآسي وانعدام الثقة، وعلى كلا الجانبين اتخاذ خطوات لإنهاء العنف ومعالجة أسبابه الأساسية، وعليهما استئناف محادثات الوضع النهائي وإعطاء ذلك الأولوية».
بيد أن رد الفعل على هذه التصريحات كان فورياً ومتعصباً. فبعض الصحف اليمينية واليهودية انتقدت «أومالي» لإشارته أن كلا الجانبين يتحملان المسؤولية عن العنف. وتعرضت حملته إلى ضغوط لـ«توضيح» أو «إنكار» التصريحات. ورغم حقيقة أن تأطير «أومالي» للقضية يتسق مع اللهجة المستخدمة من قبل وزارة الخارجية الأميركية، فإن منتقديه شعروا بالحاجة إلى تعنيف المرشح لإخضاعه بسبب ما اقترفه من أخطأ لا تغتفر بإبداء التعاطف وإلقاء اللوم على كلا الطرفين، ولأنه فعل ذلك أمام جمهور أميركي عربي.
جيمس زغبي
نقلا عن صحيفة الاتحاد