ماذا يجمع بوتين بشي وماذا يفرق بينهما

ماذا يجمع بوتين بشي وماذا يفرق بينهما

موسكو- أصبحت الرحلات الخارجية أمرا نادرا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان من المهم له أن يحظى بمنصب أعلى من المشاركين الآخرين في منتدى الحزام والطريق في بكين يومي 17 و18 أكتوبر. وقد اضطر الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جينبينغ إلى تسمية بوتين ضيف الشرف والاجتماع بـ”صديقه العزيز” لمدة ثلاث ساعات.

ولم يذكر شي “الشراكة بلا حدود” بين الجانبين، وهو الوصف الذي اعتمده خلال زيارة بوتين السابقة عشية الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا في فبراير 2022. ولم تكن الحظوة في الاستقبال كافية لإخفاء عدم التوصل إلى نتائج ملموسة من المحادثات. ولم تتمكن إعادة التأكيد على العلاقة الشخصية بين شي وبوتين من تغطية الاختلاف في وجهات نظرهما حول العديد من القضايا الرئيسية.

وارتبط الخلاف الأكثر وضوحا باقتراح بوتين الذي طال انتظاره لبناء خط أنابيب الغاز “قوة سيبيريا 2” من شبه جزيرة يامال غرب سيبيريا. وتقلّص إنتاج الغاز في روسيا بسبب العقوبات الغربية، التي حدت من الصادرات إلى الأسواق الأوروبية.

ولم تبد بكين اهتماما كبيرا بهذا المشروع الضخم. ولم يتمكن أليكسي ميلر الذي عينه بوتين رئيسا تنفيذيا لشركة غازبروم في 2000، من تقديم خطة عمل مفصلة لرؤيته الطامحة في زيادة إمدادات الغاز الروسي إلى الصين. وليست روسيا جزءا كاملا من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها شي.

◙ الصين ينتابها قلق من سيناريو التصعيد في غزة فيما ترى موسكو فيه فرصة لرفع أسعار النفط وزيادة عائدات الطاقة

ويعني هذا أن حديث موسكو عن نجاح استكمال مشاريع البنية التحتية التي تكمل تدفق الاستثمارات الصينية الهائل إلى آسيا الوسطى يبقى غير مقنع.

وذكر بوتين أن محادثته مع شي تطرقت إلى العلاقات الثنائية كما غطت نطاقا واسعا من الشؤون الدولية مع إيلاء اهتمام خاص للاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط. واتفق الطرفان على وجوب وقف الأعمال العدائية في غزة. لكن الحرب بين إسرائيل وحماس عمقت الخلافات بين موسكو وبكين.

وتسعى الصين إلى أن تكون على نفس المستوى مع إيران والمملكة العربية السعودية، وهما الطرفان الرئيسيان اللذان تستورد منهما النفط. وينتابها قلق من سيناريو التصعيد الأفقي المحتمل للأعمال العدائية المحلية. وأقامت روسيا تعاونا أمنيا أوثق مع إيران خلال العام الماضي. ولا ينظر الكرملين إلى احتمال التصعيد باعتباره تهديدا، بل يرى فيه فرصة لرفع أسعار النفط وزيادة عائدات صادرات الطاقة.

واتفق بوتين وشي على أن عجز واشنطن عن الحفاظ على السلام والاستقرار في النظام العالمي الحالي هو ما سبّب الأزمة العنيفة في الشرق الأوسط.

وتتكدّس الخلافات الخطيرة بين موسكو وبكين في ما يتعلق بالعلاقات مع أوروبا. وتتلخص رؤية شي في جعل القارة وجهة رئيسية على الجزء الجيواقتصادي من مبادرة الحزام والطريق، حتى ولو اختار أغلب زعماء الاتحاد الأوروبي تخطي المنتدى الأخير.

وكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الاستثناء النادر، واستغله بوتين لتسجيل هدف ثانوي في لعبته المتمثلة في زرع الخلاف في الغرب. وشهد هذا النهج مؤخرا انتكاسة كبرى مع نتائج الانتخابات البرلمانية في بولندا، حيث يستعد ائتلاف يسار الوسط لتشكيل حكومة والاندماج بشكل أكثر اكتمالا مع أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين بخصوص السياسة الخارجية. وتعتبر موسكو هذا الموقف عدائيا بطبيعته.

وقال بوتين للصحافيين بعد اجتماعه بالرئيس الصيني إنه أبلغ شي بالنجاحات الروسية “على المسار الأوكراني”. لكن لا يبدو أن تطمينات الرئيس الروسي بددت شكوك بكين.

وتحتفظ أوكرانيا بالتفوق في شنّ عمليات هجومية على ساحة المعركة. وكانت الضربة الأولى التي نفذتها أنظمة الصواريخ التكتيكية العسكرية إم جي إم – 140 أتاكمز التي زودتها بها الولايات المتحدة على القواعد الجوية بالقرب من بيرديانسك ولوهانسك في 17 أكتوبر، أي قبل يوم من لقاء بوتين مع شي، سببا آخر في التشكيك في نبرة الرئيس الروسي المتفائلة.

وتوقف بوتين في وقت متأخر من الليل في مقرّ القوات المسلحة الروسية في روستوف أون دون في طريق عودته من بيرم إلى موسكو. وعقد اجتماعا مع رئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف. ولم تساهم صورة الثنائي الذي ظهر بأوراق فارغة بدلا من الخرائط العسكرية في تعزيز الثقة في جودة التخطيط الإستراتيجي الروسي للحملة الشتوية. ولا يمكن للمواقف الدفاعية الرمزية أن تعوّض عن القدرات غير الكافية.

ويقول بافيل بايف الباحث في المعهد الدولي لأبحاث السلام في أوسلو، إنه في ضوء ذلك لا يوجد أي معنى إستراتيجي لطلب بوتين من الطائرات المقاتلة من طراز ميغ – 31 المسلحة بصواريخ كينجال الباليستية أن تنظم دوريات في البحر الأسود. ويمكن لهذه الصواريخ التجريبية أن تضر مخازن الحبوب الأوكرانية الموجودة بالقرب من موانئ أوديسا، لكنها لا تستطيع حماية أسطول البحر الأسود المتضائل من هجمات الطائرات دون طيار التابعة للبحرية الأوكرانية.

وتراقب الصين باهتمام الانتكاسات البحرية الروسية في البحر الأسود، لأسباب تشمل استيرادها لكميات كبيرة من الحبوب الأوكرانية. ولم يتوقع شي أن يتعلم من بوتين كيفية التعامل مع الابتكارات الأوكرانية التي تغير مسار الحرب في البحر. ويأمل بدلا من ذلك في قياس الدرجة التي يحتفظ بها القائد الأعلى الروسي بالسيطرة الفعالة على توجيه مسار الحرب الطويلة.

ويضيف بايف في تقرير مؤسسة جيمس تاون أن الصين لا تريد هزيمة روسيا، ولكن يجب عليها أن تأخذ في الاعتبار احتمالات تحقيق نجاح أوكرانيا التكتيكي لانفراجة نوعية.

ويتعلق السؤال الكبير بالنسبة إلى بكين وموسكو بمدى استدامة دعم الغرب لأوكرانيا. ويأمل الجانبان في رؤية تآكل كبير في عزيمة الغرب، رغم أن هذه المشاعر أيديولوجية أكثر من كونها قائمة على الأدلة.

ويمكن للرئيسين مواصلة العمل في غرفة الصدى التي تضخّم أحلامهما المشتركة. لكن عدم الثقة المتبادل المتأصل يتوسّع بين موسكو وبكين مع كل اجتماع غير مفيد.

العرب