حروب الإعلام

حروب الإعلام

newspapers2

معارك الإعلام في العالم العربي قبل وبعد ثورات 2011 وتداعياتها ليست غائبة عن المتلقي العادي الذي أصبح يتنقل بين القنوات سواء كانت عربية أو دولية حتى يتعرف على وجهات النظر المختلفة أو التغطية من زاوية كل واحدة، وأصبح الناس إلى حد ما خبراء في الطريقة التي ستتناول بها هذه القناة أو تلك قضية ما والطريقة التي ستطرح بها الأسئلة من أجل جر الإجابات في الاتجاه الذي يتماشى مع خطها التحريري، وإذا خرجت المسألة عن السيطرة، فهناك تعبيرات جاهزة مثل أن الوقت انتهى، أو، وصلت الفكرة، إلى آخر هذه القائمة من الكلمات التي أصبح الناس معتادين عليها.

وفي الإعلام المطبوع فإن التنقل ليس سهلا وعادة ما يختار المتلقي وسيلة معينة سواء كانت صحيفة أو مجلة تتوافق مع هواه، أو يشعر بالراحة مع توجهها التحريري على اعتبار أن الإعلام المطبوع تاريخه أطول وفيه تقاليد في بعض الأحيان أشبه بالقبائل، فقد يرتبط قارئ بمطبوعة معينة مدى الحياة.
كان الزعيم المصري الراحل أنور السادات من المؤمنين بأهمية الإعلام في العملية السياسية إلى الدرجة التي سمى فيها الصحافة السلطة الرابعة بعد السلطات الدستورية المعروفة في أي دولة وهي التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو تعبير مجازي أراد به الإشارة إلى النفوذ السياسي الذي تلعبه الصحافة، وكان يقصد الصحافة المكتوبة، لأن للزعيم الراحل الذي اشتغل في فترة من حياته السياسية في الصحافة معارك وصداقات مع كتاب وصحافيين.
حقيقة الأمر أن الإعلام ليس سلطة فهو ليست لديه أدواتها، ولكنه وسيلة تواصل شديدة النفوذ في التأثير على الرأي العام وتوجيهه، وبالتالي على السلطات التنفيذية، وفي فترات التوتر تزداد أهميته في معارك كسب العقول والقلوب، كما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في مخاطبة العالمين العربي والإسلامي، كما كان إحدى أدوات الصراع الذي أصبح يشبه حربا أهلية فيما بعد التغييرات التي شهدتها جمهوريات عربية في 2011 وأطلق عليها الربيع العربي والآن يسميها البعض خريفا بعد أن تحول بعضها إلى حروب أهلية دامية.
هذا لا يقتصر على العالم العربي، ففي صحيفة «الغارديان» البريطانية أمس تقرير ممتع يشكو فيه المدير السابق للخدمات الدولية لـ«بي بي سي»، وهي الإذاعات والقنوات التلفزيونية بلغات غير الإنجليزية، من أن الإنفاق الروسي والصيني على الفضائيات التابعة لهما والناطقة باللغة الإنجليزية يجعل البلدين يربحان حرب المعلومات الدولية ضد الولايات المتحدة وبريطانيا، مطالبا بزيادة التمويل الذي يبلغ حاليا 245 مليون جنيه إسترليني للخدمات الدولية للهيئة البريطانية. الطريف أن التقرير يشير إلى كم تمنح فضائية روسية بالإنجليزية لمذيعيها أو صحافييها من رواتب وحوافز وذلك كما يبدو ليستفز الـ«بي بي سي» أو السلطات التي كانت تمول الخدمات الدولية.

أصبحت حرب المعلومات جزءا رئيسيا في صراعات القرن الواحد والعشرين سواء الداخلية في المجتمعات أو الخارجية التي أصبحت تدار من وراء شبكات كومبيوتر ويمكن أن تحدث أضرارا تعادل الأسلحة الفتاكة وربما أسلحة الدمار الشامل، وقد ظهر ذلك بوضوح في الأزمة الأوكرانية، أو في انتفاضات 2011 في العالم العربي التي كانت جزءا رئيسيا من أدواتها وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد، كما ظهر في قضية شركة سوني في هوليوود والقرصنة التي تعرضت لها وتناولت رسائل مديريها والأفلام الجديدة، ووصلت إلى درجة تدخل البيت الأبيض للتهديد بإجراء ضد الجهة المشتبه فيها وهي كوريا الشمالية.

البعض يقول إننا ندخل في مياه لم نختبرها من قبل، في حين أن الثابت أن حروب المعلومات كانت دائما جزءا من صراعات وحروب البشرية، فقط اختلفت الأدوات وتطورت وأصبحت شديدة التعقيد وسريعة الانتقال بين أجزاء العالم نتيجة التكنولوجيا الحديثة.

الحل الحقيقي في مواجهة معلومات خاطئة هو مواجهتها بمعلومات مضادة، والتصدي لأساليب نشر الشائعات والارتباك في أي مجتمع بالتوعية ورفع مستوى الوعي المجتمعي، وفي النهاية فإن الناس لها تقييمها، وهو ما يظهر في تحولها عن وسائل إعلامية معينة، أو بوادر التململ العام التي بدأت تظهر من بعض الممارسات الفضائية جريا وراء استقطاب متابعين أو مشاهدين.

علي إبراهيم

الشرق الاوسط

http://aawsat.prod.acquia-sites.com/home/writer/Ali-Ibrahim