خامنئي يكثف وجهة نظره المعادية للولايات المتحدة لإضعاف الرئيس روحاني

خامنئي يكثف وجهة نظره المعادية للولايات المتحدة لإضعاف الرئيس روحاني

خامنئي يكثف وجهة نظره المعادية للولايات المتحدة لإضعاف الرئيس روحاني

في خطابه السادس والعشرين في مدينة مشهد بمناسبة عيد النوروز، كرر آية الله علي خامنئي موقفه المتطرف المناهض للولايات المتحدة، وانتقد ضمناً فريق التفاوض النووي الإيراني لمخالفته بعض الخطوط الحمراء التي وضعها له المرشد الأعلى وانصياعه لضغوط الولايات المتحدة. كما انتقد الرئيس حسن روحاني بصورة غير مباشرة، لأنه أخذ يشير إلى الانتخابات الأخيرة في إيران باسم «خطة العمل المشتركة الشاملة 2» لكي يؤكد الآثار التحويلية لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» الموقعة مع دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» في العام الماضي. ووصف خامنئي مثل هذه اللغة بأنها مؤامرة أمريكية لإدخال فكرة التغيير السياسي في أذهان النخبة الإيرانية، وبالتالي، في عقول المواطنين بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، يشير شعاره المعلن – “مقاومة الاقتصاد: العمل والتطبيق” – حول بدء “العام الفارسي” الجديد إلى أنه سيجعل الأجندة الاقتصادية لروحاني هدفاً للتدقيق غير العادي وانتقادات من المتشددين.

حول تحويل العقيدة الإسلامية الإيرانية

منذ توليه مهام منصبه في عام 1989، يقوم خامنئي بزيارة مشهد، مسقط رأسه وأقدس مدينة في إيران، لإلقاء خطاب احتفالي في اليوم الأول من التقويم الفارسي. وقد صادف خطاب هذا العام في 20 آذار/مارس، وفي كلمته التي دامت خمسة وثمانين دقيقة ركّز المرشد الأعلى على الطابع المعقّد للعداء الغربي، والأمريكي على وجه الخصوص، ضد إيران، ووصف الولايات المتحدة بأنها “عدوة إيران بامتياز”.

وكان الموضوع الرئيسي في الخطاب هو الكيفية التي يحاول فيها العدو استخدام الحيل المتطورة لفرض إرادته على الأمة من خلال الإشارة إلى أن إيران يجب أن تختار بين طريقين هما: قبول ما تريده واشنطن، أو تحمّل المشاكل والضغوط المستمرة التي وضعتها الولايات المتحدة. وأوضح وجهة نظره من خلال شكواه ضد الإيرانيين في النخبة السياسية والطبقة الحاكمة الذين يؤمنون بسذاجة بهذا الإنقسام أو بالأحرى يتعرضون للتخويف بما يكفي من التهديدات الأمريكية لكي يفقدوا ثقتهم بأنفسهم. وأكد أن التوصل إلى حل وسط مع واشنطن ليس مثل المساومة مع أي حكومة أخرى: فـ “التوصل إلى حل وسط مع الولايات المتحدة يعني بالضرورة الإذعان لإملاءاتها. وهذه هي طبيعة [أي] اتفاق مع الولايات المتحدة”. وكمثال على ذلك، أشار إلى الاتفاق النووي: “على الرغم من أننا قد أيدنا «خطة العمل المشتركة الشاملة» وأعلنّا بأننا نعترف بـ [فريق التفاوض الإيراني] ونقدره… إلا أن وزير خارجيتنا الفاضل قال لي في العديد من الحالات ‘ بأننا في هذه المرحلة، لم نستطع أن [نقاوم]، ولم نتمكن من ترقّب هذا الخط الأحمر ‘ … وعندما يكون الطرف الآخر هو الولايات المتحدة … فإن التوصل إلى حل وسط يعني التخلي عن بعض الأمور التي يصر المرء على التمسك بها”.

ووفقاً لخامنئي، من خلال خلق مثل هذه “الازدواجية التي لا مفر منها”، تحاول واشنطن أن تُظهر أنه بينما كان هدف «خطة العمل المشتركة الشاملة» السماح لإيران بالاستفادة من إمكاناتها الاقتصادية الهائلة، فإن الاتفاق النووي ليس كافياً في حد ذاته – يجب على إيران أن تتخطى أيضاً خطوطها الحمراء وتغيّر سياستها بشأن العديد من المسائل الأخرى، مثل التعاون مع خطط الولايات المتحدة لانهاء الفوضى الحالية والعنف في الشرق الأوسط، حيث قال: “كان هناك اتفاق بشأن القضية النووية، وصفناها بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة». والآن هناك حاجة إلى بعض من «خطط العمل المشتركة الشاملة» الأخرى المتعلقة بالقضايا الاقليمية والمسائل الدستورية – «خطة العمل المشتركة الشاملة 1»،  «خطة العمل المشتركة الشاملة 2»، «خطة العمل المشتركة الشاملة 3»، وهلم جرا – لكي نتمكن من العيش بسهولة. وهذا هو المنطق الذي تحاول [الولايات المتحدة] الترويج له لمجتمع النخبة، ومن خلاله للرأي العام”. وفي رأيه، فإن منطقاً كهذا يعني أنه يُطلب من الشعب الإيراني التخلي عن الشريعة الاسلامية والقيم الثورية، بما فيها “قضية فلسطين” والدعم لجبهة “المقاومة” – أي، وقف تقديم الدعم السياسي وغيره “للأشخاص الذين يقعون ضحايا للظلم مثل الشعب الفلسطيني، وشعوب غزة، واليمن، والبحرين، لكي يصبحوا أكثر قرباً إلى ما ترغبه الولايات المتحدة”. ووفقاً لهذا المنطق نفسه، فإن احتجاجات واشنطن ضد تجارب الصواريخ البعيدة المدى والمناورات العسكرية التي تقوم بها إيران تؤدي تدريجياً إلى إثارة قضايا أوسع نطاقاً حول النظام نفسه: “لماذا تم تشكيل «فيلق القدس»؟ لماذا شُكّل «الحرس الثوري الإسلامي»؟ لماذا تقوم سياسات الجمهورية الإسلامية … على أساس الإسلام؟ … ما هو دور «مجلس صيانة الدستور» في المجتمع؟ لماذا يحق لـ «مجلس صيانة الدستور» رفض مشاريع قوانين لعدم تطابقها مع الشريعة؟ … وهذا هو ما وصفتُه عدة مرات؛ إنه تحويل جوهر الجمهورية الإسلامية. يمكن الحفاظ على واجهة الجمهورية الإسلامية، ولكنها تصبح فارغة من محتواها، وهذا ما يريده العدو”.

حول العقوبات النووية والاقتصاد

فيما يتعلق بالاتفاق النووي ورفع العقوبات، قال خامنئي إن الولايات المتحدة امتنعت عمداً وبثقة عن تقديم ما وعدت به. وألقى باللوم على كل من واشنطن وفريق التفاوض الذي عيّنه روحاني على خلق هذا الوضع: “وكما قال وزير خارجيتنا … من خلال وسائل متطورة ومتنوعة منعت [الولايات المتحدة] إيران من تحقيق أهدافها … تجارتنا المصرفية، جهودنا لإعادة ثروتنا من مصارفها، وأنواع مختلفة من الأعمال التي تتطلب خدمات مالية، هذه الأمور بأجمعها لا تزال تواجه مشاكل. وعندما نقوم بالتحقيق في الموضوع، فسيصبح من الواضح أن [المصارف] تخشى من الولايات المتحدة. فقد قال الأمريكيون ‘ نرفع العقوبات ‘. وفي الواقع تم رفعها على الورق. ولكن من خلال طرق مختلفة حاولوا منع عملية تخفيف العقوبات من تحقيق [أية] نتائج”.

وبعد ذلك انتقد خامنئي حكومة روحاني لتضخيمها دور العقوبات في دفع الاقتصاد الإيراني نحو أزمة، والمبالغة في الحديث عن أهمية تخفيف العقوبات في انتشال الاقتصاد من الأزمة: “[قالوا] إذا استمرت العقوبات كما هي عليه الآن، سيحدث هذا وذاك. ولم تحدث هذه الأشياء… ولن تحدث أبداً”. وخلص بأنه نتيجة لذلك، حصل العدو على انطباع بأن العقوبات تضر إيران، وأنه “من خلال استخدام العقوبات كأداة، فمن الممكن الضغط على الأمة الإيرانية”. ثم وضع خيارين للرد على هذه الأداة: “إما علينا أن نتحمل العقوبات، أو علينا أن نقف بحزم مع اقتصاد المقاومة”، وهي الاستراتيجية التي كثيراً ما أعلن عنها وتتمثل بقطع إيران عن الاقتصاد العالمي بحيث تصبح مكتفية ذاتياً من أجل مقاومة الضغوط الخارجية.

لقد استخف خامنئي بما فعلته حكومة روحاني حتى الآن لتنفيذ اقتصاد المقاومة، داعياً جهودها “أولية” و “غير كافية”. ولمعالجة هذه المشكلة، طلب من الحكومة دعوة الاقتصاديين المتشددين للانخراط في العملية لأنهم يعرفون الآليات التي من شأنها أن تساعد إيران على زيادة إنتاجها الوطني – وهؤلاء المتشددين هم الشخصيات نفسها التي غالباً ما تنتقد فريق روحاني. كما قدّم عشر نقاط من المشورة المتعلقة بالسياسات الاقتصادية للحكومة (على سبيل المثال، دعم الصناعات الصغيرة)، معلناً بأنه من شأن هذه الإجراءات أن تجعل إيران قوية إلى درجة بحيث تكون معزولة ضد التهديد بفرض عقوبات. وقال، “نحن لسنا في حاجة إلى التخلي عن مبادئنا وقيمنا لكي [نثني] أمريكا عن فرض عقوبات علينا”. وأضاف “اذا كان هناك اقتصاد المقاومة، فلن يكون للعقوبات التي يفرضها العدو تأثير ملحوظ”.

حول رسالة أوباما في عيد النوروز

لقد وجه خامنئي أيضاً كلمات قاسية رداً على “الرسالة” السنوية للرئيس أوباما “إلى الشعب الإيراني، في عيد النوروز” التي نُشرت في 19 آذار/مارس: “عندما أقول العدو، أعني حكومة الولايات المتحدة. وأنا أقول ذلك بصراحة. من الواضح أنهم يقولون نحن ليس عدوكم… بعثوا برسالة في عيد النوروز وأظهروا تعاطفهم مع شبابنا، أو أنهم رتّبوا عرض نوروز تقليدي في البيت الأبيض. حسناً، إن هذا كخداع طفل صغير. لا أحد يؤمن بمثل هذه الأمور. فمن ناحية، هم يحافظون على العقوبات … وهو العداء الخالص، هم يهددونا، وهو العداء الخالص … ومن ناحية أخرى يقيمون عرض نوروز تقليدي في البيت الأبيض، أو يقولون في رسالتهم في عيد النوروز “نحن لصالح توظيف الشباب الإيراني. لا أحد يصدق مثل هذه الامور “.

واستمر خامنئي في تحديد خصائص الخداع الذي يقوم به العدو من خلال وصف الكيفية التي قام بها الأمريكيون “بخداعنا” في أعقاب «خطة العمل المشتركة الشاملة»: “هم يهددون بفرض عقوبات أخرى … فوزير الخزانة الأمريكي يعمل بجد ليلاً ونهاراً لمنع الجمهورية الإسلامية من الحصول على فوائدها من «خطة العمل المشتركة الشاملة» … سيتم تغيير الإدارة الحالية في أعقاب الانتخابات بعد سبعة أو ثمانية أشهر [من الآن]. ليس هناك ما يضمن أن الإدارة المقبلة ستنفذ التزام الولايات المتحدة بما تقوم به الإدارة الحالية حتى على نطاق صغير. وحالياً، يتنافس المرشحون وحملاتهم مع بعضهم البعض حول قول أشياء سيئة عن إيران”. إن الغرض من هذا الخطاب هو إثبات ادعائه بأن الولايات المتحدة هي العدو الرئيسي لايران، رغم ما قد يعتقد الكثير من الناس الذين يحيطون بالرئيس روحاني أو خارج الحكومة.

المحصلة

في حين أنه ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن آية الله خامنئي سيجبر إيران على وقف الامتثال للاتفاق النووي في المستقبل القريب، إلا أن خطابه الأخير يمكن أن يمهّد الطريق نحو تبرير مثل هذه الخطوة، لا سيما إذا كانت السلطات الإيرانية تقارن بين تكاليف وفوائد ابتعادها عن «خطة العمل المشتركة الشاملة». أولاً، من خلال استشهاده بما قاله مباشرة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فإن المرشد الأعلى قد اتهمه أساساً – وبالتالي، الرئيس روحاني – بتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها النظام في المفاوضات. ثانياً، قال إن الولايات المتحدة لا تمتثل لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»، وأكد أن العقوبات لن تكون ضارة إلى الحد الذي ادعاه روحاني وأنصاره، وأعلن أن الطريقة الوحيدة لاحتواء تهديد فرض العقوبات هي تجنب التوصل إلى حل وسط مع الولايات المتحدة وتعزيز اقتصاد المقاومة. وفي رأيه، إن الهدف النهائي من المفاوضات والاتفاقات هو تحويل طبيعة الجمهورية الإسلامية والسماح للولايات المتحدة بفرض إرادتها على إيران.

يقيناً، إن العديد من هذه العناصر – التي تنتقد بقوة مفهوم التوصل إلى حل وسط مع الولايات المتحدة، وتتهم واشنطن بالسعي لتغيير النظام، وتتحول ضد الرؤساء الإيرانيين، وتدعو إلى اقتصاد المقاومة – ليست شيئاً جديداً لخامنئي. بيد، تُظهر اتهاماته الأخيرة نفوراً قوياً وصريحاً على وجه الخصوص لجهود حكومة روحاني بشأن القضايا النووية والاقتصادية، وهو ما يعني على الأرجح أنه لن يعطي بعد الآن رخصة للرئيس لمتابعة أجندة أكثر ميلاً للمصالحة في الداخل أو في الخارج. وكثيراً ما يستخدم روحاني مصطلح “«خطة العمل المشتركة الشاملة 2»” للإشارة إلى تغيير في القضايا غير النووية كنتيجة لنجاحه في المفاوضات النووية. وفي الواقع، استخدمه قبل ساعات قليلة من خطاب خامنئي في رسالته الخاصة في عيد النوروز، في إشارة الى الانتخابات التي جرت الشهر الماضي بأنها “«خطة العمل المشتركة الشاملة 2»”. ومثل هذا الصراع المفتوح مع مواقف المرشد الأعلى سيجعل التحضير للانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2017 صعباً جداً بالنسبة لروحاني. وسوف يفسر المتشددون خطاب خامنئي كإعطاء ضوء أخضر آخر لتصعيد هجماتهم على الرئيس، لا سيما من خلال تكثيف انتقاداتهم لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»، باتهامهم فريق روحاني بالسذاجة أو عدم الكفاءة في تنفيذ اقتصاد المقاومة، وخلق مشاكل شتى للحكومة في مجالات مختلفة من أجل تقليص قاعدة السلطة الاجتماعية التي يتمتع بها روحاني.

مهدي خلجي

معهد واشنطن