منظمات الإغاثة بين هاجس الدور الإنساني وضغوط الحكومات

منظمات الإغاثة بين هاجس الدور الإنساني وضغوط الحكومات

تحوّل عمال الإغاثة في مناطق النزاعات المسلحة والأزمات بسبب تواجد حركات التمرد والجماعات الإرهابية، من ملاذ للمتضررين إلى ضحايا لعمليات القتل والاختطاف وسرقة المساعدات، بل والاحتجاز التعسفي على يد الحكومات.

وكشف تقرير دولي حول أمن عمال الإغاثة في عام 2016 أن مناطق النزاع الأكثر كثافة من حيث الهجمات ضد الإغاثة هي: أفغانستان، الصومال، سوريا، اليمن وجنوب السودان.

وتشهد الدول الأربع الأولى تصاعدا للعامل الديني في النزاع يدعمه تواجد للجماعات المتطرفة على اختلاف انتماءاتها الدينية المتطرفة، مثل حركة طالبان، جماعة شباب المجاهدين، وتنظيم داعش والقاعدة ومستنسخات كل منهما.

وتعاني الدولة الخامسة حربا أهلية ذات أبعاد إثنية وعرقية خلفت وراءها، ليس فقط عشرات الآلاف من الضحايا، وإنما أيضا مقتل 82 عامل إغاثة منذ نشوب النزاع في ديسمبر 2013، بحسب ما ذكرته الأمم المتحدة في أبريل الماضي.

ويتعرض عمال الإغاثة لضغوط متعددة من الحكومات في دول أخرى خشية التسييس تارة، أو الضغط على الأطراف المتنازعة تارة أخرى. وكانت السلطات التركية قد احتجزت 15 موظفا تابعا للهيئة الطبية الدولية في أبريل الماضي، وطردت أيضا منظمة ميرسي كور الإنسانية، وتعمل المنظمتان على إغاثة السوريين انطلاقا من أنقره التي تخشى من أن تشكل تلك الأنشطة الإغاثية دعما للأكراد سواء داخل تركيا أو سوريا.

ويقع استهداف عمال الإغاثة وسرقة مساعدتهم في مناطق النزاع بسبب توظيف أطراف الصراع لتلك المساعدات بهدف دعم مدنيين خاضعين لهم، بما يجعل المتمردين يركزون أكثر على العمليات العسكرية، ومنع الأطراف المتنافسة الأخرى من الاستفادة من المساعدات، وجلب عوائد مالية من خلال اختطاف عمال الإغاثة كرهائن والمطالبة بفدية.

وتخشى أطراف الصراع من أن تمثل بعض المنظمات الإنسانية شاهد عيان على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لا سيما وأن بعض المنظمات مثل أطباء بلا حدود ترفض الصمت، وتدين علانية أيّ انتهاكات لأطراف الصراع كما في اليمن وميانمار وسوريا وغيرها، على عكس منظمات أخرى مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تفضل الصمت كي تتمكن من إيصال المساعدات دون عوائق من السلطة أو المتمردين.

ووضع الجهاديون التدفقات الإنسانية الأجنبية في نطاق الحرب وما تفرضه من مواجهة، وكانت نقطة التقاء أيديولوجي مشترك بين عدة جماعات متطرفة.

وعبر هذه النظرة الاختزالية التي لا تفرق بين حكومات وعمال إغاثة مدنيين، ينظر الجهاديون إلى المنظمات الإغاثية الأجنبية على أنهم ظهير مدني منحاز للدول المحاربة، وبالتالي ينزعون عنهم الحماية التي أوجبها الإسلام للمدنيين في الحروب.

تخشى أطراف الصراع من أن تمثل بعض المنظمات الإنسانية شاهد عيان على انتهاكاتها لحقوق الإنسان

وأدى ذلك إلى استهداف عمال الإغاثة بدعوى إما أنهم مبشرون أو جواسيس أو داعمون بشكل غير مباشر للمجهود القتالي للدول الغربية، فمثلا بررت حركة طالبان في أفغانستان قتل المدنيين ومنهم عمال إغاثة غربيون في رسالة إلى الأمم المتحدة عام 2012 بأن الصفة المدنية نزعت عن هؤلاء لأنهم يشاركون في إطالة أمد الاحتلال الأجنبي.

كما أن هناك مصادر أخرى أسهمت في تغذية الخطاب العدائي للجهاديين تجاه الإغاثة الأجنبية، فتاريخيا ارتبط الاستعمار الغربي في أفريقيا بالتبشير بالمسيحية التي مارسته الكنائس العالمية، جنبا إلى جنب مع تقديم المساعدات الإنسانية للفقراء في القارة السمراء. بخلاف حالة الخلل الراهن في موازين القوى بين الغرب والعالم الإسلامي، والتي جعلت من الأول مهمينا على تمويل المساعدات الإنسانية المتدفقة إلى الثاني في مناطق الصراعات.

وتم استغلال هذا الخلل من قبل بعض القوى الغربية لتحقيق أهدافها السياسية في مناطق الصراعات، كالعراق وأفغانستان وسوريا وغيرها، بما أثار حفيظة المنظمات الإنسانية ذاتها، حتى أن إحدى الوقائع التاريخية الشهيرة لمنظمة عالمية، كأطباء بلا حدود والتي أدانت في بيان لها عام 2004 المنشورات التي كانت توزعها آنذاك قوات التحالف الغربي في جنوب أفغانستان، وتخبر فيها السكان المحليين بأن تقديم معلومات عن حركة طالبان وتنظيم القاعدة يشكل أمرا ضروريا، إذا ما كانوا راغبين في استمرار وصول المعونات، الأمر الذي يقوّض مبدأ الحياد الإنساني، ويعرض عمال الإغاثة للهجوم.

وتعرض العمل الإغاثي الإسلامي إلى اتهامات بتمويل أنشطة إرهابية خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ما وفر ذريعة للجهاديين في التشكك في عدم حيادية الإغاثة الأجنبية.

وإذا قبلت الجماعات الجهادية بدخول المساعدات الأجنبية إلى السكان المحليين، فهي تسعى لفرض نموذج ديني عليهم. فمثلا ألزمت جماعة شباب المجاهدين في الصومال المنظمات الإنسانية الأجنبية في منطقة باي وباكول غرب مقديشو بعدم توظيف النساء في صفوفها، وعدم رفع شعاراتها أو الاحتفال بعيد الميلاد أو غيرها.

وتكرر الأمر ذاته مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عندما أدخلت مساعدات إلى مناطق عراقية كانت تخضع آنذاك لسيطرة تنظيم داعش عام 2015، حيث تم فرض شروط منها، إزالة شعارات اللجنة. ولا يختلف الأمر في حالة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي الذي برر قتله لعامل إغاثة أميركي في موريتانيا عام 2008 بأنه رد على الهجمات الأميركية تجاه باكستان وأفغانستان.

ولم يمنع عداء الجهاديين تجاه الإغاثة الأجنبية وعمالها، من محاولات لاستغلال المعونات الإنسانية لدعم مواردهم وعلاقاتهم مع البيئات المحلية الحاضنة، مثلهم في ذلك مثل المتمردين في نزاعات لها خلفيات إثنية.

د.خالد حنفي علي

صحيفة العرب اللندنية