البابليون ابتكروا علم المثلثات وسبقوا فيثاغورس إلى نظريته بألف عام

البابليون ابتكروا علم المثلثات وسبقوا فيثاغورس إلى نظريته بألف عام


لندن – ابتكر البابليّون القدماء نظاما لعلم حساب المثلثات أكثر تطورا من النظريات الهندسية المعاصرة، في زمن يسبق تأسيس علماء اليونان لحساب المثلثات بأكثر من ألف عام.

وكشفت دراسة أعدها أساتذة في جامعة جنوب ويلز البريطانية أن الاكتشاف الجديد مرتبط بلوح من الطين عمره 3700 عام، غُطي وجهه العلوي بجدول أرقام.

وأطلق العلماء على لوح الطين اسم “بليمبتون 322″. وقال فريق البحث الذي عمل عليه إن البابليين توصلوا إلى أبعاد “نظرية فيثاغورس″ للمثلثات قائمة الزاوية، قبل إثبات الفيلسوف اليوناني للنظرية، التي حملت اسمه لاحقا.

كما كشف الباحثون أيضا أن البابليين أسسوا شكلا مركبا جدا من حساب المثلثات، وهو نظام حسابي يقوم على وصف زوايا المثلث، الذي يشكل حجر زاوية لأجيال متعاقبة من طلبة المدارس ويعد ركنا أساسيا في العلم الحديث.

وتقع مدينة بابل جنوب العاصمة العراقية بغداد. ويرجح عالم الرياضيات الدكتور دانيال مانسفيلد أن البابليين طوروا هذا النظام الهندسي المعقد من أجل مساعدتهم في عمليات تشييد لم تتوقف في المدينة. واشتهرت بابل بالحدائق المعلقة التي تعد واحدة من عجائب العالم السبع.

ويقول مانسفيلد، الذي شارك في البحث، إنهم اكتشفوا “جدولا حسابيا غير متعارف على طريقة تركيبه في العصر الحالي، ويبدو أكثر تقدما من نظريات حساب المثلثات الحديثة”.

وأضاف “اكتشفنا هذه الخطوط التي تمثل قياسات سلسلة من المثلثات قائمة الزاوية، تتراوح أشكالها بين المربع وحتى الخط المستقيم. هذا يجعل من بليمبتون 322 أداة قوية، من المحتمل أنها كانت تستخدم في مسح الحقول وإجراء الحسابات الهندسية لبناء القصور والمعابد والأهرامات المدرجة”.

دروس قديمة تصلح لعصرنا الحالي
وعلى ما يبدو فإن نظام الحساب الذي وضعه البابليون مكنهم من إجراء معادلات حسابية معقدة بسلاسة أكبر من الرياضيين المعاصرين ووضعوا الأسس لحسابات الجيب والجيب التمام والظل لزوايا المثلث القائم.

ويقول مانسفيلد “مقاربة البابليين الفريدة لعلمي الحساب والهندسة تعني أن هذا ليس فقط أول جدول حساب مثلثات في التاريخ، ولكنه أيضا جدول حساب المثلثات الأكثر دقة إلى الآن”.

وكان مانسفيلد يتحدث خصوصا عن الكسور العددية. فعلى سبيل المثال إذا تم اعتماد النظام العشري (أساس العد إلى 10)، فسيتم الحصول على كسرين صحيحين فقط هما النصف (0.5) والخمس (0.2). أما إذا أريد استخراج الثلث مثلا من العدد 100، فسيكون الناتج هو 33 بالإضافة إلى كسور عشرية غير صحيحة أخرى، ولن يكون الناتج رقما صحيحا، وهو ما يؤثر حتما على دقة النتائج النهائية لأي معادلة رياضية.

لكن البابليين لجأوا إلى الحساب معتمدين على النظام الستيني (أساس العد إلى 60)، بالضبط كما نفعل نحن الآن لحساب الوقت. ويمكن استخراج عدة كسور صحيحة من القياس 60 بسهولة. فثلث الساعة مثلا هو 20 دقيقة، وربعها هو 15 دقيقة، وهكذا.

وعبر هذا القياس، تمكن البابليون من إجراء معادلات حسابية لا تتضمن نتائجها أي كسور عشرية غير تامة، ومن ثم تجنبوا الوقوع في أي أخطاء عند الحصول على حاصل ضرب هذه الأعداد في أي معادلة حسابية محتملة.

ويقول مانسفيلد إن النظام البابلي “ربما يضم بعض الدروس التي علينا أن نتعلمها في زمننا المعاصر”.

وأكد “في ظل هذه الدقة الحسابية، نعتقد أن هذا النظام من الممكن أن يتم استخدامه على نطاق واسع اليوم في عمليات المسح الأرضي وفي أجهزة الكومبيوتر وفي مناهج التعليم”.

واكتشف اللوح بليمبتون 322 في جنوب العراق في أوائل القرن العشرين بواسطة عالم الآثار والدبلوماسي وتاجر القطع الأثرية إدغار بانكس، الذي ستصبح الشخصية الرئيسية في فيلم “إنديانا جونز″ لاحقا مستوحاة منه.

ويضم الجدول أعدادا كتبت باللغة المسمارية في 4 أعمدة و15 صفا أفقيا. ويقول مانسفيلد إن اللوح الطيني يوضح أن النظام كان “أشبه بالرواية الحسابية” المعتمدة على النسب، أكثر من اعتمادها على المثلثات والدوائر، كما يحصل اليوم. وتعكس هذه الطريقة في العمل عبقرية واضع هذا النظام.

لكن هناك مشكلة واجهت الباحثين خلال دراستهم للّوح، وهي أن جزءا منه من جهة حافته اليسرى مفقود. وقدم فريق العمل أدلة حسابية تؤكد أن لوح بليمبتون 322 كان يضم في الأصل 6 أعمدة بدلا من 4، وأنه حوى 38 صفا أفقيا، بدلا من 15 صفا فقط.

العرب الندنية