لم تكن المملكة العربية السعودية راضية عن السياسات التي تنتهجها إيران في اليمن، ولذلك عمدت المملكة إلى مواجهة الأوضاع في صنعاء بشيء من الحزم، خاصة في ظل تقدم الحوثيين نحو مقر إقامة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، في عدن، لذلك فقد تحيّنت الرياض اللحظة المواتية، لتشن عمليتها العسكرية في اليمن تحت مسمى “عاصفة الحزم”، بناءً على طلب من الرئيس اليمني من أجل حماية الشرعية الدستورية والمسار الذي رسمته المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية.
ومن المثير للأهمية في هذا الصدد، إعلان كلٍّ من باكستان وتركيا عن تأييدهما للعملية العسكرية التي تشنها الرياض، مما أدى إلى خروج عدد من التحليلات التي تدفع في اتجاه ولادة تحالف إقليمي جديد أو بالأحرى “محور سني” لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
أولًا- مظاهر التحالف الجديد
فقد أعلنت القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة عن تأييد العملية، فمصر على سبيل المثال، لم تؤيد العملية فقط بل شاركت فيها من خلال القوات الجوية المصرية والبحرية، حيث تشارك 16 طائرة مصرية في العملية، كما تحركت قطع بحرية مصرية متجهة إلى مضيق باب المندب، وقد صرح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بأن القاهرة مستعدة للتدخل بريًا إذا لزم الأمر، ويعد هذا الموقف المصري الواضح نابع من رؤية القيادة السياسية المصرية، والتي ترى دائمًا أن الأمن القومي المصري يمتد من أمن الخليج العربي، وهذا ما أشار إليه الرئيس، عبد الفتاح السيسي، في تصريحاته بشأن عملية عاصفة الحزم. وكذلك التحركات المصرية الحقيقية لإنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات التي تواجه الدول العربية، وهو القرار الذي وافق عليه وزراء الخارجية العرب، وسوف يعرض على القمة العربية المنعقدة في شرم الشيخ. أما باكستان فأعلن رئيس وزرائها، نواز شريف، عن وقوف إسلام أباد إلى جانب المملكة العربية السعودية لمواجهة أية تهديدات تواجهها، كما أعلنت السعودية عن مشاركة باكستان في عاصفة الحزم، بينما تركيا، فقد كان موقفها واضحًا في دعم العملية مع استعدادها الواضح لتقديم الدعم اللوجستي لها، كما صرح بذلك رئيس الدولة، رجب طيب أردوغان.
يأتي ذلك بالتزامن مع عدم رضاء تلك الدول عن السياسات التي تنتهجها إيران في المنطقة، فتركيا ترى أن السياسة التي تنتهجها إيران في المنطقة خاطئة، وأنه يجب عليها أن تراجع سياستها وأن تسحب قواتها من اليمن والعراق وسوريا، لأن محاولات سيطرتها على المنطقة وقيادتها أمر غير مقبول تمامًا، وتشاركها في ذات الرأي كل من مصر وباكستان، بحسبانهما محوريين سنيين أيضًا، لن يرضيا بالهيمنة الإيرانية الشيعية على المنطقة العربية، لكي تعيد طهران أمجاد الدولة الفارسية.
وفي هذا الإطار تببغي الإشارة إلى حدوث مفاجأة غير مسبقة من دخول باكستان على خط المواجهة مع إيران، والإعلان عن مشاركتها في عاصفة الحزم، واستعدادها للدفاع عن أي هجوم تتعرض له المملكة العربية السعودية، ويمكن إرجاع ذلك إلى عدد من الأمور؛ يأتي في مقدمتها قيام السعودية بتمويل البرنامج النووي الباكستاني والوقوف إلى جانب إسلام أباد في حربها ضد الهند، فضلًا عن التعاون العسكري والأمني بين البلدين، ففي يوم السبت الموافق 21 مارس 2015، وصلت وحدات خاصة من الجيش الباكستاني إلى مطار الطائف الإقليمي للمشاركة في تدريبات مشتركة مع القوات البرية السعودية في إطار تمرينات “الصمصام” للتدريب على الحرب في المواقع ذات الطبيعة الجبلية الصعبة، ويرى البعض أن الموقف الباكستاني الداعم للرياض هو نوع من رد الجميل للمملكة، خاصة في ظل تمويل المملكة لبرنامجها النووي.
ثانيًا- دوافع مشتركة للتحالف
تكمن وراء تلك الرؤية المشتركة للقوى الإقليمية مجموعة من الأسباب، يأتي على رأسها التمدد الإيراني الواضح في منطقة الشرق الأوسط إلى جانب دوافع أخرى منها؛
تسعى السعودية جاهدة لإقامة محور أو تحالف إقليمي لمواجهة النفوذ الإيراني
1. مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة
حيث تسعى إيران وبقوة إلى السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، فالمشروع الإيراني يتمدد فى المنطقة ويتوسع محاصرًا منطقة الخليج العربى شمالًا وجنوبًا، باسطًا نفوذه فى الدول العربية ذات الطوائف الشيعية، فطهران توجد الآن في ثلاث عواصم عربية وهي بغداد ودمشق واليمن، وقد اتضح هذا من تصويت وزراء خارجية العرب على قرار إنشاء قوة عربية مشتركة، حيث تحفّظت كل من العراق والجزائر، على إنشاء هذه القوة المشتركة.
ونتيجة لهذا التمدد الكبير لإيران في المنطقة، فإن الدول العربية وعلى رأسها السعودية، تسعى جاهدة لإقامة محور أو تحالف إقليمي لمواجهة النفوذ الإيراني، فالرياض تحرص على إقامة علاقات عسكرية وأمنية مع باكستان، وتفتح باب الحوار مع تركيا ومصر، من أجل مواجهة مثل هذه التحديات، ولذلك نجد أن الرؤية السعودية لحل الأزمة السورية تتوافق مع رؤية تركيا، والمتمثلة في رحيل نظام بشار الأسد لكونه نظامًا مواليًا لطهران.
2. الملف النووي الإيراني والموقف الأمريكي
فاستمرار إيران في المماطلة فيما يتعلق بمفاوضات الملف النووي والحديث عن تقارب أمريكي – إيراني في الفترة الأخيرة، يؤرق وبشدة الدول العربية، فالولايات المتحدة الأمريكية أضحت بشكل أو بآخر تعوّل على التعاون مع طهران لمواجهة تنظيم داعش في العراق وسوريا، حيث قامت طهران بقصف جوي على أهداف تنظيم داعش في محافظة ديالي في العراق، مما يعتبر موافقة ضمنية من قبل الولايات المتحدة على التعاون مع طهران، فضلًا عن تبادل الرسائل بين مرشد الثورة الإيرانية والرئيس الأمريكي أوباما للتعاون ضد تنظيم داعش الإرهابي، والأخطر من ذلك هو التوافق غير المسبق حول التعويل على النظام السوري لمحاربة تنظيم داعش، مما أثار مخاوف المملكة العربية السعودية. فعلى خلفية هذا التقارب الأمريكي–الإيراني، رفضت المملكة مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن في نوفمبر 2013، ردًا على السياسات التي تنتهجها واشنطن تجاه طهران.
ويعتبر التقارب الأمريكي الإيراني هو الأكثر حساسية في منطقة الشرق الأوسط، نظرًا لأنه أضعف الثقة لدى حلفائها الخليجيين، حيث أصبحت مصداقية واشنطن كقوة عظمى مهتزة في المنطقة، وبالتالي يمكن القول، إنه على الرغم من إعلان الولايات المتحدة أنها ستدافع بكل قوتها عن الرياض، فإن ذلك أصبح محل شك في ضوء ازدواجية المعايير التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأمريكية.
3. الخوف من إغلاق مضيق باب المندب
حيث يمثل مضيق باب المندب عصب الملاحة في البحر الأحمر، وتكمن أهميته في كونه من أهم الممرات المائية في العالم؛ حيث يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7% من الملاحة العالمية. وتزيد أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز، بالإضافة إلى أنه الطريق البحري الرئيسي لحركة النفط من منطقة الخليج.
وباالتالي فإن سيطرة الحوثيين على المضيق لا تمثل ضربة قاسمة لدول الخليج فقط، بل لكل الدول التي تعوّل على باب المندب في تجارتها الخارجية أو أمنها القومي وعلى رأسها مصر، فقد أعلنت القاهرة أكثر من مرة أنها جاهزة ومستعدة للتدخل جوًا وقصف مناطق المتطرفين أو الجهات التي تغلق المضيق وبالصواريخ بعيدة المدى إن اقتضت الحاجة؛ لأن القاهرة ستدافع عن مصالحها مهما كلفها الأمر، كما أكد رئيس هيئة قناة السويس مهاب مميش، أن مصر لن تقبل بإغلاق المضيق بأية حال من الأحوال، وستتدخل عسكريًا إذا استدعت الضرورة.
ثالثًا- صعوبات استمرار التحالف
لا شك أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه إنشاء مثل هذا التحالف، خاصة في ظل الخلافات الكثيرة بين الدول العربية من ناحية، ومصر وتركيا من ناحية أخرى، فضلًا عن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على الحكومة الباكستانية.
1. الخلافات المصرية – التركية
فقد أضحت العلاقات المصرية التركية بعد ثورة الثلاثين من يونيو على مفترق طرق، خاصة في ظل الدعم الإقليمي لجماعة الإخوان المسلمين من أنقرة، من خلال استضافة قياداتها الذين لا يبرحون مهاجمة مصر ليلًا ونهارًا، مما أدى إلى إثارة موجة من الجفاء الدبلوماسي بين القاهرة وأنقرة، فضلًا عن إعطاء الفرصة لجماعة الإخوان المسلمين، التي أصبح لها ظهير يساندها، إلى المماطلة في الاعتراف بما حدث، كما أكسبها نفسًا طويلًا في السباق السياسي للخروج بأكبر المكاسب.
على الرغم من إعلان الولايات المتحدة أنها ستدافع بكل قوتها عن الرياض، فإن ذلك أصبح محل شك في ضوء ازدواجية المعايير التي تتعامل بها أمريكا
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد؛ حيث وصف الرئيس التركي أردوغان ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري على شرعية الرئيس المنتخب، وذلك خلال كلمته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك نهاية شهر سبتمبر 2014، مما أثار غضب الحكومة المصرية والقوى السياسية، والتي طالبت بقطع العلاقات المصرية مع تركيا، كما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا شديد اللهجة أعربت فيه عن استيائها من تصريحات أردوغان، واعتبرتها تدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي المصري وخرقًا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، وافتراء على إرادة الشعب المصري والتي عبر عنها في 30 يونيو، كما ألغى وزير الخارجية سامح شكري الاجتماع الذي كان مقررًا مع نظيره التركي في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويعتبر هذا التوتر في العلاقات بين الدولتين حجر عثرة أمام تشكيل مثل هذا التحالف، إلا إذا شهدت الأيام المقبلة محاولة لتقريب وجهات النظر، وقيام الرياض بدور الوسيط في ذلك، من خلال البناء على تصريحات رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، والذي شدد على ضرورة إزالة التوتر مع القاهرة.
2. الخلافات العربية – العربية
وأبرز تلك الخلافات تلك الموجودة بين الدول العربية حاليًا حول إنشاء القوة العربية المشتركة، وهو ما اتضح كما سبق القول من تحفظ كل من العراق والجزائر على هذا الطرح، فضلًا عن الخلافات بين قطر ومصر على خلفية الموقف القطري من جماعة الإخوان المسلمين، وتسليط المنابر الإعلامية القطرية لمهاجمة النظام المصري. ومن الممكن الحديث أيضًا عن الخلافات المتعلقة بالزعامة فيما بين هذه الدول.
هذه الخلافات الواضحة قد تؤثر وبشدة على تشييد مثل هذا التحالف، خاصة في ظل عدم وجود رؤية واضحة ومحددة لدى الدول العربية لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب، وتفكك بنية الدولة، والتحدي الشيعي. هذا بالإضافة إلى التحديات الداخلية المرتبطة بكل دولة على حدة، فلو نظرنا إلى مصر على سبيل المثال، نجد أن الدولة ما زالت تعاني من وضع اقتصادي حرج يؤثر بالطبع على قدرتها في المجالات الخارجية.
3. التحديات السياسية الداخلية في باكستان
حيث تمر باكستان أيضًا بوضع أمني حرج للغاية، وذلك بسبب وجود حالة من التوتر على الحدود مع كل من الهند وإيران وأفغانستان، كما تواجه باكستان أزمة أمنية داخلية حادة، متمثلة في أنشطة حركة “طالبان باكستان” في المناطق القبلية، والتدهور الأمني في مدينتي كراتشي وكويتا، وأنشطة الحركات الانفصالية البلوشية، بالإضافة إلى محاولات لإشعال حرب طائفيةهناك.
ومما لا شك فيه أن الوضع الأمني الداخلي يؤثر سلبًا على موقف باكستان إزاء التحديات الأمنية الخارجية، وهو ما ألمح إليه وزير الدفاع الباكستاني، خواجه آصف، لدى اتهامه الهند باستغلال الوضع الأمني والسياسي داخل بلاده، ومما يزيد الموقف الباكستاني تعقيدًا، هو أن واشنطن دومًا ما تمارس ضغوطًا على الحكومة الباكستانية لاتخاذ سياسات بعينها، وهو ما ظهرت مؤشراته في الحرب الأمريكية على أفغانستان، حيث ضغطت واشنطن على إسلام أباد لفتح خطوط الإمداد اللوجستي لحلف الناتو بعد أن أوقفته باكستان احتجاجًا على مقتل 24 من جنودها نتيجة لغارة أمريكية بطريق الخطأ في نوفمبر 2011. هذا بدوره سيؤثر على الموقف الباكستاني من هذا التحالف، وقد يكون ذلك بضغط غير معلن من واشنطن.
رابعًا: مسارات محتملة
من الواضح أن تشكيل تحالف إقليمي في المنطقة لمواجهة المد الإيراني، سوف يواجه بتحديات عديدة كما سبق ذكره، لذا فإننا أمام عدد من المسارات المحتملة التي من الممكن التعويل عليها في هذا الاتجاه منها؛
1. تشكيل “التحالف السني”: وهذا يقتضي التغلب على كل المشكلات التي تعوق التقدم في هذا الملف المهم، وعلى رأسها إنهاء الخلافات المصرية- التركية، وكذلك الخلافات المصرية – القطرية، ومن الممكن في هذا الإطار أن تلعب السعودية والإمارات العربية المتحدة دور الوسيط للتغلب على تلك المعضلة الحقيقية، ولكن هذا الأمر يحتاج دعمًا من قبل القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يكون ذلك أمرًا ممكنًا إذا ما تم التعويل على هذا التحالف في مواجهة التهديدات الإرهابية التي يمثلها تنظيم داعش، لأن الإستراتيجية الأمريكية أصبحت غير مفيدة في هذا الصدد، وهو ما يقتضي إيجاد أدوات ووسائل بديلة لمواجهة مشكلات المنطقة.
2. الاكتفاء بإنشاء قوة عربية مشتركة: وقد يكون هذا هو البديل الأمثل لهذا التحالف في ظل التحديات التي تحيط به، ولا شك أن موافقة وزراء الخارجية العرب على مشروع القرار المصري بإنشاء هذه القوة، يعد خطوة حقيقية نحو التكامل العربي الذي غاب لعقود، وعلامة بارزة على التوافق القائم الآن بين الدول العربية، وإدراكها لحجم التحديات التي تحيط بها، ولكن هذا المسار هو الآخر تعوقه مجموعة من التحديات، منها السيطرة الإيرانية الواضحة على عدد من العواصم العربية، وهو ما ظهر في التحفظ العراقي والسوري على مشروع القرار.
3. التنسيق متعدد الأطراف أو الثنائي بين الدول العربية: وذلك كما حدث في عاصفة الحزم، حيث نسقت السعودية مع عدد من الدول العربية مثل الإمارات وقطر والبحرين والكويت والأردن ومصر والمغرب والسودان، للمشاركة في العملية الجوية التي تقودها الرياض، ولكن يبقى هذا الخيار هو الأضعف، لأنه يعتمد في المقام الأول على دافع المصلحة، كما أنه تنسيق مؤقت بطبعه يتنهي بانتهاء الحدث، ولا يوجد له إطار قانوني أو مؤسسي واضح، إذا ما تمت مقارنته على سبيل المثال بإنشاء قوة عربية موحدة تحت مظلة جامعة الدول العربية.
إبراهيم منشاوي
المركز العربي للبحوث والدراسات