التجارة الإلكترونية تحدث انقلابا في الاقتصاد العالمي

التجارة الإلكترونية تحدث انقلابا في الاقتصاد العالمي

 

شذى خليل*

   تعد التجارة الإلكترونية جزءا من علم الاقتصاد، ومن التجارة التقليدية، ولها علاقة وثيقة بالعلوم الأخرى مثل الإدارة والقانون، اذ تتطلب بيئة ادارية وتنظيمية مناسبة لإدارتها، و قانونية لحماية المتعاملين بها.
ويؤكد خبراء الاقتصاد ان الثورة الصناعية الثالثة التي تركز على صناعة البرمجيات والإنترنت والفضائيات المفتوحة، بدأت مع ظهور الكمبيوتر؛ مما احدث تطورات هائلة في جميع مجالات الحياة خصوصاً الاقتصادية والتجارية، فازدحمت الاسواق بالشركات والمنتجات المتعددة، واشتدت حدة المنافسة بينها، وبالتالي ظهرت التجارة الالكترونية وسيلة للتجارة الحديثة التي اسهمت وبشكل كبير في تغيير مستقبل العمل التجاري العالمي.

ومن ميزات التجارة الالكترونية، انها توفر الوقت والجهد وتسهل الوصول للأسواق الخارجية، وتساعد على النمو الاقتصادي وتحسين الصادرات والإنتاج، إلا أنها تطرح مجموعة من التحديات خصوصاً فيما يتعلق بالمنافسة في الأسواق المحلية حيث ان قدرات الشركات فوق القومية والمتعددة الجنسيات قد تؤدي إلى عدم قدرة الشركات الوطنية على منافستها والاستمرار في الأسواق.

ومن الامثلة للأسواق التجارية الإلكترونية العالمية :-
– سوق أمازون الذي اسسه جيف بيزوس في سياتل بالعاصمة الامريكية (واشنطن) بتاريخ 5 تموز 1994،وهو أكبر متاجر التجزئة القائمة على الإنترنت في العالم من حيث إجمالي المبيعات والقيمة السوقية.
وبدأ الموقع كمكتبة على الإنترنت، ثم بدأ ببيع أقراص الفيديو الرقمية، وأقراص بلو-راي، والأقراص المدمجة، تنزيل وبث الفيديو، تنزيل وبث ملفات MP3، وتنتج الشركة الإلكترونيات الاستهلاكية، وهو أكبر مزود لخدمات البنية التحتية السحابية في العالم .
– وسوق مجموعة علي بابا القابضة الصينية ، وهو تابع للقطاع الخاص الصيني، وتم إنشاء المجموعة في عام 1999 ويقع مقرها الرئيس بمدينة هانغتشو، في جمهورية الصين الشعبية،و أراد مؤسسها جاك ما، إنشاء بوابة إلكترونية أسماها علي بابا دوت كوم موجهة للأعمال لربط الصناع والتجار الصينيين بالمشترين من جميع أنحاء العالم، وتكسب جل إيراداتها من أنشطتها التجارية عبر شبكة الإنترنت، ثم أنشأ جاك ما موقع تاوباو على غرار موقع إيباي الموجه من المستهلك إلى المستهلك، الذي يعد واحداً من 20 موقعا هي الأكثر زيارة على مستوى العالم بضمه لما يقرب من مليار منتج، وتمثل مواقع مجموعة علي بابا القابضة أكثر من 60 % من الطرود المسلَّمة للصين.
ويوفر موقع علي باي (Alipay) خدمة الدفع المضمون عبر الإنترنت، لما يقارب نصف جميع معاملات الدفع الإلكتروني داخل الصين، اذ تمثل خدمات علي بابا الغالبية العظمى من هذه المدفوعات المستخدمة، وتسعى المجموعة لطرح خدمة أبيل دوفر في الولايات المتحدة بعد تعذر التوصل إلى اتفاق مع المنظمين في هونغ كونغ.
ودخلت علي بابا بوابة العالمية في 2014 بعد عرض أسهم الشركة للاكتتاب العام أمام المستثمرين في بورصة نيويورك، حيث جمع نحو 25 مليار دولار، مما جعل منه أكبر اكتتاب على الإطلاق
وتعد المجموعة أكبر امبراطورية للتجارة إلكترونية في العالم، اذ تتجاوز مبيعاتها السنوية 170 مليار دولار ويعمل بها أكثر من 22 ألف موظف في أكثر من 70 مدينة حول العالم، وتعمل الشركة بشكل رئيس على تسهيل التجارة الإلكترونية بين الأفراد والشركات والتجار على الصعيدين العالمي والصيني.
ومجموعة مواقع “علي بابا” مسؤولة عن أكثر من 60% من الطرود التي يتم تسليمها بالصين وتمثل الشركة نحو 80% من التجارة الإلكترونية في الصين، كما أن خدمة الدفع الإلكتروني “علي باي” تتولى تقريبًا نصف التحويلات المالية الإلكترونية ضمن الصين.

والشركة عبارة عن موقع يستطيع فيه المستخدمون بيع بضائع لبعضهم بعضا، مثل موقع إي باي، ويقدر عدد المنتجات في الموقع نحو مليار منتج من 7 ملايين مستخدم، كما دخلت علي بابا في مجال الإقراض أيضًا، فمنذ ثلاث سنوات تقدم الشركة قروضًا صغيرة (وسطيًا 8000 دولار أمريكي) للتجار الذين يستخدمون الموقع، مما منحها كمًا هائلاً من البيانات التي تستطيع استخدامها لتبني عليها استراتيجيتها، وقدمت الشركة قروضًا بقيمة 600 مليون دولار في عام 2012.
وقال خبراء بالتجارة الإلكترونية ان حجم مبيعات المجموعة بلغ قرابة 170 مليار دولار سنويًا، وبرأسمال يتراوح بين 120 و180 مليار دولار، مشيرين الى انه يفوق مبيعات موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الذي يقدر بـ15 مليار دولار، ما يدل على الإمكانات الكبيرة التي تتوافر عليها “علي بابا،” .
ويشير خبراء الى أن الشركة تتجه لتصبح أول شركة تجارة إلكترونية في التاريخ اذ تجري معاملات بيع وشراء بقيمة تريليون دولار أمريكي، متوقعين لها فرصا للنمو في المستقبل بشكل كبير، اذ ان مئات الملايين من المواطنين الصينين لم يجربوا التسوق إلكترونيًا بعد، وهؤلاء فرصة كبيرة لعلي بابا لجذبهم لهذه الخدمة. ويتوقع المحللون أن سوق التجارة الإلكترونية في الصين سيكون أكبر من الأسواق الحالية في كل من الولايات المتحدة، اليابان، والمانيا،و فرنسا مجتمعة بحلول عام 2020.
وتثير الأرقام التي يعلنها موقع علي بابا دهشة جميع الاقتصاديين بعد أن تضاعفت أعمال الشركة وقيمتها السوقية في 2017 ، الأمر الذي ينذر بإعادة رسم خارطة تجارة التجزئة.
واكد جاك ما، في دافوس 2018، ان الانقلابات الهائلة التي تحدثها عبارات مثل: “صنع في الصين” أو “صنع في الفلبين” ستختفي في المستقبل ليحل محلها صنع في الإنترنت، مشيرا الى ان معظم زبائن موقع علي بابا من الشباب الذين يرسمون المستقبل.
وتشير بيانات علي بابا الى الذهول لدى المراقبين حيث أصبحت تشحن أكثر من مليون طرد بريدي يوميا داخل الصين فقط، وبلغت مبيعاتها في 2017 اكثر من 750 مليار دولار، ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لعشرات الدول من الحجم المتوسط.

وتصل مبيعاته في يوم 11 نوفمبر من كل عام ، في مهرجان التخفيضات السنوي الذي يعرف بيوم العزاب المصادف، يصل الى 25.4 مليار دولار لتقفز مرة أخرى إلى مستويات قياسية تتوج الحدث كأكبر مهرجان للتسوق في العالم.
ووفق البيانات الرسمية، بلغ متوسط عدد صفقات البيع لموقع علي بابا في المهرجان نحو 256 ألف عملية في الثانية، وتعادل مبيعات ذلك اليوم الناتج المحلي الإجمالي لبلد مثل أفغانستان أو هندوراس في عام كامل.
وبات هذا اليوم معتمدا في أوساط منصّات التجارة المنافسة، وبعد أن كان صينيّا تحوّل إلى أكبر مهرجان للتسوق في العالم على مدى 24 ساعة وتتخطى إيراداته المبيعات التي تسجل في يومي الجمعة السوداء واثنين الإنترنت في أميركا معا وأصبح مؤشرا الى توجهات المستهلكين في الصين، التي أصبحت أكبر سوق للتجارة الإلكترونية في العالم، واسرعها نموا في مجال التسوق عبر الإنترنت التي تشمل جميع انواع الإنفاق الاستهلاكي.

وتتوقّع مجموعة بوسطن الاستشارية “بي.سي.جي” أن الإنفاق على التسوق الإلكتروني سيرتفع بنسبة 20 % سنويا، ليصل إلى 1.6 تريليون دولار بحلول عام 2020، مقارنة مع نموّ بنحو6% في السوق العادية.

أثر التجارة الإلكترونية على ما يلي :
– هيكل السوق:
تؤثر التجارة الإلكترونية على هيكل الأسواق سواء أسواق السلع والخدمات، أو أسواق عناصر الإنتاج، فالنمو الاقتصادي لا يعتمد على عرض عناصر الإنتاج فقط، أو زيادة في عرض السلع والخدمات، وانما على كيفية الاستفادة من هذه العوامل جميعها؛ لتحقق أعلى عائد ممكن، سواء اكان اقتصاديا، أو اجتماعيا، وذلك يتوقف على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في المجتمع وطبيعة السوق الذي يتم العمل به والذي يؤدي دوراً حاسماً في تحقيق التخصيص الأمثل للموارد، اذ كلما كان السوق قريب من المنافسة الكاملة أمكن تحقيق ذلك، والتجارة الإلكترونية تؤثر على هيكل الأسواق وخاصة أنها تقربنا من الوصول إلى سوق المنافسة الكاملة .
– النمو الاقتصادي:
تؤثر التجارة الإلكترونية على المتغيرات الاقتصادية ومعدلات النمو، فهي تؤدي إلى زيادة الأجور، ورفع مستوى المعيشة للأفراد، وهيكلة الأسواق وتوسيع نطاق التسويق، مما يعمل على زيادة المبيعات والصادرات، وبالتالي زيادة الإنتاج ومعدلات النمو، فاستخدام الدول للوسائل التكنولوجية الحديثة في التجارة يعمل على زيادة قوة اقتصادها ونموها، ويعود ذلك بالنفع على القطاعات الاجتماعية والصحية والتعليم، جراء استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في تعاملاتها، وفي ظل التجارة الإلكترونية يمكن تطوير الانتاج بشكل يتوافق مع طبيعتها الإلكترونية مما يزيد المبيعات، ويعمل على زيادة أرباح الشركات.

وتوفر التجارة الإلكترونية المناخ المناسب لزيادة الإنتاج ورفع كفاءته بدعم صناعات الحواسيب وبرمجياتيا، والصناعة التكنولوجية وصناعات أخرى مرتبطة بها، مثل وسائط التخزين الإلكترونية، والشبكات والاتصالات، التي تعد البنية التحتية للتجارة الإلكترونية.
ويتطلب انتشار التجارة الإلكترونية المزيد من هذه المنتجات مما يعمل على زيادة إنتاجها، وخاصة ان استخدام الوسائل الإلكترونية في التجارة يعمل على رفع مستوى الإدارة والتنظيم داخل المؤسسة، وتطوير أنشطة إنتاجيتها، مثل البحث على شبكة الإنترنت عن مصادر تمويل جديدة في الخارج، وانتاج أنواع جديدة من السلع تناسب طبيعة التجارة الإلكترونية، مما يعمل على دعم اقتصاديات الدول.

– الصادرات:
تساعد التجارة الإلكترونية في زيادة التجارة الخارجية، وخاصة الصادرات، وذلك بتسهيل الوصول للأسواق العالمية، وعقد صفقات تجارية بسهولة وسرعة دون أية قيود إدارية أو تجارية، والاستجابة لتغيرات طلب المستهلكين، وتسويق المنتجات المحلية في هذه الأسواق، مما يزيد صادرات هذه الدول.
وتعمل التجارة الإلكترونية على زيادة تجارة الخدمات بين الدول، ويمثل هذا القطاع 60% من إجمالي الإنتاج العالمي، ومع ظهور تقنية المعلومات والاتصالات الحديثة جعل التجارة الإلكترونية تسهل عملية التقارب بين المستهلكين والمنتجين وأزالت المسافات الجغرافية.

– الاستثمار:
تخلق التجارة الإلكترونية فرصا استثمارية جديدة، وخاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لأنها تؤدي دوراً مهماً في البنية التحتية للتجارة الإلكترونية، فانتشار التجارة الإلكترونية يتطلب زيادة الإنتاج في هذا القطاع، وتوجيه رؤوس الأموال للاستثمار نحوه؛ لتطوير البنية التحتية للتجارة الإلكترونية، وبالتالي زيادة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا والاتصالات، الذي يعمل على دعم الاقتصاد القومي.

– سوق رأس المال:
تؤثر التجارة الالكترونية على سوق رأس المال، اذ يتم تبادل رؤوس الأموال بين وحدات الفائض “المدخرون”، ووحدات العجز “المستثمرون”، من خلال إصدار الأسهم والسندات طويلة الأجل، والذي يؤدي دوراً كبيراً في تنشيط الاستثمار، وتحقيق النمو الاقتصادي، فالتجارة الإلكترونية تعمل على زيادة فاعلية بورصات الأوراق المالية، حيث يتم إبرام عقد الشراء والبيع للأوراق المالية المتداولة بالبورصة، وامكانية الحصول على المعلومات عن هذه الأوراق المتداولة بسرعة، وإصدار أوامر البيع والشراء لسماسرة، ويتم كل ذلك إلكترونياً، فالتجارة الإلكترونية تعطي مرونة كبيرة من خلال ما توفره من تعاقدات أو أوامر للبيع أو الشراء، من خلال البريد الإلكتروني أو وسائل إلكترونية حديثة تستخدم في التداول، وتوفير معلومات سريعة عن السوق للمستثمرين، لا يستطيع السماسرة توفير هذه المعلومات عن الأوراق المالية المتداولة في السوق بسرعة في بعض الأوقات.

– قوة العمل
معظم دول العالم النامية والمتقدمة ، تعاني مشكلات تتعلق بالبطالة وعدم توافر وظائف تستوعب الأيدي العاملة، وان التجارة الإلكترونية يمكن أن تحقق ميزات للاقتصاد الوطني للدولة في مجال التوظيف من ناحيتين:
• الاولى انها تحقق فرصاً جديدة للتوظيف، بإقامة مشاريع تجارية صغيرة ومتوسطة للأفراد وربطها بالأسواق العالمية بأقل التكاليف الاستثمارية، ولاسيما تجارة الخدمات التي توفر فيها التجارة الإلكترونية آلية للأفراد المتخصصين لتقديم خدماتهم على المستوى الإقليمي والعالمي دون الحاجة للانتقال، الأمر الذي يفتح المجال لهم للانطلاق في الأعمال الحرة.
• الثانية توفر التجارة الإلكترونية فرصاً وظيفية في عدة مجالات ذات الصلة بتطبيقات التجارة الإلكترونية، مثل المتخصصين في إنشاء المواقع التجارية الإلكترونية، والعاملين والإداريين والفنيين في المتاجر الإلكترونية، إضافة إلى توفير الفرص الوظيفية في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، التي تعتمد عليها التجارة الإلكترونية، من مهندسي الشبكات والبرامج اللازمة لتطبيقات التجارة الإلكترونية وغيرها.
ان استخدام التجارة الإلكترونية من شأنه أن يؤدي إلى الاستغناء عن الوظائف التقليدية وإحلال وظائف ذات مهارة جديدة محلها، الأمر الذي يتطلب تدريب العمالة على استخدام التقنية حتى تستطيع أن تدخل حلبة المنافسة وتفوز بوظائف.
مما يعني ان التجارة الإلكترونية تؤثر سلباً في الوظائف اليدوية والعمالة غير المؤهلة ولكنها تؤثر إيجاباً في العمالة المدربة تقنياً حيث تستطيع أن تجد وظائف بسهولة، وتساعد على استحداث مسميات وظيفية وتخصصات لم تكن مطلوبة أو معروفة من قبل.

التجارة الالكترونية والدول العربية : تعاني التجارة الإلكترونية في الدول العربية، ضعف التسويق وذلك إذا قارنا حجم التسوق الإلكتروني في الدول العربية مع ما ينفق على الإعلانات في المواقع العالمية، فهي ضعيفة، حيث يجب على المصارف والمؤسسات التجارية العربية الكبيرة ورجال الأعمال والمهتمين بالتجارة العمل على مواكبة التطور الحاصل في التعاملات التجارية.
بحيث تكون التجارة الإلكترونية قاعدة أساسية في استراتيجيتها التجارية المحلية والعالمية والمستقبلية أيضا، وبالرغم من أن الدول العربية تقف موقف الحذر والمتردد تجاه التجارة الإلكترونية، على عكس دول أخرى تتقدم نحوها بقوة لتحقق خطوات عملاقة نحو النمو الاقتصادي.

ونصل الى نتيجة أن التجارة الإلكترونية تساعد على الحد من مشكلة البطالة بتوفير فرص عمل جديدة، وخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وصناعة المعرفة، وتعمل على تسهيل الأعمال الفردية الحرة والمشاريع الصغيرة، والعمل من المنزل، وزيادة فرص العمل لذوي الاعاقة، واتاحة فرصة العمل للمرأة من المنزل دون الاضطرار للعمل في الخارج، إلا أنها تتطلب عمالة فنية متخصصة ومدربة قادرة على التعامل مع تطبيقاتها.

الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية