شذى خليل*
تعاني اليابان من ازمة العجز في اليد العاملة التي تهدد حياتها الاجتماعية والاقتصادية، حتى بعدما حاولت الحكومة اليابانية تغطية النقص في العمالة وتشجعها على توظيف السيدات وكبار السنّ على العمل ، واعتمادها أكثر على الإنسان الآلي والتشغيل الأوتوماتيكي لكنها لم تتجاوز الازمة.
إن هذا العجز ,الذي يعني الركود الكساد يُهدِّد الاقتصاد الياباني ، وحاجته إلى عمالة من الخارج ، حيث رصد تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية ، الحاجة إلى عاملِين من خارج اليابان ، بسبب تقلص عدد السكان وشيخوختهم ، ما يفتح الأبواب أمام العمال المهاجرين .
يعد ا اليابان واحدة من أكثر الدول تقدماً في العالم ، ويحتل الناتج القومي الإجمالي (قيمة السلع والخدمات المنتجة في اليابان خلال عام واحد) المرتبة الثالثة على مستوى العالم ، وتتميز العلامات التجارية اليابانية مثل “تويوتا” و”سوني” و “فوجي فيلم” و”باناسونيك” بشهرة عالمية كبيرة.
يعتمد الاقتصاد الياباني على الصناعة الثقيلة القائمة على تحويل المواد الأولية المستوردة ، فهي أول منتج للحديد والصلب في العالم ، وثالث قوة في تكرير البترول ، وأول منتج للسيارات ، وتساهم ب 40 % من الإنتاج العالمي للسفن.
اليابان ثالث قوة تجارية في العالم ، ويسجل الميزان التجاري الياباني ربحا سنويا وذلك بتصدير المواد المصنعة ، ووضع قيود جمركية على المواد المصنعة الأجنبية ، وبذلك يساهم بــ7 % من التجارة العالمية.
يعد التصنيع إحدى ركائز القوة الاقتصادية اليابانية ، ولكن ، مع ذلك ، تمتلك اليابان القليل من الموارد الطبيعية ، واليد العاملة ، لذلك فإن أحد الأساليب التي تتبعها الشركات اليابانية تتمثل في استيراد المواد الخام وتحويلها لمنتجات تباع محلياً أو يتم تصديرها.
وأوضحت بیانات أولیة رسمية يابانية ، ان الناتج المحلي الإجمالي تراجع كذلك في الفترة من یولیو إلى سبتمبر الماضیین بنسبة 0.3% ، وذلك مقارنة بمعدلاتها خلال الربع الثاني من العام الجاري.
في حين انكمش الاقتصاد المحلي بنسبة 1.2 %على أساس سنوي ، خلال الربع الثالث من العام الجاري ، متأثرا بكوارث طبيعة ألحقت أضرارا بالصادرات ، وإنفاق المستهلك ، والإنفاق الرأسمالي للشركات.
وتأثر الاقتصاد الیاباني خلال تلك الفترة ، بتراجع الإنفاق الشخصي الذي یمثل حوالي 60 % من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 % متأثرا بسلسلة الكوارث الطبیعیة التي تضمنت أمطارا غزیرة أودت بحیاة أكثر من 200 شخص في المنطقة الغربیة وأثرت كذلك على معدلات إقبال المستھلكین على إنفاق الأموال في المتاجر والمطاعم والمواقع السیاحیة.
كما انخفض الإنفاق الرأسمالي للشركات وھو إحدى الركائز الرئیسة الأخرى للطلب المحلي بنسبة 0.2 % في حین تراجعت الصادرات بنسبة 1.8 % بسبب ضعف الطلب على السیارات ، الى جانب تأثیر الكوارث الطبيعية ، من الزلازل والأعاصير التي أعاقت سلاسل الإمداد ، وأغلقت مطارا دولیا كبیرا یعمل كمركز لوجستي.
سوق العمل الياباني يحتاج 1.3 مليون من القوى العاملة الأجنبية
أقرّت اليابان قانوناً يعكس تغييراً كبيراً في سياستها ، ويسمح بدخول مزيد من الأيدي العاملة الأجنبية لتخفيف النقص الحاد في العمالة ، برغم انتقادات أشارت إلى تسرع شديد في صياغة القانون ، وتهديده بتعريض العمال للاستغلال ، الذي سيصبح سارياً بدءاً من إبريل نيسان المقبل ، ويقضي القانون بإنشاء فئتين جديدتين لتأشيرات الدخول ، من أجل جذب عمال في قطاعات تعاني أزمة عمالة ، إذ تخصص اليابان إحدى الفئتين للعمال الذين يمكنهم البقاء حتى خمس سنوات ، لكن لا يمكنهم جلب أفراد أسرهم.
ثم أقرّ مجلس النواب الياباني “الغرفة الثانية للبرلمان” مشروع قانون يسمح بفتح المجال أمام مئات الآلاف من المهاجرين للعمل في البلاد.
ويهدف مشروع القانون إلى معالجة العجز في الأيدي العاملة باليابان ، وارتفاع معدلات الشيخوخة في المجتمع.
ويدعو التشريع إلى إقرار نوعين من أنظمة الإقامة للمهاجرين ، النوع الأول يمنح المهاجرين من أرباب الحرف تصريح إقامة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد ، دون القدرة على اصطحاب أسرهم.
والنوع الثاني يمنح تصاريح إقامة غير محددة المدة للعمال أصحاب المهارات الفنية العليا ، مع إمكانية اصطحاب أسرهم.
فمنذ تولى “آبي” منصبه في ديسمبر كانون الأول عام 2012 ، ازداد الطلب على الأيدي العاملة لأعلى مستوياته ، بفضل تحسن الوضع الاقتصادي ، وعمليات إعادة البناء ، بعد موجات تسونامي التي نُكبت بها اليابان عام 2011 ، وطفرة البناء قبل استضافة طوكيو لدورة الألعاب الأولمبية عام 2020، ما اسهم في زيادة عدد العمال الأجانب بنسبة 40% منذ عام 2013 ، ويمثل الصينيون أكثر من ثلثهم ، يليهم الفيتناميون ثم الفيليبينيون والبرازيليون.
لكن شروط إصدار تأشيرة الدخول ، التي تمنع العمالة غير الماهرة ، تجعل الأجانب لا يمثلون سوى نحو 1.4% من مجموع الأيدي العاملة ، بالمقارنة مع 5% في معظم الدول المتقدمة ، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
في بداية عام 2019 ستستقبل اليابان نحو (47500) عامل ، اعتباراً من نيسان ، وتخطط اليابان لاستقبال ما يصل إلى (345150) عاملاً من الخارج خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتؤكد الحكومة ان اليابان بحاجة لنحو (586000) عامل إضافي ، بسبب العجز الكبير في عدد الأيدي العاملة ، وبالأخص في قطاع الصحة ، من الممرضين والمسعفين ، وفي الوقت الذي يتقدم فيه السكان في السن بوتيرة مقلقة بالنسبة إلى السلطات ، تظل البلاد تعارض السماح بقدوم الأجانب بأعداد كبيرة ، حيث لا يتجاوز عدد الأجانب 1.75 مليون نسمة ، أي 1.38% فقط من مجمل سكان اليابان .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية