وسط شدّ وجذّب تحالفي «البناء» من جهة، و«الإصلاح والإعمار» من جهة ثانية، على تمرير الوزارات المتبقية من عدمه، لا يزال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، متمسكاً بأسماء المرشحين لشغل الوزارات الـ8 المتبقية في حكومته، آملاً بـ«توافق سياسي» عليها. لذا يرفض عبد المهدي يرفض أن يقدم الوزارات المتبقية بشكل متفرق ويريد تقديمها في سلة واحدة. وفي هذا السياق أشار اكد النائب عن تحالف البناء حامد الموسوي، الاثنين، ان رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدياشار بكل وضوح بانه غير مستعد للحضور الى مجلس النواب دون ضمان الاتفاق على استكمال النصاب كاقل تقدير، فيما اشار الى ان عبد المهدي يريد اعطاء رسالة للكتل السياسية بانه رئيس وزراء قوي وحازم ولا يقبل كسر ارادته. وقال الموسوي، ان “رئيس مجلس الوزراء اشار بكل وضوح بانه غير مستعد للحضور الى مجلس النواب دون ضمان الاتفاق على استكمال النصاب كاقل تقدير”، مبينا ان “الاتفاق الشامل والكامل على المرشحين حتى اللحظة لم يتحقق”. واضاف الموسوي ان “عبد المهدي يريد ضمان استكمال نصاب جلسة البرلمان سواء اتفق البناء والاصلاح او لم يتفقو على المرشحين والتصويت على المرشحين وتمرير من يرونه مناسبا”، لافتا الى ان “حسم وزارتي الدفاع والداخلية هي معضلة تكررت بالحكومات السابقة ايضا وبحاجة الى حوارات مكثفة ومعمقة لحسمها”.واكد الموسوي، ان “عبد المهدي رغم انه بوضع لايحسد عليه الا انه عازم على المحاولة لاستكمال كابينته الوزارية خلال هذا الاسبوع”، لافتا الى انه “يريد اعطاء رسالة الى الكتل السياسية بانه رئيس وزراء قوي وحازم ولا يقبل كسر ارادته”. وشدد الموسوي على انه “كلما مرت الايام نرى ان هنالك ارادة يراد ان تكسر الحكومة من خلال محاولة فرض شكل محدد او اسم وزير معين على رئيس الوزراء”، موضحا ان “هذا الامر سيستمر الى الهيئات المستقلة والوكالات ولن ينتهي عند مستوى وزير محدد”.
في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق يعد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الفرصة الأخيرة لإعادة الإعتبار والهيبة للدولة العراقية، فقبل شهور من تكليفه تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، كتب مقالاً في جريدة «العدالة»، التي يشرف عليها ويطرح من خلالها آراءه ورؤاه لكيفية بناء الدولة، مهمة عبد المهدي لا شك، صعبة، بل باتت توصف في الأوساط السياسية والنخبوية بأنها بمثابة الفرصة الأخيرة للعراق، ولا سيما أن أحداث البصرة قد تتكرر وفي أكثر من مكان بالعراق وربما تطيح النظام السياسي كله. وفي هذا السياق، يرى المتابعون للشأن العراقي إن «الدكتور عادل عبد المهدي تسلم رئاسة مجلس الوزراء بتركة ثقيلة نتيجة الحرب على (داعش)، والعشوائية التي صاحبت الفترة الماضية، مع موارد شحيحة وسقف توقعات مشروع وعالٍ، وليس ميسوراً تحقيق نسب نجاح عالية». وأضافوا أن «ما يتوجب عمله هو تهدئة قلق الشارع وغضبه، وإعطاء جرعة أمل منشّطة، عبر توفير فرص عمل من القطاع الخاص، من خلال تقديم إغراءات وإعفاءات ضمن الحدود المتوفرة. إذ لم تعد الدولة قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من البطالة وجموع الخريجين الجدد». وتابع «الأمر يتطلب توفير الحد الأدنى من الخدمات، وتحسينها عبر رؤية جديدة لا تعتمد الآلية التي لم تحقق نجاحاً».
وحول رؤيته لما يمكن أن يقدِم عليه رئيس الوزراء المكلف، يشيرون «عبد المهدي سيركز على نزع فتائل التوتر السياسي الداخلية والإقليمية؛ ذلك أنه رجل حوار وليس شخصية صدامية. وسيقارب ما يمكن حله من الملفات الساخنة، ويدير ما يُختلف عليه بطريقة مختلفة، ما يخلق ثقة بين الشركاء وينزع الشكوك. وعلى المستوى الإقليمي، يحتاج إلى مقاربة هادئة للأزمات التي تعصف بالمنطقة، والعلاقات المتشنجة مع بعض الدول، مثل تركيا»ويستطردوا بأن «رئيس الوزراء المكلف يحتاج إلى تطوير هذا الانسجام الحاصل بين الرئاسات الثلاث، كل من موقعه، ودون الإخلال بدور كل منهم».
ويتضح من أزمة استكمال المناصب الوزارية في حكومة عادل عبدالمهدي السلوك الذي يتبناه حيث يؤشر لخطوات مهمه ونضوج سياسي عالي لشخصية سياسية تمتلك عمق سياسي وفكري كبير، لعل السلوك والنبل السياسي الذي يلتزم به لم يكن مصطنعا او مرحليا بقدر ما هو إيمان وإستراتيجية عمل تحكمها الأخلاق، جعلت منه رجل دوله بتمعن ودراية فمصداقيته ووضوح سلوكه وكفائته سمات ربما لم تجدها عند البعض ليس مدحا او مجاملتا فشخص مثل عبد المهدي لا يحتاج للمجاملة لكن اذا أردنا فعلا نبني دوله فلابد الاستفادة من تلك الشخصيات التي لم تمارس السياسة كتجاره بل مارسها لخدمة الناس بسياسة المصداقية والحكمة، فتجده على المستوى الوطني يمتلك علاقات متجذرة وعلى المستوى الخارجي لديه مقبولية كبيرة ، وربما علاقته بالمرجعيات الدينية مميزه ومتميزة، فكل تلك المميزات تجعلنا نستبشر بهكذا قيادات جعلت من نفسها مشروعا لفسح المجال للطاقات الشابة ولم تكتفي بدعمهم ومساندتهم بل وضعت خبراتها وإمكاناتها بخدمتهم وكما يقول توماس “لا تغري السلطة العقول النقية”.
رجل دولة وقادر على رسم خطة لإنقاذ البلد، لديه خبره في إدارة الدولة كونه كان وزيراً للمالية ونائباً للرئيس ووزيراً للنفط وسليل عائلة لها خبرة في ادارة الدولة كون والده كان وزيراً للاتصالات ووزيراً للمعارف في زمن الملكية فهو قادر على التنسيق مع الكتل في اختيار الوزراء المهنيين الأكاديميين القادرين على النجاح”. فإذا سارت أمورة تشكيل الوزارة بالطريقة التي يتطلع إليها عادل عبدالمهدي، فإنه بما يمتلكه من تاريخ سياسي يسمح له بمد الجسور بين الطوائف والإثنيات وبين الأطراف المنتمية إلى أي من هذه التيارات، أي قد يساعد على عودة المواطنة والانتماء إلى الوطن قبل الانتماء إلى الحزب والطائفة والإثنية، وقد تسمح له خلفيته الأكاديمية وإقامته في بلد غني بحياته السياسية مثل فرنسا، بامتلاك رؤية عصرية لمفهوم الوطن والمواطنة وما تقتضيه هذه الرؤية من مقاربات عصرية وعلمية للمشكلات المطروحة أمامه. كالفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ومسألة المنظمات المسلحة غير الحكومية، والإصلاح الإداري، والخطط التي ستتبعها حكومته لتحسين الخدمات الأولية للشعب من توفير ماء صالح للشرب إلى كهرباء إلى تعليم قريب لما كان سائدا خلال السبعينيات من القرن الماضي إلى ضمان صحي وغير ذلك.
خلاصة القول العراق يمر بمنعطف خطير لذا لابد من إنهاء تشكيلة الوزارية بما ينسجم مع رؤى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي كي يمضي في تنفيذ منهاجه الوزاري وفق جدوله الزمني الطموحة وأي تأخير في إنهائها سوف يعرقل قدرة الحكومة على تنفيذ ذلك المنهاج. وهذا التأخير لا تقع مسؤوليته فقط على عاتق رئيس الوزراء بل أيضًَا على مجلس النواب العراقي الذي يمثل السلطة التشريعية في الدولة العراقية، والذي تعد أهم سلطة في النظام الديمقراطي، لذا لا بد من تضافر الجهود للوصول إلى الغاية المنشودة في إنهاء تشكيلة للحكومة، للسير في العراق نحو شاطىء الأمن والسلام، وبما يخدم الشعب العراقي ويحقق مطالبه العادلة وحقوقه المشروعة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية