في الشرق الأوسط.. الإسلاميون ليسوا أعداء الديمقراطية

في الشرق الأوسط.. الإسلاميون ليسوا أعداء الديمقراطية

ad-adiyaman-mitingi-2__large1

تؤكد وفاة الرئيس التركي السابق، سليمان ديميريل، في نفس الشهر الذي عقدت فيه الانتخابات البرلمانية التركية حقيقة أنه كانت هناك تغييرات كبيرة في السياسة التركية خلال السنوات الأخيرة. وكانت حياة ديميريل السياسية قد بدأت بعد انقلاب عسكري أطاح بالحكومة التركية في عام 1960، وأسفر عن إعدام رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً حينها، عدنان مندريس، بتهمة تقويض الدستور. وأما في عام 2015، فقد أدت المعارضة واسعة النطاق لخطط الرئيس رجب طيب أردوغان بإجراء تغييرات كبيرة في الدستور إلى فقدان حزبه السياسي لعدد ملحوظ من المقاعد في البرلمان، وليس إلى إعدامه.

ويرى كثير من الناس، داخل وخارج تركيا، أن نتائج انتخابات يونيو 2015 هي تأكيد على قوة الديمقراطية في تركيا. وقد فقد حزب الرئيس أردوغان السياسي، حزب العدالة والتنمية، العديد من المقاعد البرلمانية، على الرغم من أنه لا يزال أكبر حزب في البرلمان. وتم تفسير نتائج التصويت على أنها بمثابة رفض لخطة أردوغان الساعية لتعديل الدستور بطريقة تمنح المزيد من الصلاحيات للرئيس، وهي الخطة التي ينظر إليها كثيرون على أنها خطوة نحو نظام سياسي أكثر سلطوية.

ولكن رغم ذلك، أكد كل من رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء، ورئيس حزب العدالة والتنمية، أحمد داود أوغلو، سرعة قبولهم لنتائج الانتخابات، وأعلنا بدء العمل على تشكيل حكومة جديدة. وقال أحمد داود أوغلو: “قرار شعبنا هو قرار نهائي. إنه فوق كل شيء، وسوف نتصرف وفقاً لذلك“.

وتعاكس نتائج الانتخابات التركية الرأي السائد منذ فترة طويلة حول العلاقة بين الإسلام والديمقراطية. وفي التسعينيات، عندما بدأت الحركات الإسلامية المشاركة بنشاط في الحياة السياسية نتيجة إعطائها الفرصة لفعل ذلك، لم يكن المسلمون الأكثر علمانية، والعديد من المحللين في الغرب، يثقون في دوافع الإسلاميين. وقال الناس، وهم مستمرون في القول، إن الإسلاميين هم أنصار الديمقراطية فقط حتى الفوز في الانتخابات والسيطرة على الحكومة، أي حتى يتمكنوا من السيطرة أو القضاء على الانتخابات. ومن الشائع أيضاً أن نسمع الناس يدعون أن البرنامج الديمقراطي للجماعات الإسلامية هو: “رجل واحد، صوت واحد، مرة واحدة“.

ويصنف كثيرون حزب العدالة والتنمية على أنه “إسلامي”، ويقول النقاد إن البرنامج طويل الأجل للحزب هو استخدام الديمقراطية لتخريب الدولة العلمانية التركية، وفي نهاية المطاف، إنشاء وإنفاذ دولة قائمة على نسخة تقليدية من الشريعة. ويرفض قادة الحزب هذا الاتهام، ويصنفون حزب العدالة والتنمية كمنظمة ديمقراطية محافظة اجتماعيًا. وأشار هؤلاء القادة إلى أن حزبهم قد انتخب في انتخابات ديمقراطية، وتولى السلطة في تركيا بسبب حصوله على أغلبية برلمانية في انتخابات عام 2002. وبعد أكثر من عقد من حكم حزب العدالة والتنمية، أظهرت انتخابات عام 2015 أن “الإسلاميين” لم يأخذوا بعيدًا قدرة المعارضة السياسية على تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات، وأن البرنامج هو في الواقع: “رجل واحد، صوت واحد، أكثر من مرة واحدة“.

وقد تم تعزيز تفنيد التعويذة القديمة القائلة “رجل واحد، صوت واحد، مرة واحدة”  بواسطة الانتخابات الأخيرة في تونس أيضًا. وهناك، وفي أعقاب الإطاحة بالنظام الديكتاتوري العلماني لزين العابدين بن علي، فاز حزب “إسلامي”، هو حزب النهضة، في الجولة الأولى من الانتخابات، وقام بتشكيل حكومة جديدة؛ إلا أن هذه الحكومة واجهت لاحقًا المشاكل الاقتصادية والسياسية الرئيسة في البلاد؛ وبالتالي، نمو السخط الشعبي. ورغم ذلك، لم يقم الحزب باستخدام وسائل غير قانونية للبقاء في السلطة، بل عقد انتخابات عام 2014 التي جلبت إلى السلطة حكومة جديدة يقودها علماني قديم اسمه الباجي قائد السبسي.

وبالرغم من خسارة النهضة للانتخابات، عقد زعيم الحزب، راشد الغنوشي، احتفالًا  أعلن فيه: “ما الذي نحتفل به اليوم؟ إننا نحتفل بالحرية! نحتفل بتونس! نحن نحتفل بالديمقراطية“. وقد كان الغنوشي داعيةً للديمقراطية طوال حياته المهنية الطويلة كناشط طلابي، وكمنفي سياسي، ومن ثم كقائد سياسي في تونس في مرحلة ما بعد الربيع العربي.

وتشمل صفوف الناشطين الإسلاميين كلًا من دعاة الديمقراطية وأنصار الحكم الاستبدادي، على حد سواء. وهذا الطيف مماثل لطيف صفوف دعاة العلمانية. وتعد بعض الدكتاتوريات المستبدة الأكثر وحشية في العالم الإسلامي، وأماكن أخرى، علمانية في أيديولوجيتها السياسية. وكان الطغاة الرئيسيون الذين تمت الإطاحة بهم في الربيع العربي، وهم زين العابدين بن علي في تونس ومبارك في مصر، يقودون أنظمة علمانية في الأساس، كما فعل صدام حسين في العراق.

وفي الشرق الأوسط الحالي، ظل النظام الإسلامي المستبد في إيران، حصل حسن روحاني على ما يقرب من 51 في المئة من الأصوات في انتخابات شهدت منافسة حامية في الواقع. ومن الممكن أن نرى في هذا التطور تعزيزًا للحركة الإسلامية التقدمية الديمقراطية العريقة، والتي يبلغ عمرها أكثر من قرن من الزمن، في إيران.

وتعد العلاقات بين الإسلام والديمقراطية في مرحلة ما بعد الربيع العربي متغيرة ومعقدة بطرق مهمة. وفي أواخر القرن العشرين، تم منح اهتمام كبير للسؤال عما إذا كان من الممكن التوفيق بين الإسلام والديمقراطية؛ إلا أنه، وقبيل العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، أصبحت الشروط السابقة لهذا النقاش قديمة وعفا عليها الزمن، وذلك على الرغم من أن بعض الناس، سواءً داخل أو خارج العالم الإسلامي، لا زالوا يكررون الشعارات القديمة.

وقد تمت تسوية القضية بالنسبة لغالبية المسلمين في العالم. ولا يرى هؤلاء اليوم أي تناقض حقيقي بين الإسلام والديمقراطية. وتدور المناقشات الرئيسة الآن حول الأشكال التي يمكن للديمقراطية الإسلامية أن تتخذها، وتأتي هذه المناقشات في ظل اعتراف متزايد بأن الدولة الإسلامية الديمقراطية قد تتخذ أشكالًا مختلفة.

وليست المعارك الحقيقية، والصراعات الأهلية، قائمة الآن بين دعاة الدولة “الدينية” ودعاة الدولة “العلمانية”؛ بل بين الرؤى الديمقراطية التقدمية، سواءً كانت علمانية أو دينية، والرؤى السلطوية، سواءً كانت علمانية أو دينية، أيضًا.

وتقمع الدكتاتورية العلمانية في مصر اليوم كل أشكال المعارضة، سواءً كانت إسلامية أو علمانية، في حين يسعى المتطرفون الإسلاميون بقيادة ما يسمى “الدولة الإسلامية” إلى إنشاء نظام استبدادي وحشي.

وفي نفس الوقت، تتعاون الحركات الإسلامية الكبرى والجماعات السياسية العلمانية في الأنظمة الديمقراطية الناجحة في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي، من السنغال إلى إندونيسيا. ويجب أن تكون الانتخابات الأخيرة في تركيا وتونس تذكيرًا فعالًا بأن الإسلام والديمقراطية لا يتعارضان.

التقرير