حملت زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، الأربعاء الفائت، إلى السعودية مؤشرات على رغبة جدية في بغداد في تنويع خياراتها الإقليمية، حيث تأتي الزيارة في ظل تعاظم الضغوط الأميركية على إيران، التي توّجها تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية. وإعلان ترامب -قبل قليل- عدم تجديد إعفاءات عقوبات نفط إيران عندما يحل أجلها في أيار/مايو المقبل، مشيرا إلى أن القرار يستهدف وقف صادرات النفط الإيراني تماما، مع حرمان النظام من مصدر دخله الرئيس.
وحظي عادل عبد المهدي بلقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أعرب بالمناسبة “عن ارتياحه للتطوّر والاستقرار الذي يشهده العراق، وأمل أن تؤدي زيارة عبد المهدي إلى تحقيق ما يصبو إليه البلدان من زيادة التعاون ورفع مستوى العلاقات بما يحقّق المصالح المشتركة للشعبين”.
من جهته، قال عبد المهدي إن “زيارته تجسد توجه الحكومة العراقية ورغبتها بتطوير العلاقات مع المملكة في جميع المجالات”، ولفت، وفق بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، إلى أن “تبادل الزيارات بهذا المستوى الكبير يفتح آفاقا واسعة ويحقق تطلعات الشعبين والأمن والاستقرار لعموم شعوب المنطقة”.
واصطحب عبد المهدي إلى الرياض أحد عشر وزيرا من أعضاء كابينته، ونحو 60 مسؤولا رفيعا في مختلف المجالات، فضلا عن وفد كبير جدا من رجال الأعمال، قارب عدد أعضائه الـ80.
وتتوّج هذه الزيارة سلسلة من الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، جرى خلالها وضع خارطة طريق لتوقيع أكثر من 20 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم في تسعة مجالات، تغطي جانبا واسعا من اهتمامات الجارين.
تقع على عاتق رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي، مسؤوليات سياسية وثقافية يعرفها جيدا، وتتعلق بالمنهج الإعلامي والتثقيفي لبعض الأحزاب الموالية لإيران، والعمل على إخماد جذوة نعرات الكراهية والثأر التي تعج بها وسائل إعلام هذه الأحزاب وفضائياتها، ما يجعل الخطوات الدبلوماسية للانفتاح العربي محفوظة داخل أدراج رئيس الحكومة الذي تقع على عاتقه أيضاً في هذه الأيام مسؤوليات كبيرة وتاريخية لإنقاذ البلد مما وصل إليه، ولديه مساحات واسعة للتحرك والاعتماد على كفاءات عراقية وخبرات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، قادرة على خدمة هذا التوجه إن كان جادا، وهؤلاء كثر داخل وخارج العراق لا يريدون مناصب أو مواقع حكومية بل فقط خدمة وطنهم.
لا شك أن إيران غير مرتاحة لزيارة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للسعودية، ولا لأية خطوة في الانفتاح العربي، لأنها تأكل من جرفها وتفتح بعض المتاريس التي أبقتها طهران مغلقة حول عنق العراق، وهي تعتقد أن كرة الثلج إذا ما تدحرجت بعيدا عن شرق العراق، سيصعب في المرحلة المقبلة إيقافها، وأن ولاء الميليشيات المسلحة وأنصار الحرس الثوري الإيراني واستعراضاتهم في الإعلام والشوارع والمدن، لن يعّطل تمزيق شباك العنكبوت الواهنة مهما تفنن قادة نظام طهران في الإيحاء بعظمتهم.
وبالعودة إلى زيارة رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي إلى الرياض، يقول متابعون للزيارة، إن أهميتها لا تقف عند عدد الاتفاقيات التي سيتم اعتمادها، ولكن بنتائجها السياسية في ضوء زيارته الأخيرة إلى إيران ومدى قدرة العراق على السير في منطقة للحياد تبدو مستحيلة.
ويجد رئيس مجلس الوزراء العراقي نفسه في موقع صعب كونه من ناحية يريد تثبيت اقترابه من المحور العربي، وخاصة من السعودية ذات الثقل الدبلوماسي والاقتصادي، ومن ناحية ثانية فهو لا يرغب في الصدام مع حلفاء إيران الذين يسيطرون على حكومته وعلى مختلف المؤسسات.
وعشية توجهه إلى الرياض، قال عبد المهدي، إن زيارته إلى السعودية ستكون كالزيارات السابقة إلى مصر وإيران، و” هي زيارات مهمة لبيان طريقة عمل العراق مع محيطه وجواره والعالم العربي والإسلامي”، مشددا على أن “العراق يريد أن يكون نقطة لقاء كبيرة”.
ويعتقد مراقبون أن طهران راقبت زيارة عبد المهدي إلى الرياض بتوجّس، في ظل النوايا الجادة التي يبديها السعوديون في دعم العراق، وتجدر الإشارة إلى أن العلاقة التي تربط العراق بإيران هي علاقة قائمة على المصلحة الأحادية، حيث تعمد طهران على استغلال العراق للالتفاف على العقوبات الأميركية، وتنظر إلى العراق حاليا بوصفه حليفا نادرا، يمكن أن يسهم في تخفيف ضغط العقوبات الأميركية عليها، من خلال تسهيل حصولها على العملة الصعبة، وفتح أسواقه أمام بضائعها، والاعتماد عليها في شراء احتياجاته من الغاز والكهرباء لسد النقص الذي يعانيه في قطاع الطاقة.
اليوم يمكن الحديث بهدوء عن العمق العربي للعراق باعتباره نمط تعريف واقعي مرتبط أساسا بنضج قناعات سياسية بشأن ضرورة إعادة التوازن المختل في منظومة علاقات العراق مع محيطه الإقليمي، وهذا التوازن لا يمكن ضمانه من دون الاعتراف بأن غياب العراق عن العرب، وغيابهم عنه، لم يكن في صالح أحد، وأن ما يمكن تسميته “النزعة الإيرانية” في السلوك الحزبي العراقي، أنتجت نفوذا سياسيا وأمنيا إيرانيا في العراق، لكنه يفشل في تحقيق نفوذ ثقافي، بالإشارة إلى دعم إيران لطبقات سياسية فاشلة تقدم المصالح الإيرانية على المصالح الوطنية العراقية، عمقت مفهوم “العمق العربي” في الذاكرة الشعبية وكرست مضامينه، في البيئة الشيعية العراقية قبل السنية.
لذا، كان لافتا أن يهتم رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح، الذي ينحدر من قومية كردية، بتكريس مصطلح “العمق العربي للعراق” في معظم خطاباته الأخيرة، كنوع من الإقرار الرسمي بخصوصية العلاقة بين العراق ومحيطه العربي، وأن تلك الخصوصية تمتد عميقا في التاريخ والمشتركات، وأن جهود اجتثاثها لم تكن مجدية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية