على الرغم من أن أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا أفضل بكثير من أوضاع رصفائهم في البلدان العربية، وخاصة لبنان والأردن ومصر، إلا أن القسم الأعظم من السوريين المتواجدين في تركيا، سواء اللاجئين داخل المخيمات أو الذين يقيمون خارجها، يعاني من تبعات الهجرة القسرية، ومن صعوبات معيشية، تتصل بالعمل والإقامة والتنقل بين الولايات التركية والاندماج. وعلى الرغم من تلك التحديات، أثار احتمال منح الجنسية للسوريين ضجة كبيرة في الأوساط السياسية التركية، كما أثار جدلاً وطنياً حول مستقبل اللاجئين السوريين في البلاد. ومع ذلك، وبعيدا عن موجة الاعتراض الواسعة داخل تركيا على تجنيس اللاجئين السوريين هناك، فإن منح اللاجئين الجنسية التركية ببساطة ليس حلاً مناسبًا للتحديات التي يواجهونها يوميًا في تركيا.
ووفقا لإحصاءات إدارة الهجرة التركية، بلغ عدد اللاجئين السوريين في نهاية عام 2018، إلى 3.623 ملايين، وهناك ما يقرب من 143,068 لاجئاً فقط يقيمون في المخيمات، أي أن 96 في المائة من السوريين يقيمون في المدن والبلدات التركية، ويشكلون قرابة 4.5 في المائة من إجمالي سكان تركيا، البالغ عددهم 81 مليون مواطن.
ومع ذلك، لا يصنف القانون التركي السوريين الذين يعيشون في تركيا على انهم لاجئين، مما يزيد وضعهم القانوني هناك تعقيدا. وفى حين كانت تركيا من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 منذ عام 1962، كانت أنقرة مستعدة فقط للانضمام إلى الاتفاقية بشرط أن تنطبق الاتفاقية حصرياً على اللاجئين الفارين من أوروبا. وقد تعاملت تركيا مع تدفق السوريين إليها في بداية عام 2011 على انه تدفق جماعي للاجئين، وليس مجرد لاجئين أفراد، ووضعت لهم قانوناً خاصاً.
صنفت الحكومة التركية السوريين في البداية على انهم “ضيوفاً”، وهو ما لا يتماشى مع أي قانون وطني أو دولي. وقد أعلنت وزارة الداخلية التركية أن السوريين مستفيدون من وضع الحماية المؤقتة، حيث أصدرت توجياً إدارياً في آذار/ مارس 2012، يتضمن، اتباع سياسة الحدود المفتوحة ومنع الإبعاد القسري للسوريين وتغطية الاحتياجات الإنسانية للسوريين المقيمين في المخيمات. وفى عام 2014 استحدثت الحكومة التركية قانون “الحماية المؤقتة”، الذي يتضمن الإقامة غير المحدودة في تركيا، وحمايتهم من الإعادة القسرية، وتوفير خدمات الاستقبال، ومعالجة الاحتياجات الأساسية الفورية.
.
وبحكم تلقيهم حماية جماعية مؤقتة، يحق للسوريين الحصول على بطاقة إقامة مؤقتة خاصة تسمى بـ (الكمليك). ويشمل نظام الحماية المؤقتة هذا جميع اللاجئين، بمن فيهم أولئك الذين لا يملكون وثائق تعريف شخصية (هوية، جواز سفر). كما يشمل أيضاً الفلسطينيين من سورية، وحتى الأشخاص بدون جنسية من سورية. وعلى الرغم من أن من أن حاملي بطاقة الكمليك لديهم الحق في العمل في تركيا، إلا أن فرصهم في العمل محدودة، ففي حين يُجري تقديم المساعدات للسوريين بشكل منتظم داخل المخيمات، تقدم نلك المساعدات لمن هم خارج المخيمات وفقا لمعايير خاصة، باستثناء الحصول على الرعاية الصحية والطبية العامة، التي تقدم لكل من يحمل بطاقة الإقامة الخاصة بالسوريين الكمليك.
وبالنسبة للسوريين الذين لا يمتلكون بطاقة الكمليك، هناك ثلاثة أنواع أخرى من الإقامات يكون هؤلاء اللاجئين مؤهلين للحصول عليها، منها تأشيرات السياحية، والعمل والاستثمار. وهناك عدة شروط يجب أن تتوفر للحصول على تأشيرة سياحة للسوريين مدتها عام أهمها، أن يمتلك السوري وثائق سفر رسمية، خاصة جواز سفر دخل به إلى الأراضي التركية بشكل نظامي، إضافة إلى وجود عقد إيجار منزل مصدق من البلدية لمدة عام كامل، لكن هذه الإقامة لا تخول للسوريين العمل على الأراضي التركية. ومن ناحية أخرى، يتطلب الحصول على إقامة العمل، تأمين عقد عمل نظامي في إحدى المؤسسات أو الشركات العاملة على الأراضي التركية، أما إقامة مستثمر، فهي تمنح لرجال الأعمال السوريين الذين يستثمرون أموالاً داخل الأراضي التركية.
ويقرّ الاقتصاديون الأتراك بإسهام كبير للسوريين في دورة الاقتصاد التركي، خلال السنوات السبع الماضية، وبالرغم من العبء الاقتصادي لهم على الاقتصاد التركي، إلا أن العائد الاقتصادي لاستثماراتهم وخبراتهم وقوة عملهم في تركيا كان أكبر. وقد قدم السوريون إلى سوق العمل التركي، خبرات عديدة، وكذلك للمنشآت والمصانع التركية، فضلاً عن المصانع والورشات والمطاعم وسواها، أضافة إلى قوى عاملة رخيصة.
واحتلت رؤوس الأموال والشركات السورية التي تم تأسيسها في تركيا خلال عام 2015، المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلاد، بنسبة وصلت إلى نحو 22.3 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وذلك وفقا لبيان صادر عن رئاسة هيئة الطوارئ والكوارث الطبيعية (آفاد)، التابعة لرئاسة الوزراء التركية، وأسّس رجال الأعمال السوريين خلال العام الماضي 1,595 شركة، وليس هناك أرقام دقيقة لحجم الاستثمارات السورية في تركيا، حيث يقدرها بعض الخبراء الاقتصاديين بحوالي 10 مليارات دولار، أو ما يزيد عن ذلك.
ومع ذلك، ترى المعارضة التركية أن تسهيل إجراءات منح الجنسية التركية للسوريين الراغبين فيها، بأنها تدخل ضمن سعي أردوغان وحزبه إلى الحصول على مليون ونصف مليون صوت إضافي لصالحهم، فيما اعتبر بعض قادة حزب الشعب الجمهوري، أن الرئيس التركي وحزبه يريدون توطين اللاجئين السوريين في الولايات ذات الأغلبية الكردية والعلوية، ما يعني القيام بعمليات تغيير ديموغرافية في تلك المناطق. وقد سبق أن تعهد رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في أكثر من مناسبة.
وفي سياق الجدل داخل الأوساط السياسية التركية، حول تجنيس السوريين في تركيا، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، مؤخراً، أن 53 ألف سوري حصلوا على الجنسية، يستطيعون التصويت في الانتخابات المحلية التي تم عقدها في نهاية مارس/ آذار الماضي، وأن “إجمالي عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية هو 79,820 شخصاً.
ويسهم خطاب المعارضة في تأجج غضب الأتراك حيال السوريين، إذ بدلاً من بحثهم عن مشاريع تكامل وإدماج، يتحدث قادة المعارضة على الدوام عن ضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم، وخاصة مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، ما يعني توتير الأجواء المناهضة للسوريين داخل المجتمع التركي.
وهكذا، أصبح موضوع اللاجئين السوريين بمثابة أداة لتسجيل النقاط السياسية في تركيا ، حيث بات يشكل مادة للتجاذب السياسي، ما بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة التركية، وخاصة في الاستحقاقات الانتخابية، الأمر الذي ينعكس سلباً على وضع السوريين في تركيا، من جهة إثارته لنزعات معادية لهم، حيث تسهم بعض وسائل الإعلام التركية في إلقاء تبعات تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على السوريين، الأمر الذي يجعل غالبية المواطنين الأتراك الفقراء يصبّون غضبهم واستياءهم على اللاجئين السوريين، زاعمين أن ارتفاع الأسعار وخاصة إيجارات السكن وارتفاع نسب البطالة سببها التواجد السوري.
ولا شك في أن مسألة اللاجئين السوريين وأوضاعهم، مرتبطة بشكل أساسي بالحل السياسي للقضية السورية، الذي يبدو أنه بعيد المنال وفق المعطيات الراهنة، وبالتالي، فإن الجدل حول اللاجئين السوريين في تركيا، لن يهدأ ومرشح للاحتدام. لذلك، فان أوضاع السوريين في تركيا لن تتغير إلى الأفضل حتى تحل أسباب لجوئهم، إذ أن تجنيس بعضهم لن يحل مشكلتهم، ولن ينهي معاناة الملايين منهم في سوريا. وإن كان ثمة حلّ، فهو يتجسد في حل سياسي، يوفر لهم بيئة آمنة، كي يعودوا إلى بلدهم، ويسهموا في بناء سورية جديدة، تتسع للجميع، وفق مبدأ المواطنة المتساوية، ولا مكان فيها لاستبداد النظام السوري الذي عمل بشكل ممنهج على تهجيرهم وتشريدهم.
معهد واشنطن