افتتح قادة مجموعة الـ 20 قمتهم، اليوم (الجمعة)، في أوساكا باليابان والتي يتوقع أن تكون واحدة من أكثر القمم التي تشهد انقسامات منذ سنوات.وافتتح رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الاجتماع الذي ستهيمن عليه مناقشات مثيرة للجدل تتعلق بالتجارة والتوترات الجيوسياسية وتغير المناخ.وحث رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قادة مجموعة العشرين على اتخاذ الإجراءات الضرورية لتحفيز الاقتصاد العالمي.وحذر آبي، الذي يترأس أعمال قمة مجموعة العشرين، من مخاطر يمكن أن تؤدي إلى هبوط الاقتصاد العالمي.وقال رئيس الوزراء الياباني خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة: “لقد تكثفت التوترات التجارية والجيوسياسية”، مشيراً إلى أن اليابان تريد أيضاً أن تضيف قمة العشرين زخما إلى إصلاحات منظمة التجارة العالمية.
سنة تلو الأخرى، تكتسب قمة مجموعة العشرين اهتمامًا متزايدًا، مع تحوّلها إلى منصة تجمع قادة أهم 20 دولة في العالم، من حيث القدرات الاقتصادية. ومع التداخل الفائق بين عالمَي الاقتصاد والسياسة، باتت المسائل السياسية حاضرة بقوة على طاولة مجموعة العشرين، في لقائها السنوي. فما هي هذه المجموعة، ولماذا تأسست وكيف تعمل؟
تعد “مجموعة العشرين” (G20) اليوم منتدى رئيسيا للتعاون الدولي فيما يخص أهم نواحي المجالين المالي والاقتصادي العالميين. وتضم المهام والأهداف الرئيسية للمنتدى تنسيق سياسة الدول الأعضاء من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو الثابت وتحريك النظام المالي لتخفيض الأخطار ومنع وقوع أزمات مالية، وكذلك إنشاء هيكل مالي دولي جديد.وتم اتخاذ القرار حول تأسيس “مجموعة العشرين” في لقاء وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية لسبع أكبر اقتصاديات عالمية (بريطانيا وإيطاليا وكندا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان) في واشنطن في أيلول/ سبتمبر عام 1999، فيما جرى مؤتمر تأسيس المجموعة في ديسمبر عام 1999 في برلين.ويعود السبب الأصلي لتأسيس “مجموعة العشرين” إلى الأزمة المالية لعامي 1997 و1998، التي أظهرت ضعف النظام المالي الدولي في ظروف عولمة العلاقات الاقتصادية، كما بينت أن الاقتصاديات النامية ليست مندمجة بالشكل الضروري في مناقشة وإدارة الاقتصاد العالمي.
ويقضي الشكل الرئيسي لنشاط الندوة بإجراء لقاءات سنوية على مستوى وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية. وعام 2008 اتخذ قرار حول تغيير شكل لقاءات “مجموعة العشرين” وإجراء لقاءات على مستوى رؤساء الدول والحكومات.وتضم المجموعة حاليا 20 دولة، وهي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وجنوب إفريقيا وتركيا والسعودية وروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا وأستراليا والاتحاد الأوروبي.
وتمثل هذه الدول اليوم نحو 66% من سكان العالم، و75% من التجارة الدولية، و80% من الاستثمارات العالمية، و85% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.وتقليديا يشارك في قمم “مجموعة العشرين” أعضاؤها الدائمون و5 دول ومنظمات دولية أخرى. أما الاتحاد الأوروبي فيمثله رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي.
وتعقد قمم المجموعة في الدولة التي تنفذ واجبات رئيس المجموعة. ويتم تغيير الدولة الرئيسة للمجموعة كل عام. وعام 2015 كانت تركيا ترأس “مجموعة العشرين”، فيما عقدت قمة المجموعة عام 2016 في الصين، وعام 2017 في ألمانيا، وعام 2018 في الأرجنتين. وتستضيف اليابان قمة “مجموعة العشرين” عام 2019.وتشارك روسيا في كل قمم “مجموعة العشرين” منذ تأسيسها. كما كانت تقترح مناقشة المسائل التي كانت تدخل بشكل ثابت فيما بعد في البيانات الختامية لهذه القمم. وكانت روسيا ترأس “مجموعة العشرين” عام 2013 واستضافت القمة في سبتمبر عام 2013 في مدينة سان بطرسبورغ.
ويقسّم أعضاء المجموعة، ما عدا الاتحاد الأوروبي، إلى خمس مجموعات، في كل منها أربع دول، سوى المجموعة الثالثة مؤلفة من ثلاث دول، تتبادل سنوياً وبشكل دوري رئاسة المنتدى.
وفيما تضمّ كل من المجموعات الثالثة والرابعة والخامسة، دولاً من منطقة جغرافية واحدة، تتألف المجموعتان الأولى والثانية من دول مختلطة جغرافياً.
وعلى الرغم من اكتساب جميع الأعضاء حق رئاسة المنتدى، عندما يحين دور مجموعتهم، إلا أن مداورة الرئاسة داخل المجموعة الواحدة غير إلزامية، ويعود لكل مجموعة اختيار الرئيس الذي يمثلها، بعد التفاوض في ما بينها.
المجموعة الأولى | المجموعة الثانية | المجموعة الثالثة | المجموعة الرابعة | المجموعة الخامسة |
أستراليا | الهند | الأرجنتين | فرنسا | الصين |
كندا | روسيا | البرازيل | ألمانيا | إندونيسيا |
السعودية | جنوب أفريقيا | المكسيك | إيطاليا | اليابان |
الولايات المتحدة | تركيا | المملكة المتحدة | كوريا الجنوبية |
تدير مجموعة العشرين شؤونها، من دون وجود أمانة عامة أو مكاتب دائمة خاصة بها، بل يؤسس كل من يتولى رئاسة المجموعة فريقاً خاصاً به، يشرف على تنظيم نشاطات المجموعة واجتماعاتها، طوال سنة ولايته، التي تبدأ في الأول من ديسمبر وتنتهي في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، من كل عام.وحرصاً على استمرار العمل في المجموعة، تساند مهام الرئاسة ترويكا مؤلفة من الرئيس الحالي للمجموعة والرئيسين السابق والمقبل، ففي قمة أوساكا اليابانية لعام 2019، تساند اليابان كلاً من الأرجنتين، الدولة المضيفة السابقة، والسعودية، الدولة المضيفة للقمة المقبل.
وبينما كانت جميع اجتماعات المجموعة مقتصرة، منذ تأسيسها، على وزراء المالية وحكّام المصارف المركزية، تحوّل المنتدى عام 2008، عقب الأزمة المالية التي ضربت العالم حينها، إلى قمّة سنوية لقادة مجموعة العشرين، يحضرها رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية.
وفضلاً عن قمة القادة، يواظب كبار مسؤولي دول مجموعة العشرين على عقد اجتماعات في ما بينهم لمواكبة الأحداث الاقتصادية في العالم ومعالجة مسائلها، بغية تعزيز نمو الاقتصاد العالمي.
وإضافة إلى ممثلي دول مجموعة العشرين، يحضر القمّة السنوية ممثلون عن ضيوف دائمين، هم إسبانيا ورابطة أمم جنوب شرقي آسيا (أسيان-(ASEAN والاتحاد الأفريقي والشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا. كذلك يحقّ للدولة المستضيفة دعوة دولة واحدة، وفي بعض الأحيان أكثر، لحضور القمة، التي يشارك فيها أيضاً ممثلو بعض المنظمات الدولية، منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
في السنوات الأولى لانطلاق مجموعة العشرين، تركّز البحث فيها على سبل تأمين استدامة الديون السيادية والاستقرار المالي العالمي، ومع مرور الوقت، توسّعت نقاشات المجموعة، وباتت تشمل البحث في نمو الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية وتنظيم الأسواق المالية، إضافة إلى مسائل أخرى، كالطاقة والبيئة والتغير المناخي وتمكين المرأة.
وعلى الرغم من أن مجموعة العشرين ليست منظمة دولية قادرة على اتخاذ قرارات ملزمة قانونياً لأعضائها، غير أن لمباحثاتها أهمية دولية، تفرض مسؤولية معنوية عليهم أمام الرأي العام.
وفيما تعقد قمة عام 2019 في مدينة أوساكا اليابانية، وسط أجواء التوتر المرتفعة بين الولايات المتحدة وإيران حالياً، يتوقّع أن يستمرّ الجدل داخل المجموعة، بشأن التغير المناخي والسياسات الحمائية ومكافحة الإغراق، خصوصاً مع الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين.
فعلى الرغم من تمكّن المجموعة، في قمة عام 2017 في مدينة هامبورغ الألمانية، من التوصّل إلى تسوية مناخية، تحفظ فيها اتفاق باريس المناخي مع السماح للولايات المتحدة بانتهاج سياسة مناخية مختلفة بعد انسحابها من الاتفاقية، فشلت قمّة عام 2018، في بوينس آيرس في الأرجنتين، في التوصّل إلى إستراتيجية عالمية لمكافحة التغير المناخي، مع رفض واشنطن الصريح هذا الأمر.
كذلك على الصعيد التجاري، شهدت قرارات المجموعة تراجعاً بين عامي 2017 و2018، إذ اضطرت المجموعة في قمّة الأرجنتين على تفادي استخدام عبارة مكافحة “الحمائية” في بيانها الختامي، لاعتراض واشنطن عليها، بعدما انتزعت موافقتها في قمّة هامبورغ السابقة على إدانة “الحمائية”.
تنعقد قمة العشرين الحالية وسط انقسامات وأجواء مشحونة وجبهات مشتعلة لا يمكن التكهن مسبقا بمواقف ترامب، ولا سيما بعدما أطلق حملته للانتخابات الرئاسية المقبلة مضاعفا التصريحات والمواقف النارية، غير أن غالبية الخبراء يتوقعون هدنة بين الصين والولايات المتحدة.
يرى ديفيد دولار من مركز “بروكينغز إنستيتيوشن” للدراسات أنه من الممكن التوصل إلى “اتفاق مصغر” تتريث بموجبه الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية جديدة، وتقدم ربما بعض التنازلات بشأن شركة “هواوي” الصينية للاتصالات التي تشن عليها واشنطن حملة محكمة، مقابل استئناف بكين شراء منتجات مزارعين أميركيين كبادرة حسن نية.
لكن الخبير حذر بأن الحرب التجارية ستشهد هدنة لبضعة أشهر “قد تنتهي بخيبة أمل إذ يبدو التباعد كبيرا بين الطرفين”.
وأعرب رئيس معهد “إيجيان ديفيلبمنت بنك إنستيتيوت” ناويوكي يوشينو عن أمله بأن يقوم الرئيسان بـ”تهدئة المخاوف” التي تسود الأسواق المالية المتوترة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
ووسط التوتر المتصاعد مع إيران، وجه ترامب تحذيرا جديدا لطهران التي تفرض عليها واشنطن عقوبات لاتهامها بمواصلة السعي لحيازة السلاح النووي وبالتدخل في النزاعات في الشرق الأوسط.وتحدث عن احتمال قيام حرب “لا تطول كثيرا” مع إيران، فيما تسعى روسيا والصين والأوروبيون إلى تهدئة الأوضاع.
إضافة إلى الصين وإيران، يبدو ترامب مصمما على عدم مراعاة أي من شركائه في مجموعة العشرين، على ضوء تصريحاته الأخيرة المدوية.
وندد في طائرته الرئاسية “إير فورس وان” الخميس بالرسوم الجمركية “غير المقبولة” التي تفرضها الهند برأيه، موجها بذلك تحذيرا إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قبل لقاء ثنائي مرتقب في أوساكا.
كما وصف ترامب ألمانيا الأربعاء بأنها “شريك فاشل” واتهمها بأنها “تدفع مليارات ومليارات الدولارات لروسيا لشراء موارد الطاقة، ورغم ذلك علينا تأمين حمايتها”، وذلك قبل لقاء مقرر مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
وقال ترامب الذي يعمد منهجيا إلى إثارة البلبلة في كل اللقاءات الدولية الكبرى “كل دول العالم تستغل الولايات المتحدة، إنه أمر لا يصدق”.
والرئيس الوحيد الذي لم يستهدفه ترامب حتى الآن بأي تغريدة غاضبة أو تصريح شديد اللهجة هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سيلتقيه أيضا في أوساكا، علما أن البلدين يتواجهان في الأزمة مع إيران.
وفي هذه الأجواء المشحونة، ستجهد اليابان التي تستضيف قمة العشرين لحمل جميع الأطراف على التوقيع على البيان الختامي.
وتكمن أهمية البيان الذي يجري التفاوض على أدنى تفاصيله، في الرسالة الدبلوماسية التي يوجهها، وهو يدافع تقليديا عن التبادل الحر وعن خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والموضوعان خطان أحمران للرئيس الأميركي الذي ينتهج الحمائية وأخرج بلاده من اتفاق باريس حول المناخ.
وأصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحذيرا قبل انطلاق أعمال القمة، فأعلن خلال زيارة رسمية لليابان بأنه “إذا لم نستطع، من أجل التوصل إلى اتفاق في قاعة تضم العشرين، الدفاع عن الطموح المناخي، فسيتم ذلك بدون فرنسا، بكل بساطة”.
فهل ستتمكّن قمّة عام 2019، من إخماد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وبين هذه الأخيرة والاتحاد الأوروبي والدول الدول الأخرى؟ الإجابة رهن اليومين المقبلين.
وحدة الدراسات الاقتصادية