المعروف في عالم النفط أن الضحية الأولى لأي خلاف داخلي أو خارجي في أي بلد نفطي هي المنشآت النفطية، والأدلة على ذلك كثيرة!لهذا ليس من المستغرب استهداف المنشآت النفطية السعودية، بل المستغرب تأخره، إذا قارناه ببداية الحرب في اليمن، أو الخلاف مع إيران. والمستغرب أيضا أن آثاره كانت محدودة جداً. إن تركيز الهجمات على مواقع نائية يدلّ على أن عصب صناعة النفط السعودية محميّ بشكل كبير.
شيوع الهجوم على المنشآت النفطية في أي حرب أو خلاف سياسي
كل الحروب في الـ 110 سنوات الأخيرة، شملت الهجوم على المنشآت النفطية في شتى أنحاء العالم، وشملت حاملات النفط المتجهة للدول المستهلكة. ولعل أكبر دمار للمنشآت النفطية وناقلات النفط حصل في الحرب العالمية الثانية، والتفاصيل في هذا المجال مثيرة جداً لأنها تتضمن قصصا عجيبة، بما فيها مهاجمة الإيطاليين الفاشلة لحقول السعودية بالطائرات، والهجمات الانتحارية للطائرات اليابانية على ناقلات النفط.
ويشمل هذا التاريخ تدمير العراق وإيران لمنشآت الطرف الآخر. ولا ننسى حرق جنود صدام حسين للآبار الكويتية.
وإذا نظرنا على مستوى الخلاف المحلي، نجد وسائل الإعلام تنقل لنا من حين إلى آخر هجوم ميليشيات محلية على الحقول والمنشآت النفطية في ليبيا ونيجيريا.
تاريخيا، هاجمت ميليشيات محلية المنشآت النفطية في كل من كولومبيا واليمن والعراق وسوريا والجزائر، وحتى في الولايات المتحدة. كما كان هناك هجمات عدة على الأنابيب في إيران، وتم تفجير أنبوب الغاز المتجه من مصر إلى إسرائيل مرات عدة.
لماذا يُستهدف النفط ومنشآته رغم أنها منشآت مدنية وليست عسكرية؟
هناك إجابات متعددة، وقد يكون الجواب بضعا منها أو كلها:
1- دعاية إعلامية ضخمة بتكاليف بسيطة: المهاجم في أغلب الأحيان مجموعة صغيرة، أو الطرف الأضعف في الخلاف، أو طرف مجهول، بينما النفط سلعة استراتيجية عالمية تغطيها وسائل العالم لحظيا. لهذا فإن مهاجمة أنبوب في كولومبيا مثلا، يجعل العالم كله يعرف مشكلة هذه المجموعة ووضعها التاريخي داخل كولومبيا وأهدافها. لهذا قد لا يكون هدف الهجوم إحداث أضرار ضخمة، ولكن إحداث صدى إعلامي كبير، يصبّ في صالح المجموعة، حسب رأي قادتها.
2- إجبار الطرف الآخر على التفاوض: النفط هو عصب الاقتصاد في كثير من الدول النفطية، ومصدر قوة الحكومة، وفي بعض البلاد الأفريقية بالذات، هو مصدر قوة الرئيس وأولاده، وبالتالي فإن أي ضرب للمنشآت النفطية هو محاولة لإضعاف هذه القوة، والتأثير المباشر عليها، وجعلها تحس بأثر المعارضة. هنا الطرف الأضعف يحاول أن يضغط على الطرف الآخر للتفاوض وإنهاء الخلاف. ومرت فترة على العراق كان فيها حل النزاع يتم عن طريق ضرب أو التهديد بضرب المنشآت النفطية.
3- تقاسم كعكة الإيرادات النفطية: هناك أدلة من بعض الدول على أن مهاجمة المنشآت النفطية وأنابيب النفط بالذات، هدفها التخريب على الجميع، لأن فئة ما لم تحصل على نصيبها العادل من الكعكة النفطية، حسب وجهة نظرها.
4- تشويه سمعة الحكومة كمصدر آمن للنفط: بنت عدد من الدول سياستها النفطية على أنها مصدر آمن للنفط، وحاولت إبعاد السياسة قدر الإمكان عن سياساتها النفطية. وبهذا يصبح استهداف المنشآت النفطية هدفه ضرب الهدف الاستراتيجي للدولة، حتى لو كانت آثار الهجوم بسيطة جدا.
5- الترويج للمجموعة المهاجمة وتقوية صفها الداخلي: قادة الأحزاب والحركات المسلحة، وحتى قادة العصابات، يدركون أهمية هذه النقطة. أي نجاح لعملياتهم، ولو كان بسيطا، يُضخّم بشكل كبير داخل المجموعة، للحفاظ عليها من جهة، وتوسيعها من جهة أخرى.
خلاصة الأمر أن للهجوم على المنشآت النفطية المدنية أهدافا متعددة، رغم معرفة المهاجمين أن الأثر الفعلي ضئيل. لقد مكّنت التكنولوجيا ووسائل الاتصال الاجتماعي مجموعات، حتى الصغيرة منها، من ضرب أهداف كان من غير الممكن ضربها في الماضي، والاستفادة منها إعلامياً، والذي لم يكن ممكنا في عالم ما قبل وسائل الاتصال الاجتماعي.
ومن الواضح أن وسائل الإعلام الغربية تجاهلت حقيقة الهجمات على منشآت النفط السعودية: الهجمات كانت في مناطق نائية ومعزولة وقليلة الحراسة، بوسائل يصعب كشفها، بآثار ضئيلة على الإنتاج ونقل النفط. ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن المراكز الأساسية لصناعة النفط السعودية محمية بشكل كبير، ولهذا نتيجة واحدة وهي أن السعودية.
اندبدنت العربي